(( مدرسة الحياة تعليم للقلب والروح))


كل شيء هنا يوحي بالهدوء حولي, وكنت أفكر أن أكتب نصا عميقا, قد يكون بعيدا عن الجو العام لكني تراجعت عن ذلك, وإذا شعرت أيها القارئ الكريم إن كتابتي هذه المرة قاصرة فلا تغضب, قبل فترة قصيرة كنت في زيارة خاطفة إلى مصر, ولقد أردت أن أكتب بعض الخواطر فهناك للإلهام طعم آخر,حيث القلم مفتوح والسطور رطبة وبياض الورقة تعانق أصابعي, وفجأة داهمني سؤال افتراضي: ألم تبكي يوما وبذات الوقت تبتسم؟ ألا تشعر بالحزن والفرح معا؟ هكذا نحن مع الحياة ! وحتما لا شيء مستحيل وليس هناك شيء مطلق, وكل شيء ممكن والدهشة, عندما تحدث الأشياء حين لا نتوقع حدوثها. 

 فالحياة جميلة رغم ما فيها من الموت والمرض والحزن والوجع وغيره من الإبتلاءات! و لكن هناك أمل والأمل يتجدد عند الكثير من المتفائلين, وهذا هو سر جمال الحياة.  و من الظلم للحياة أن نصفها وننعتها بالقبح بل بالجمال فالحياة لا لون لها وإنما تستمد لونها من داخل صدورنا. الحياة هي مجال التعلم والحكمة, التي نكتسبها في حياتنا هي مكافأة الوجود. وبينما نعبر الطرق المتعرجة التي تقودنا من الولادة حتى الموت, فإن الخبرة والتجارب هي معلمنا الصبور. وباعتبارنا مرتبطين بأجساد بشرية كما نحن, فإننا موجودون وعلى استعداد للتطور وللتعلم, مسجلين من قبل السماء في مدرسة الأرض, أكاديمية غير رسمية وفردية للعيش والوجود والتغيير. ويمكن أن تتخذ دروس الحياة أشكالًا عديدة وتقدم لنا العديد من التحديات.

   فمدرسة الحياة تقدم وتطرح استفسارات استكشافية,حول المبادئ الأساسية  والإحتياجات الحتمية لطلبة علوم الحياة, وكيف تدفع وتبث هذه المبادئ لتهذيب السلوك. نناقش كيف تؤثر المشاعر على اتخاذ القرار. نلقي نظرة على الأنماط أو المحفزات التي يمكنها تحديد الأسباب وراء الأفعال. ومن خلال الإندماج في عملية الاستقصاء الذاتي, حيث يمكن لطالبي العلوم الحياتية البدء في كشف عوائق دوافعهم الخاصة واكتساب رؤى قيمة حول أنفسهم .                                                                                                         
هناك عشرات الدروس الحياتية التي تساعدنا على تعلم وإتقان كيفية التنقل والتحول برشاقة واتزان وتسامح في هذا الكون. وهناك دروس تحدث مرة واحدة في العمر, تمسنا بعمق لدرجة أنها تغير مسار حياتنا. قد تكون الأخيرة مأساوية مفجعة, وقد نتجول في الحياة ونتحول كطلاب غير راغبين لبعض الوقت. لكن جودة حياتنا تعتمد بالكامل تقريبًا على ما نستمده من تجاربنا وخبراتنا وإبتلاءاتنا.                     
فمدرسة الحياة توفر لنا  تعليمًا للقلب والروح, فضلاً عن تهذيب الفكر وبعيدا عن الأكاديمية. إن نطاق تعليمنا يعتمد على قدرتنا واستعدادنا, لقبول الدرس المطروح علينا في ظل الظروف التي نواجهها. فعندما نجد أنفسنا في مواجهة الحياة, نكون أحرارًا في اختيار إغلاق عقولنا أو النظر إلى الدرس المدمج بطريقة واسعة الأفق. حيث الفكرة أن الوجود درس لا ينتهي, ولعلنا  قد نكون محبطيين  في بعض الأحيان.        

  أثق  تماما وبقوة, إن الدورات الإنسانية التي أطرحها في مدرسة الحياة يمكن أن تكون رغم واقعيتها مؤلمة مستنزفة ومجهدة بقدر ما هي مفيدة و مجزية في النهاية للبعض وليس للجميع. ومع ذلك، في كل موقف أو علاقة أو لقاء أو إبتلاء, يمكن اكتشاف مجموعة من الدروس التهذيبية. عندما نختار الاستفادة بوعي من كل درس نواجهه جميعا, نكتشف تدريجيًا أن أفكارنا السابقة حول المحبة والرحمة والمرونة والحزن والخوف والثقة والكرم والإحترام " على سبيل المثال" ليس إلا, ربما كانت نصف مكتملة, وقد نعده الضوء الأخضر لحياتنا.                                                                                                                                               

نتعمق أيضًا في وجهات نظر مختلفة لمساعدة البعض  على اكتساب رؤى جديدة وحتى  مواجهة وتحدي أفكارهم الحالية. من خلال فحص تجاربهم من زوايا مختلفة, يمكنهم اكتساب فهم أوسع لأنفسهم وحقيقتهم. والنتيجة، الهدف هو تمكين الكثير من اتخاذ خيارات واعية تتعايش مع ذواتهم الحقيقية. من خلال التعمق في الحقائق العميقة في الداخل, ويمكن للبعض التنقل في حياتهم بوضوح أكبر وهدف ووعي ذاتي أعمق.           

في النهاية, عندما ندرك أن النمو والوعي جزء لا يتجزأ من الحياة وأن حضور مدرسة الحياة مسؤولية كل فرد, فإن مفهوم "الحياة كدرس" لم يعد مزعجًا. إننا نستطيع أن نبحث بكل انفتاح وإرتياح عن الجهود الكامنة, في الصعوبات التي نواجهها دون أن نشعر, بأننا محاصرون في رحلة مليئة بالتعلم القسري رغم حتميته. ورغم أننا لا نستطيع أن ندرك دائماً متى نمر بدروس الحياة حد الإجتياز, فإن الحكمة التي نكتسبها سوف تأت ثمارها, إذا ما نظرنا إلى الوراء بنظرة ثاقبة. ويقينا قد نعيش ونحيا واقع التجارب حين يتم بثها والتي نعيشها تماما. أرجو أن يكون لي في الغد  القريب, نصيب فألتقي بكن عزيزاتي الطالبات لأعانق أرواحكن  بشوق المحبة والإحترام.           


                                                                                                          غالية محروس المحروس

تعليقات