#خاطرة_الجمعة « ما مقدار رصيدك من الصحة ؟! »

 


#خاطرة_الجمعة « ما مقدار رصيدك من الصحة ؟! » 

إذا كان كل شيء في حياتنا اليوم يقاس بالأرقام والحسابات، فهل من الممكن أن نقيس الصحة بالأرقام أيضًا ؟ لا يحتاج المرء اليوم إلى الكثير من البحث ليعرف أهمية المال والحسابات البنكية والاستثمار وعلاقاتها بجودة الحياة !!

كم منّا تمنى لو أن يصل إلى مرحلة ما بعد الستين أو السبعين من العمر، بحيث لا يضطر إلى تحمّل أعباء العجز والاعتلال لا قدر الله .. كم منّا تمنى لو أن يعيش شيخوخته دون متاعب وعناء فيشعر بمعنى الحياة .. كم هو مريح أن تكون في هذه المرحلة، قادرّا على التعامل الأفضل مع الأنشطة اليومية ومعطيات الحياة، وقضاء حاجاتك بنفسك دون مساعدة الآخرين ..كم هو مفيد حين تخرج من الدنيا بمرض الموت دون متاعب ومعاناة صحية طويلة .. الهدف والحلم الذي يراود كل منّا هو تخطى متاعب الشيخوخة وبما يواكبها من تغيرات في تركيبة الجسم ومعالمه بصورة متسارعة، وقد تقترن بالمثيرات والإحباط، رغم أن السلوك الإسلامي ينظر إلى هذه المرحلة .. مرحلة تحلو فيها وبعدها الخلود إلى الدعة والسكينة، وقبل ذلك كله وبعده العبادة والشكر لله عز وجل على نعمائه . 

تخيّل أنك فوق الستين .. تستيقظ الفجر للصلاة، تنزل من سلّم منزلك بهدوء إلى المسجد، تسير مسافة كافية، وتتعرف على جو الصباح، ترجع البيت، وتقوم ببعض أنشطة اللياقة البدنية، ومن ثم تستحم وترتدي ملابسك ثم تحتسي القهوة وتتناول الإفطار، ثم تخرج نشيطًا من البيت لأداء بعض المهام أو لقاء رفاق الدرب والأصدقاء أو المشاركة في المناسبات الدينية والاجتماعية .. لكن لا .. أنت لا تستطيع فعل تلك النشاطات اليومية المعتادة، اهمالك لصحتك من وقت شبابك أوصلت نفسك إلى مرحلة العجز، أنت لا تقوى على الوقوف إلا مرتكزًا على كرسي أو جدار، ولا تخطو قدمك إلا متكئًا على عكاز، وأطرافك لا تنفك ترتعش في شكل حزين، لقد انهكك المرض سنوات وسنوات .. نعم، نعرف أن كل شيء في الدنيا له حساب يشبه حساب البنك، صحتك مثلًا تشبه حساب البنك، يعني في إيداع وفي سحب ولديك رصيد .

متى يصير الإيداع؟ كل ما عملت أي شيء يفيد صحتك، معنى ذلك أنت اودعت في حسابك الصحي مثلًا: اكل صحي، نشاط بدني، نوم طبيعي، متحكم في أعصابك، متوازن نفسيًا . وهذا يعني أنك اضفت رصيد إلى رصيدك الصحي . وأنت تتقدم في العمر ورصيدك من الصحة مرتفع، في هذه الحالة جاء اليوم الذي تحتاج فيه صرف ذلك الرصيد، وكلنا يعرف أن 

الجسم « خلايا الجسم، وأداء الجسم، وأعضاء الجسم » مع الكبر تتأثر، أي تبدأ بالأفول مع الشيخوخة، وهنا يأتي دور الحساب الذي جمعته في شبابك، جاء الوقت الذي تستفيد من رصيد صحتك، فطول ما أنت في شبابك واعي وتودع في حسابك عادات صحية، معناه أن حسابك الصحي كبير، فصحتك -  بإذن الله -  سوف تساعدك عند الكبر، وعندما تمرض صحتك تشيلك، والعكس صحيح، اليوم عندما تصبح شخص مهمل أو مقصر في حق صحتك، ترتفع الفواتير وتزداد مصروفاتك، فأنت تسحب من الحساب، أكل سيء، سهر، خمول، توتر وقلق، وأفكار سلبية .. وعند الكبر والمرض، لا يوجد رصيد لديك ، وهنا يحدث الخلل !! أيًا كانت الأسباب فإن الدافع لثمن الإهمال هو أنت .. تأتيك الفواتير التي يجب أن تسددها .. تأتيك الأمراض أو تلاحقك قبل الوصول لمراحل متقدمة من العمر .. الأمراض المزمنة المستعصية وفقدان الذاكرة وغيرها، عندها تصبح مقعد مع أن أعمار الكثير منهم للأسف ليست كبيرة . يبلغ سن الشيخوخة أو يتعرض للعجز في العقد الرابع من عمره، أو قبل ذلك إذا ما تعود على سلوكيات خاطئة، ولم يدرك قيمة الاستثمار في الصحة إلا بعد فقدانها، يستفيق عند تقدم العمر ليكتشف أنه لعب على حياته وقامر بها .. نعم يومًا ما ستدرك وأنت عاجز على خدمة نفسك، كم هي قيمة الصحة !!

-- في ذكرى رحيل العلامة الكبير ومحراب المسجد والمنبر الحسيني، عاشق أهل البيت (عليهم السلام) الشيخ عباس المحروس طيب الله ثراه، إلى الرفيق الأعلى ومستقر الرحمة، والذي صادف اليوم الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر ١٤٤٣ - ١٤٤٧هـ  ( الذكرى السنوية الرابعة )، لقد قضى الشيخ رحمه الله سني حياته في خدمة الحسين وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين، وسيظل ذكره في القلوب . نبتهل إلى العلي القدير أن يغمره بشآبيب رحمته، وأن يجمعه مع من أحبهم ووالاهم وخدمهم في الدنيا الطيبين الأطهار .. ونتقدم إلى أبناء الفقيد وعائلته وأهله ومحبيه بأحر التعازي القلبية، سائلين الله أن يتغمده بواسع رحمته ورضوانه ويسكنه فسيح جنانه، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد  .

_________

-- وليكن معلومًا أن الإنسان لن يصل إلى سنوات حياته الذهبية وأعني بعد الخمسين أو الستين من العمر متمتعًا بذاكرة قوية وحركة مرنة، وصحة جيدة .. نعم لن يصل أبدًا إلى تلك الحياة ما لم يبدأ بنفسه بالعناية بذلك الشيء، والعمل بذلك الأمر منذ شبابه، فالمسألة إذن مسألة سلوك،  ففي مرحلة الشباب يكون هذا الإنسان بصحة جيدة، ونشاط وحيوية، ولديه مقاومة ضد الأمراض، وأما إذا لم يكن مراقبًا لنفسه وارتكب الأخطاء الصحية، ضعفت تلك المقاومة تدريجيًا، وقد تزول تمامًا.🕊فمرحلة الشباب إذًا فرصة ذهبية واستثنائية ينبغي على الإنسان أن يعرف قيمتها وقدرها وأن يستفيد منها بالحد الأكثر من الاستفادة .

محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات