ولا يزال الإستفزاز مستهجنا
قرأت ذات مرة للمهاتما غاندي:"عندما تكون على حق تستطيع أن تتحكم في أعصابك, أما إذا كنت مخطئا فلن تجد غير الكلام الجارح لتفرض رأيك", لعل غاندي قد نجح في السيطرة على أعصابه بالمواظبة على الرياضة الروحية والإبتعاد عن مغريات الحياة فجاءت كلمته هادئة عقلانية, ولقد تمكن من إقناع شعبه الهائل العدد بمبادئه واحدث علامة مميزة في تاريخ الهند حين منحها استقلالها وحريتها.
تحية تقدير واحترام للقراء الكرام ولمستنشقي صدق كتاباتي, لقد كنت بحاجة إلى أن أختلي بنفسي لأكتب لحاجتي للكتابة حيث أعددت نصا وأرسلته يوم أمس للنشر وفجأة تراجعت, وهو تفسير ليس في صالح الكاتب المسكون بالإحساس والممتلئ بالصدق. بعد حين وآخر أدرك إنني لست فاضيه إلا عن الكتابة! وإنما اكتب ما اشعر به لازما وضروريا عند الكتابة الأكثر تحضيرا هذه اللحظة, ولكني أيضا استشف من الاحتكاك المباشر بالحياة والمجتمع, من شأنه أن يحفز الكاتب ويجعله في حالة توهج دائم, وإن المشاعر التي أبثها هي من طبيعة النص التي تدهشني وتعصر قلبي, آملة أن لا تكون فكرة النص مستفزة. لا أدري إن كان يحق لي أن اكتب نصا يشبهني بطريقة ما, قد يجده القارئ مبهرا من جهة أخرى, فأنا اسكن نفسي لأبحث عن السكون عند الكتابة التي تراوغني وتراودني.
كم نحن بحاجة لترجمة جراحنا وأوجاعنا عبر كتاباتنا, ولعله من الصعب الحديث عن الأسلوب الذي يتوخاه الكاتب في انجاز النص, حيث هناك مشاعر تبقى محبوسة في أنفاسنا ولعلها تكون أجمل المشاعر التي نتمنى البوح بها رغم التحفظ المطلوب, ولعل الصمت عند البعض أمام التعبير عنها يزيدها جمالا وبهائا, لحظات نكون فيها أحوج إلى البكاء لإيصال أصواتنا الإنسانية, ولعلنا أحوج إلى تخليدها في لحظة الانكسار والخذلان والخيبة, ولعلني أعدها إحدى لحظات الدهشة المليئة بالصدق, وليس دائما هناك من نتأثر بهم ومنهم كي نكتب عنهم, ولكن أحيانا!
· يستفزني دهشة الكثير من عدم تواجدي في المحافل الأدبية هنا وهناك, وهل مطلوب مني أن أتواجد لكوني مثلا صاحبة قلم, وهل عدم حضوري مثل هكذا حضور يعيق مسيرتي الأدبية, مدركة تماما إن الكاتب العربي يواجه ويعاني من نقص التحفيز والتشجيع.
· تستفزني أمور ومواقف كثيرة من حولي تدفعني للكتابـة, ألجأ إليها كردّة فعل أو أسلوب غضب تجاه ما أرفضه وأختلف معه, ولكن ما يمنحني الثقة والأمان والسكينة لأخاطب الضمائر الإنسانية, لحظة الوجع والغضب هو قلمي.
· يستفزني البعض منذ وقت طويل, ويعتقد البعض من معارفي وغيرهن وأنا أرتدي عباءتي العادية البسيطة, إنه يجب أن أرتدي ماهو وارد حاليا لأواكب الغالبية, ويستمرون في إزعاجي ويقولون: متى ستتركينها؟ وبجرأة متناهية يقولون حان الوقت لتركها الآن, أي تجاوز وأي استفزاز هذا!! رغم إنه ليس لدي مشكلة في إرتدائي عباءتي البسيطة, والتي تحتاج عمق وثقافة روح وفهم للنفس, وهذه العباءة من تجعلني رائعة ومميزة واشعر بقوة وثقة عندما أرتديها, تبأ لهكذا إستخفاف بخصوصيتي ولإختياراتي مع المعذرة!
· يستفزّني أن نستمر ونبقى على هذه السطحية التي تستنزف فينا آدميتنا وكرامتنا, ولا نقف عند كل ما هو عميق. وأتعجب ممن يلهث وراء الزيف و الوهم والخذلان.
· يستفزني أن نكون في عداء دائم دون أن نتصالح مع أنفسنا وغيرنا ومع أفكارنا.
· يستفزني أحيانا أن نتفاجأ وبلا مبرر, بأحقاد خفية وبحسد في بعض القلوب, لا يخلو من الأنانية والغيرة هنا وهناك بين البشر.
· يستفزني أن نقول نعم ونحن لا نملك أي معنى إيجابي لذلك. ولكني صادقة يرضيني أن نعود لطبيعتنا ونبحث في أعماقنا عن مشاعرنا وأحاسيسنا, التي وهبنا الله إياها وأودعها في قلوبنا لنمارسها مع أنفسنا وغيرنا دون تردد دون حيرة, ويرضيني أيضا أن ينتهي االجدال بين البشر للمستوى الإنساني.
ولكن صدقا يستهويني حد الفخر, في هذا الركن الهادئ من جنتي الصغيرة الذي احتضن أفكاري وأحلام طالباتي, أدركت احتواء كل تفاصيل هذا الركن المتواضع بقلبي, فهذا الركن وهدوئه وإصغاء الجميع, لكني من فترة دامت طويلا, حين عجزت عن ضم ركني الى صدري بقلبي, فمن هنا عرفت أنبل وأكرم سيدات وآنسات مجتمعي, لأقضي معهن اوقات الصباح و المساء هنا, الذي يشد الجميع بالحنين اليه دائما, ادركت اليوم بعد محاولات اللقاء من جديد مع طالباتي, ان لا شيء اجمل واقرب الى روحي وارسخ في ذاكرتي من هذا الركن الذي يشهد قلبي ومثله طالباتي, حينما ننتقل بقلوبنا وأرواحنا بين الامكنة الموجودة تبقى هناك أشخاص وامكنة نرتبط بها روحيا, حيث يكمن سر ارتباطنا بها بذكرياتها واحداثها وناسها. نعم من خلال رحلة التنقل بين الأمكنة في هذا النص نحاول الإجابة على هذا السؤال الذي يمكن صياغته بشكل آخر: لماذا نحب هذا المكان وننفر من ذاك؟ ويزداد السؤال قوة حينما نعود الى مكان غادرناه وأشخاص افتقدناه، فإذا بعودتنا نصرخ: انه نفسه المكان الذي نحب وهؤولاء الشخصيات اللدين نحترم .
هنا حاولت أن اختصر فكرة النص المتطايرة في ذهني قائلة : لا يصح إلا الصحيح.
غالية محروس المحروس
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق