#خاطرة_الجمعة « وقفة تأمل حول تكدس بناتنا دون زواج !! »


 #خاطرة_الجمعة « وقفة تأمل حول تكدس بناتنا دون زواج !! »

إن الزواج مطلب طَبَعي فطري لكونه مرتبطًا بصميم الغرائز المتأصلة والمغروزة في الوجود الإنساني، وهو الملاذ الآمن للشباب الذي يحول دون تشتت أحوالهم النفسية والاجتماعية والدينية لأن للزّواج أرتباطٌ بكل تلك الأحوال . قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } . 

إن التأمل في هذه الآية المباركة يعطي الكثير الكثير من الفوائد في خلق كلا الجنسين بحيث يجد كل منهما عند الآخر الراحة والطمأنينة والاستقرار والوقاية والتجمّل، فكلاهما موافق الآخر، ومؤمِّن حاجته الفطرية .

اليوم تغيرت ثقافات هذه الدنيا، وكثرت متطلباتها العصرية، نتيجة التحولات العالمية والانفتاح الهائل في وسائل الاتصال، وهذا ما أدى بالشباب، إلى تغيير فكرهم الاجتماعي وعلى مختلف الجهات والمستويات، ليتحول الزواج في نظر بعضهم ( الشاب والشابة) إلى رباط قسري تعسفي يقيد حريتهم، ويسحق طموحهم، وينسف سعادتهم، ويحد من انطلاقتهم نحو المستقبل !! 

لقد كتب الكتَّاب وتكلم المتكلمون وناظر المنظرون حول الزواج والتكاليف الباهظة، والتي نتج عنها عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، اختلفت الآراء وتباينت التحليلات وتضاربت وجهات النظر عن تلك الظاهرة التي تفشت في مجتمعنا، ومست حياتنا بتفاصيلها .

لا أدري ونحن اليوم مقبلون على موسم جديد للأعراس والأفراح وسنرى التخبط في النوازع، والرغبات، ومطالب، وأطماع عسيرة المنال، تحتاج إلى أموال طائلة تصل إلى حد عدم قدرة الشاب المادية على تحقيقها. وغالبًا ما ينتهي به إلى أخذ قرار: « لا أريد أن أتزوج » ، نعم التكاليف الباهظة لمراسيم الزواج ما أنزل الله بها من سلطان.هي وراء عزوف الشباب عن الزواج .

لا أدري لم أميل دائمًا إلى تصديق من ينقل إليَّ ، رغم أني كثير الشك في أكثر ما ينقل إليَّ من أخبار الناس وأحوالهم، وقد تعودت أن لا أقبلها إلا بعد تفحص وتدقيق ما يلابسها من قرائن .. أسئلة عديدة دارت بخلدي بعد أن سمعت عن خبر مفاده أن تكلفة « شبكة زواج » هذه الأيام  تجاوزت المائة ألف قدمتها أحدى عوائل مجتمعنا لعروس ابنها، فعائلة العريس ميسورة ومعروفة وليست من الطبقة المترفة، ولا داعي لذكر الرقم بدقة، لقد كان حديث الناس وشغلهم الشاغل ومثار جدلهم، فقد تكون حالة فردية لكن .. لكن الخوف أن تتفاقم وتتسع، فقد ياتي يوم نرى فيه مجتمعنا يسير وفق عرف سائد، تبدأ الحالة بمثل هذا الحديث: « شوفي يا أختي هذا عقد فلانة كلف مبلغ وقدره ولن أكون أقل منها !! » هذا ما كنا نتوقعه .. وسنتوقعه .. أصبحت الفتاة في فترة خطوبتها تملك معارض حلي ومصوغات واكسسورات وملابس وشنط ومن أحسن الماركات، وسيارة فارهة وغيرها من أجل العرض والتباهي، وبعد ذلك يأتي السكن المفروش بأحسن الأثاث والديكورات والأجهزة الكهربائية والذكية، وحفلات في أفضل قاعات الزواج، وشهر عسل في أجمل المنتجعات السياحية في الغرب أو الشرق . نموذج يتكرر في مجتمعنا الآن كون بنات هذا الزمن تضع عامل المقارنة نصب عينيها . لا أدري لِمَ المبالغة إلى هذا الحد !! وإذا كان لي من رأي بعد هذا فهو أن أتوجه إلى المخلصين في مجتمعنا على مستوى الأسر، واللجان، والمؤسسات، والخطباء فوق المنابر، والوجهاء ومن لديه أفكار ومقترحات جادة وهادفة في المجتمع، بدق نواقيس الخطر حيال ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق وتفكك العائلات المخيف والتي سببت خللًا في تركيبة المجتمع. ما احوجنا إلى مثل هؤلاء الباحثين المخلصين في خدمة مجتمعاتهم الداعين دائمًا إلى الغد الأفضل .

أصبحت الفتاة في هذا الزمن لها متطلبات كثيرة، فكل شيء وأي شيء لا يرضيها .. فتاة تحب الزهو والبهرجة وتقول لكَ: « ليس أمامك أن تختار .. ما أريده منك هو الموافقة، وإلا .. » ، فتاة تملي عليّك رغباتها فهي تلتهم المال بشراهة، ولا تسأل كيف جُمع المال ومتى ومن أبن ؟! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بمقدور الشاب اليوم أن يتزوج بأمكانياته المادية المحدودة في ظل متطلبات غير معقولة لم نكن نعرفها؟ الجواب: حين نفكر في الإجابة عن هذا السؤال، فإنه سيقفز في الأفق ثلاث أسباب مهمة، لعلها أمهات العوامل التي تحيل بين الشاب وبين إقدامه على الزواج وهي: العامل الأول: تكاليف الزواج المرتفعة ظاهرة مؤثرة وهم كبير يواجه الشاب . العامل الثاني: أزمة توفر الوظيفة التي تناسب متطلبات الحياة الجديدة .. الوظيفة هي الباب لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والتمكن من الزواج.  والعامل الثالث: فكر الفتاة العصري والتغييرات الاجتماعية المتسارعة فوق مقدرة الشاب على استيعابها. من هذا المنطلق نرى الشاب في مجتمعنا عاجزًا عن التقدم إلى فتاة للزواج بها، لأنه غير قادر على إتمام متطلبات هذا الزواج. كما أن المقارنة وهي فكرة مادية ناشئة عن المقارنة بين حظّنا وحظ الآخرين، وهذه المقارنة هي التي تلهب أطماع الفتاة،  وتشعرها بالحاجة إلى مطالب جديدة، ورغبات جديدة، ومتع جديدة .

من الأشياء التي تعقّد الحياة ليس غلاء المهور، فالزواج ليس همًا في حد ذاته، بل المهم ما يستلزمه هذا الزواج من تكاليف، فبعد عقد القران حفلات وغيرها من ميول ورغبات ما أنزل الله بها من سلطان، لأن الشابة حينما تعيش مع شاب مثقل بالدّيون، إما أن تعيش ببكاء مستمر أو بضحك يشوبه البكاء، بينما الواجب عليها أن تعيش السعادة في الرضا والقبول عوضًا عن المقارنة، وتتسلح بسلاح الإيمان والقوة في مواجهة الحياة .   

-- يا ابنتي: طريق السعادة الزوجية ليس بتقديم مهر كبير، وبعقد مرصع بالألماس وفستان زفاف تصنعه أرقى بيوت الأزياء، وليس بحفلة زفاف تثير الدهشة والإعجاب، بل السعادة في البساطة وقلة التكلف، فالشابة المتزنة هي التي تتصرف بذكاء ولباقة والشعور بالمسؤولية، وتعرف كيف تتكيف من ظروف زوجها، تميل إلى البساطة والقناعة وألا تقارن .. يجب أن تعرف كيف تكتفي ومتى تكتفي مع التسامي بالرغبات والمتع إلى كل ما هو خيّر ونبيل. وأنها تعتمد على جمالها ورقة أنوثتها أكثر مما تعتمد على البهرج المتكلف أو التظاهر، تلك هي السعادة التي يجب أن تبحث عنها كل شابة . إني هنا أكرر رجائي إلى الشابات أن يتوقفن عن تبدير الأموال في رغبات ومطالب وتقليعات لا يستسيغها الذوق ولا المشرع الإسلامي، يجب على الزوجين وأهليهما الابتعاد عن مظاهر الابتزاز والاستنزاف التي تدمر بيوتنا وتسيء إلى سمعة مجتمعنا وحتى لا تتكدس بناتنا دون زواج !!


-- في هذه الأيام المباركة نقدم التهنئة والتبريكات مرفقة بباقات الورد والريحان للمؤمنين الموالين أصحاب النفوس القوية المتوكلة على الله تعالى المعتصمة بحبله والملتزمة بمنهج نبيه صلى الله عليه وآله والثابتة على ولاية وليه أمير المؤمنين عليه السلام ، وأسأله تعالى أن يديم مثل هذه المناسبات المباركة التي تبشر بما سيكون على يد صاحب المناسبة من خير وبركة .


 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد . 

_________


-- إحدى الفتيات تقول: « في فترة خطوبتي كل المباهج التي تتخيلها الفتيات في أحلامهن اليقظة عرفتها عن قرب، كنت أشتري ما أشاء وهو يدفع بلا حساب .. الأسواق والمحلات والمطاعم التي لم أكن أعرفها في بيت أبي، عرفتها في أيام خطوبتي » . 


محبكم/ منصور الصلبوخ  .

تعليقات