فلسفة البكاء (4) / ا.جهاد الخنيزي

 


فلسفة البكاء (4)

ا.جهاد الخنيزي

‏(16)

وبكى الإمام علي بن الحسين عليه السلام والده الإمام الحسين عليه السلام، الشهيد بكربلاء أربعين عاما، وظهر معنى البكائية في خطبته في أهل المدينة عند عودتهم من الشام حيث قال: "أيها الناس، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله،أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه، أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام"(مثير الأحزان  ، ابن نما : 90 ـ 91)

(١٧)

لقد جئنا بهذه الأمثلة القليلة لنبين أن البكائية مرتبطة بالكارثية وباستمرارها فخروج آدم من الجنة مثلت له ولكل البشرية كارثية خروج من النعيم إلى دار الجهد والتعب وهزيمة أولى أمام وسوسة الشيطان وكشفت ضعف الإنسان، وغيبة يوسف مثلت عند يعقوب كارثية الفراق فيمن له أهلية الخلافة عنه ودخول الشر إلى بيته بين ولده والتي عبر عنها بقوله "قَالَ يَٰبُنَىَّ لَا تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَىٰٓ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لِلْإِنسَٰنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ"، وكارثية كربلاء مثلت صدمة في الوعي بفهم وتطبيق الإسلام وعلاقته بالسلطة وما يمكن أن ينتج منها، وكانت تلك بمثابة أسئلة حرجة لأمة حديثة تشكلت باسم "الأمة المسلمة".

‏(١٨)

في هذه الحدود نفهم أن فلسفة البكاء أو ما سميته البكائية ذات غرض احتجاجي عميق يهدف إلى:

١. إظهار عدم القبول بالحدث على المستوى الذهني والنفسي.

٢. المداومة على عدم القبول هذا.

٣. جعله طابعا شعائريا ذا معنى، وتوظيفه لتحقيق الهدف.

٤. جعله معيارا للتمييز بين وضعين، وحالتين، وقبولين.

(١٩)

هذه البكائية كما تتسم بالاحتجاجية تتسم بالسلمية، أي أنها بديل العنف المادي، وبلغة مختصرة احتجاج سلمي يهدف إلى إرسال رسالة للعالم بأن ما حدث كان مرعبا ومؤلما ومستنكرا وخطيرا وعليكم أيها البشر أن تعرفوا ما جرى وتمنعوا من حدوثه رفضا لما كان أو قد يكون.

‏(٢٠)

وينكشف هذا المعنى السلمي أكثر حينما نضم له الاندهاش، فممارسة بكائية الجريمة الأولى (قتل هابيل) في كل موسم هو استنكار لها والتي عبر عنها ببكائية تموز حسب شرح السيد سامي البدري، وحتى نصل لهذه الغاية نحتاج إلى أن نلفت العالم لألم الحدث العميق على ضمير الإنسان. ذاك الجرح الذي سيكون بداية لممارسة الحرب والعنف والتدمير الذي ستبتلي به البشرية.

يتبع...

تعليقات