(زمن الإبداع في البيت القطيفي )


 (زمن الإبداع في البيت القطيفي ) 

كمُصمّمٍ ماهرٍ أبَت معماريٓتُه الفطرية إلّا أن تُخْلِقَ بما يُسمَّى الآن 

بـ(حارات) ومفردها (حارة) 

وقديماً (فرق) جمع (فريق) تلك اللّمسات والتي مع الأسف,مجهول راسمُها ومصمّمها وبانيها. 

لم تكن مرسومة على ورق (السي بياء الشّفّاف ،أو بواسطة برامج الماكس المعماري، آر كاد ، أوتوكاد ، ومثيلاتها بالوقت الحاضر  الّذين تُستخدم  في المكاتب الهندسية لرسم  وطباعة المخطوطات المعماريّة  )، بل كانت نتيجة لحظة آنيّة  في أرض الواقع 

تُشار الى الأرض بالبنان لأيّ بيت  : هنا الدّروازة (١)،  هنا الحوي( ٢)  

هنا الچندود( ٣) . هنا المجلس ، هنا الأدب أو المختلى  ( ٤ ) الملاصق للجدار الخارجي هنا البّلاعة (البالوعة)الرئيسية ( ٥) ،

مثل الخزّان الأرضي ، وفي خارج البيت توجد  فتحة مغلقة  بالطّين أو الجصّ والحجر البحري  وتكون سهلة الهدم في حالة امتلاء تلك البالوعة بمخلّفات الصّرف الصّحي ، حيث

يكون خروج الماء من خلالها إشارة لامتلائها، فيُنادى على ذلك الانسان العظيم في نظري، والذي يعمل هذا العمل من أجل نفقة عيالة وقوت يومه    لينزلَ  الى داخل تلك البالوعة غير أبهٍ الى أيّ مخاطر أقلّها المرض, فيجمع محتوياتها في مراحل( حاويات من سعف النّخل ) حيث يحملها على حماره الى جهة ما حيث تُستخدم كسماد عضوي بعد تجفيفها في الاماكن المخصّصة لذلك 

ويِطلقُ عليه الزّبال ....

هذا الانسان المهم والعظيم صراحة والّذي كنّا نكنُّ له احتراماً كبيراً 

لعمله الشّاق بمعانيه  ( حتى لا أنسى كانت توجد بعض العيون النّابعة  مخصّصة الى أصحاب تلك المهن الانسانية )

وهذا يدلّ على حرصهم على نظافة البيئة وأحبُّ الفت الانتباه أنّني رأيت إحدى تلك

العيون حيث كان يوجد فيها غليمات خشب (٦)

كبيرة الحجم بسبب بقايا المواد العضوية والتي تتساقطُ من تلك الأبدان المتعبة .

المهم وقت مضى وجزى الله هؤلاء خير الجزاء على ذلك العمل الخارق

نرجع الى حديثنا عن ذلك التصميم واعتقد أنّنا لا زلنا في الدور الأرضي ، حيث تُوجدُ في بعض تلك البيوت أبيار مياه محفورة على شكل دائري. 

ويكون قطرها تقريباً متر واحد وعمقها عشرة أمتار أو  أكثر حتى تصل الى عمق تكون فيها المياه الجوفيه صالحة للاستخدام وكان يُطلق عليها مُسمّى  الرچيّة (٧). 

تلك الرّچيّة ومع استخدامها كمصدر للماء ، فإنّها تُستخدم في تبريد الماء في الصيف حيث يكون ماؤها بارداً في الصيف ودافئاً في الشّتاء ،وذلك بتغليف زجاجات الماء بالخيش ، وايضا فاكهة البطّيخ القطيفي الرامسي وطمسها في تلك الرّچية  بواسطة حبال لفترة ليبرد ذلك الماء ، والبطّيخ ايضاً . 

في الطّابق العلوي عبرَ درجٍ مُصمّم بطريقة عجيبة نرى اللّيوان الّذي يطٓل على الحوي من خلال الشّمسة ، والتي عادة تكون مفتوحة من الدور الأرضى حتى العريش ويحيط  بذلك الليوان حُجَر  مع وجود حُجرة النّوم الرّئيسية,  

والتي تحتوي على مسبّح فقط للاستحمام ويكون ناعم الملمس ، 

أمّا المطبخ هناك من يبنيه في الدٓور الارضي والبعض في الدّور الأوّل وتُبنى بجانبه غرفة الچيل (  ٨) كمخزن للمواد الغذائية .

كان هناك من يبني دورا ( طابقاً ) نصفيّا مثل الميزانين في الوقت الحاضر ،والغرف هناك يُطلق عليها الغرفُ الوسطية لتوسّطها بين الدور الاول والعريش ( ٩)

أما الدّور الأخير فيُطلق عليه بالعريش او السّطح حيث كان الناس ينامون هناك في فصل  الصّيف تحت نجوم السّماء وهدوء الرّياح والتي تحملُ أصوات الجيران من عريش الى أخر.

بعض البيوت الكبيرة كان يتواجد فيها  مجلس آخر ويكون في العريش 

ويُستخدم في أوقات الصّيف ويطلق عليه الخَلْوَة وهي عبارة عن حجرة تحيط بها درايش ( ١٠)، من معظم الجهات مرتفعة قليلاً من الأرض حتى يتسنّى لتيّار الهواء   

بالمرور وتلطيف الجو. 

مع ملاحظة ان هناك شيء آخر يُسمّى بادقير هذا كقناة متّصلة من بعض الغرف في الأدوار السّفلية الى السّطح تسمح بمرور الهواء ايضاً.  

كلّ ذلك كان يُبنى بغير خرائط هندسية بل بوجود أساتذة بناء ماهرين كانوا يستخدمون مواد البناء القديمة من جذوع النّخل وجزمها للأسقف،

ومن حجر البحر والجصّ (الجص هو أساساً من طين البحر حيث يُحرق مع جزم النّخيل ونتيجة ذلك الحرق يُصبح الجصّ لبنة أساسية لبناء الجدران والنقايل مع الحجر البحري 

 وتلك مواد البناء  والتي كانت متوفرة في ذلك الزمن الجميل   وتبقى تلك البيوت لمئات السّنين ، خلافاً لخرسانتنا المسلحة في الزّمن الحاضر,

والتي تتطلّب صيانة سريعة اما لسوء التنفيذ أو لملوحة منطقتنا 

(تربة وماء وهواء محمّلاً ببخار ملوحة البحر) 

والتي لها تأثير مباشر على الخرسانة المسلحة.

 ولا ننسى أيضاً  جمال الزخارف  والخطوط الجصّية  والتي  عُمِلّت بواسطة فنانين  مبدعين دقيقين بكل معنى الكلمة مع قلّة الموارد والادوات مقارنة بزمننا الحاضر  والتي لازالت باقيّة مع مرور مئات السنين والتي تحكي عن فترة زمنيّة يًشار لها بالبنان وحضارة عريقة ،

ونجد جمال الاسقف والتي كانت تستخدم المواد الخشبية من جدوع الاشجارمجمّعة  في مسميات مثل  چندل ودنچل وباسچيل    مكوّنين لوحة سقفية في غاية  الإبداع ،

وأيضاً إبداعات النّجارين  والذين  اتحفوا تراثنا القطيفي  بالاعمال الخشبية من  نوافذ  وابواب ومحجّرات    وتزيينها بتلك النقوش الدقيقية والتي كانت تعتمد على الايدي الفنيّة الماهرة والتي كانت تتطلّب وقتا كبيرا ، مقارنة بالمعدات المستخدمة في وقتنا الحاضر .

وقد يطلق على اسم النجار بالقلاّاف مع الملاحظة ان مهنة القلافة  هي أساساً صناعة السّفن والتي كانت تشتهر بها منطقتنا ، وحيث أنّ صناعة السفن هي اعمال نجارة ، من هنا قد يُطلق على النجار بالقلًاف



نعم كانت تلك  صفات بيوتنا حقيقة وتنفيذاً... صنع فنّان ومهندس وبنّاي مجتمعة عدة مهن في رجل واحد. 

ذلك هو زمننا الحقيقي

 (زمن الإبداع

✏️ عليّ حسن الخنيزي 

هامش الكلمات :

(١)الدروازة : الباب الرئيس لمدخل المنزل 

(٢)حَوي :  مثل الصالة التي   في الدور الأرضي

(٣)چندود ؛ غرفة مظلمة خاصة  لعمل  الدّبس : وفيها قنوات تتّصل ببركة لجمع الدّبس ، حية توضع  وتًرصّ قلّات التّمر على بعضها ليخرج منها الدّبس ويسيل في القنوات  لبركة تجمّع الدّبس .

والقلّة: هو عبارة عن وعاء  ونسيج مصنوع من سعف النّخيل ، حيث توضع فيه التمر وتغلق ، وقد يصل وزن القلة الى ٦٠ كيلو جرام .

(٤) الأدب او المختلى : المرحاض 

(٥)البالوعة : حفرة عميقة بعض الشئ وهي مركز تجمع المصارف الصّحية للمنزل كلّه.

(٦)غليمات خشب : سلاحف 

(٧)رچيّة : بئر ماء  دائري قد يصل عمقه الى ١٥ متر حسب جودة الماء المستخدم 

(٨)غرفة الچيل : غرفة الكيل وهي مخزن الحبوب والأرز  والطحين وما شابه .

(٩) العريش : الّسطح العلوي 

(١٠)درايش :نوافذ 

(١١)( النقايل ) ومفردها نقيلة أي العمود والنقايل اي الأعمدة

تحياتي 🌹

✏️ علي حسن الخنيزي

تعليقات