#خاطرة_الجمعة « أسباب تجعلنا نبتعد عن هذه النوعية من اللحوم !! »
إن قيمة الإنسان هو ما يقدِّمه من جهد وخيرٍ لأهله ومجتمعه وللإنسانية جمعاء، مخلصًا لله في جميع أقواله وأعماله، صابرًا محتسبًا جهده ودعوته الخيرة عند خالق هذا الكون عز وجل، وإلا كان في خسارة في دنياه وأخرته، ولذلك خاطبه الله تعالى من فوق سبع سماوات بقسم عظيم فقال { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } . إن التهاون بقضايا الناس والاسترسال واللامبالاة يعتبر خيانة للأمانة وهو خلاف تعاليم الدين الذي يربي الإنسان على أن يكون جادًّا في حياته وعمله، وصاحب ضمير حي . ما يعنينا هنا تلك التجاووات التي طالت كل وجوه حياتنا بتفاصيلها، وسببت لنا أمراضًا ليس لها علاج، فطالت المحرمات كل ما يدخل أجسامنا، أغذية متخمة بالكيمائيات والسموم والمواد الضارة، وتجاوزات محظورة وممنوعة، وجميع تلك الأسواء والآلام التي نعانيها تعزى إلى الحياة العصرية التي نحياها، دخلت على موائدنا وأتلفت طعامنا .. تستحق مقتنا أو ازدراءنا !!
الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذا العنوان للخاطرة وإثارته، لأنه يمس صحتنا بصورة مباشرة، رغم أنني تطرقت له مسبقًا في مقالة نشرت منذ 6 سنوات في قناة " القطيف اليوم " وكانت بـ عنوان « إلى من يهمه الأمر .. لحوم تخالف الاشتراطات »
https://alqhat.com/q/208638
في البدء، أرى لزامًا أن أشير إلى دور الأجهزة الرقابية التي تولي الاهتمام بهذا الجانب الحيوي من معيشة الناس، فاللحوم المتواجدة في أسواقنا تحت الحراسة المشددة إن شاء الله . ومن أجل الحرص على السلامة العامة، ورفع ثقافة مجتمعاتنا الصحية أقول: من الأمور التي لفتت نظري وأحببت طرحها مرة أخرى، هي تلك اللحوم التي تتواجد في أسواقنا، بأسعار مغرية، يجعل الإقبال عليها شديد، لحوم رخيصة الثمن، ووفيرة على حساب الجودة والمأمونية، هي لحوم نشكك في صلاحيتها .. نقول: أن مسوقي اللحوم أو تجار اللحوم أثروا ثراءً فاحشًا من أرباحها على حساب جانب آخر يختص بجودة المنتج وسلامته الصحية . لقد زاد توجه تجار اللحوم والمستثمرين المحليين في الإستثمار التجاري في هذه النوعية من اللحوم . أصبحنا أمام سوق ناشط يتم فيه بيع لحوم أبقار بائرة، ملئت أسواقنا، ومصدرها مخلفات مشاريع الألبان، هذه نتاج أبقار حلوب، بعد أن قل إنتاجها من الحليب وأصبحت دون جدوى اقتصادية في بقائها ضمن القطيع، وفي هذه الحالة يتم التخلص منها ببيعها على مستثمر محلي، ومن ثم طرحها لتجار التجزئة أو تمول بها المطابخ والمطاعم وبأسعار مغرية، هذه النوعية من اللحوم ليست كاللحوم الأخرى، هي أقل جودة وقد تحمل أخطار صحية بسبب تلوثها ببقايا الأدوية البيطرية وما تحمله من أخطار تهدد حياة المستهلك . مثل هذه اللحوم غير مقبولة، كون الأبقار مخصصة لإنتاج الحليب وليس لأستهلاكها كــ « لحوم »، وبعد أن تكبر ويقل انتاجها يتم التخلص منها .. لقد استهلكت تلك الأبقار تمامًا في إنتاج الحليب، ولا يسمح بتسويق لحومها إلا بعد فترة التحريم اللازمة للتخلص من بقايا الأدوية البيطرية والملوثات . المخيف في الأمر أن الأبقار تعطى المضاد الحيوي وتذبح في الوقت نفسه، وبذلك يكون التركيز فيها عاليًا، مع جهلنا بما يضاف إلى علائق حيوانات المزرعة، وقد تكون محتوية على مواد ضارة. وقد أصدرت الهيئة العامة للغذاء والدواء لائحة تنظيم للمنتجات العلفية ( SFDA . FD / 2017 المواد العلفية المسموح والمحظور استخدامها في الأعلاف ) . أغلب اللحوم المستهلكة في منطقتنا وخصوصًا المطاعم ومراكز التموين - للأسف الشديد - من ذاك المصدر . يجب أن لا نتصور أن هناك تجار لحوم أو مستثمرين محليين في مجتمعنا وبلدنا لهم دافع تسويق مثل هذه النوعية من اللحوم والإضرار بأهلهم وأبناء مجتمعهم وبلدهم المعطاء من أجل الكسب المادي وهو كسب غير مشروع . ونحن نسأل: هل قلة الوعي أم الضمير الضعيف لدى غالبية تجار اللحوم، وعدم إدراكهم للآثار السلبية التي تعود على المستهلكين نتيجة مخالفتم الضوابط الصحية ؟ وهل أن هولاء في قرارهم بأنه لا ضرر منظور من استخدام هذه النوعية من اللحوم المليئة بالعقاقير والمضادات الحيوية والهرمونات ؟! من واجب المتخصصين في مجال البيطرة والمراقبين الصحيين التأكد من سلامة الأبقار وخلوها من أي ملوثات والكشف على لحومها بعد الذبح مباشرة لضمان صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، ويتعين فقط الاعتماد على نتائج الفحص المخبري .
وختامًا ، أن الاستهلاك المتراكم لهذه اللحوم، يعني أن هناك أخطار عالية للإصابة بالأمراض المستعصية، تصاحب هذا الاستهلاك العالي .. المستشفيات والمراكز الصحية مُلئت بالمرضى والمراجعين طلبًا للعلاج، نزور المستشفيات ونلاحظ الزحام في ممرات العيادات والطوارئ وغرف الأطباء .. في صورة لا أعتقد أن الطبيب مهما بلغ شأوه أو إخلاصه يستطيع أن يحقق أمراض المراجعين أو يتثبت من سير عللهم ، لقد سئم الناس كثيرًا من المراجعات لقناعتهم بعدم جدوى العلاج، هم يرون كل يوم يخطف الموت الكثير من احبائهم ومعارفهم رغم الرعاية الصحية التي تظهرها المراكز الصحية والمستشفيات . فقد ظهرت أمراض لم تكن في الحسبان، وأصبح الوعي العام بتلك المخاطر قويًا ومؤثرًا، وأصبح خطر هذه النوعية من اللحوم ماثلًا للعيان !!
-- اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الاكفان، وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، والصلاة والسلام على المصطفى نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- ما الذي يعنيه هذا كله بالنسبة لنا، هناك دروس يحسن أن نتذكرها لها علاقة بصحتنا ومستقبلنا: هو بناء سمعة طيبة، نتجرد ما أمكننا من رغباتنا وطمعنا وأن نتثبت بأكبر قدر من الصلاح .. هو أن نضع أنفسنا موضع المستهلك المتضرر من هكذا إجراء .. هو أن نحرص على ألا نكون جشعين نجري وراء سراب المال الحرام، فلا نبصر الا أشواك الطمع، ونصبح بذلك من معدومي الضمائر .. هو ألا ننسى أبعاد جهلنا بما يمارس من فساد واستهتار دون خوف أو مبالاة ! هو أن نحرص على حمل المسؤولية والرضا، فلا نجد أمامنا رقيب سوى الله عز وجل !!
منصور الصلبوخ - أختصاصي تغذية وملوثات - متقاعد - الهيئة العامة للغذاء والدواء .

تعليقات
إرسال تعليق