#خاطرة_الجمعة « أريد أن أزوجكَ من ابنتي .. ماهو رأيك ؟ »
تمر الأيام وتكر السنون وتتغير وسائل الحياة وطرق المعيشة، كما تتغير العادات والأعراف والنظرة إلى هذه الوسائل تبعًا لذلك، فرب أعراف وتقاليد كانت مفخرة عند آبائنا، تبدو اليوم بالنسبة لظروف عصرنا قبيحة ومستهجنة، وكذلك الحال بالنسبة لأناس ذلك الزمان لو قيض لهم أن يشاهدوا بعض عاداتنا وتصرفاتنا لمجوها واستهجنوها . ولكي نفهم أكثر لا بد أن نسأل: كيف يكون رد فعل عائلة ما، فيما لو تقدم أحد الآباء بطلب يد ابنهم الشاب ليكون زوج لأبنته ؟! أمر غريب .. لماذا ؟ لأن الكثير من العوائل في مجتمعنا قد تستنكر ذلك السلوك المخالف للأعراف والتقاليد، وهو سلوك غير مرغوب من جانب أهل الشاب، رغم أن هناك من الآباء في مجتمعنا صنعوا مستقبل بناتهم من هذا السلوك، فهو كأب يرغب أن يطمئن على ابنته، وعندما يبادر الأب في اختيار الشاب المناسب لأبنته فليس في ذلك إرغام على الزواج، إنما الأب قد رأى في الشاب أمور مميزة جعلته يبادر بطلبه دون انتظار، وللشاب وأهله وقت كاف للتفكير قبل الموافقة . جاء رجل إلى الإمام الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته؟ فقال: « زوجها من رجل تقي فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها » ميزان الحكمة، ج٣، ص١١٨٢ . وهنا لا بد من توضيح عدد من الأمور التي قد يسيء بعض الناس فهمها.
بداية وقبل أن نوضح تلك الأمور لا بد أن نتطرق إلى مقولة سمعتها من أبي- رحمه الله - وأنا حديث السن، ولا تزال راسبةً في أعماق ذاكرتي: « اخطب لبنتك ولا تخطب لولدك » أن يخطب الرجل لابنته أو أخته، وقد كان يفعله الحكماء والصالحون عبر العصور. وهنا أدركت ما كان يفعله بعض الآباء كأن يقول: « ماودك أزوجك بنتي فلانة؟ ترانا شارينك وشارين أهلك وأنا أبوك » كانت كلماتهم مشحونة بكل معاني الصدق والمحبة .. هؤلاء الآباء كوّنوا فكرة عن الحياة وعن أنفسهم، واتخذوا لأنفسهم قواعد بناءً على أفكار إخوانهم الأكبر سنًا . ولنا في هذه القصة منطلق للحديث عن موضوع كيف أختار الزوج المناسب لأبنتي؟
-- كان من وجهاء البلد وأصحاب الثراء، وكانت له بنت رائعة الجمال، كريمة النفس، حسنة الأدب واللباقة، تقدم لخطبتها الكثيرون من أصحاب المال والجاه، فلم يوافق على تزويجها أيًا منهم !! وكان يعمل في مؤسسته شاب نشيط، هو إبن أحد أصدقائه، وبعد أن رأى حسن أخلاقه، ودقته في المواعيد، وتعلقه بالعمل، أعجب به أشد الإعجاب، وعهد إليه أمر الإشراف على سير عمل المؤسسة، لقد استحق هذا المنصب عن جدارة . وذات يوم دخل الأب غرفة ابنته، وتحدث معها عن هذا الشاب وشدة إعجابه به وعن صفاته الأخلاقية ونشاطه، وأخلاصه في العمل، وأنه شاب وسيم، وإني يا أبنتي العزيزة أراه زوجًا مناسبًا لكِ وخير من يرعاكِ ويسعدكِ، ما رأيكِ فيما ذكرت؟ قالت لأبيها بكل أدب وتقدير: " إني طوع أمركَ، ورهن اشارتكَ، والأمر لكَ يا أبتِ .. ، نَعَم يا عزيزتي، بارك الله فيكِ، في الغذ سأعرض عليه هذا الأمر . أتمنى أن يكون من نصيبكِ، ولا أريد منه سوى الموافقة . وفي اليوم التالي، وفي وقت ما بعد انصراف الموظفين، فاتح صاحبنا موظفه الشاب بالأمر فقال له: يا بني لقد اخترتكَ زوج لأبنتي .. ابنتي الوحيدة التي تستحق حبي واهتمامي .. نعم أخترتكَ لسببين .. أولًا لنشاطكَ وحيويتكَ في العمل .. وثانيًا تمجيدًا لذكرى الصداقة العطرة التي جمعتني بوالدكَ .. والأهم من ذلك الأمانة والتقوى .. والأمر لكَ يا بني .. لك أن تفكر .. فأوما الشاب برأسه إيذانًا بالموافقة . ابتسم الأب .. لقد اعتبر الأمر منتهيًا، سعادتي لتبقى ذكريات والدك الجميلة ماثلة أمامي !!
اليوم وفي هذا العصر أصبح عيبًا عند بعض الناس أن يروا أب يخطب لأبنته !! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل أصبحت الأعراف والتقاليد تسيطر على حياتنا؟ لندرك أن الماضي ذهب إلى غير رجعة وأننا اليوم أمام متغيرات مصدر مصاعب ومتاعب وضغوط قاسية في حياتنا، وحينما نرى الأب في زماننا يخطب لأبنته، فهذا أمر في حد ذاته لا يعيب، لكن قد تشعر البنت بالنقص؛ بمعنى أنها أرخصت نفسها أو بالأحرى أضعفت مكانتها بطلبها الزواج من الشاب، لا طلب الشاب يدها، ورغم تلك المشاعر السلبية إلا أن الجانب الإيجابي في ذلك هو حرص الأب على حسن اختيار الشاب المناسب لأبنته فلذة كبده، ونحن في عصر المفاسد والانحرافات، وقد نطرح هذا التساؤل: هل يرضى الشاب بأن يفرض عليه زوجة، هو لا يعرف شيئًا عنها ؟ وفي المقابل هل يقبل الأب أن يزوج ابنته من شاب لا يعرف عنه شيئًا ؟ المسألة في غاية البساطة، اختيار زوج أو زوجة واحد من أهم القرارات التي يتخدها الإنسان في حياته، ولهذا لا بد من أن نحسن اختيار شركاء حياتنا، فكلا الطرفين يملكان القبول أو الرفض . منطق عجيب أن نتمسك بثقافة نشأنا فيها ولا نرغب بتغييرها رغم أننا نعيش في عصر مليء بالمتغيرات، فكسر جدار العرف السائد في المجتمع ليس تقليل من قيمة المرأة أمام نفسها، أو ترك شعور بالمهانة والانكسار، بل - على العكس - من ذلك، يُطالبنا المشرع الإسلامي بأن ننسجَ نظرةً إيجابية عن ذواتنا على نحو مستقبل باسم .
-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
___
-- هذا رسول الإسلام يقدِّم نموذجًا حيًا في تزويج فاطمة لعلي عليه السلام، زَوَّجَ الرَّسولُ صلى الله عليه وآله عليًّا من ابنَتِه فاطِمةَ، بِأمرٍ من اللهِ تعالى، فَعَليٌّ كانَ أفضَلَ المسلمينَ بعدَ الرَّسول، إِيمانًا وتَقوى، ومعرفةً وعِلمًا، وكانتْ فاطمةُ عليها السلام آيةً في تَعَبُّدِها وطاعتِها لله تعالى، وكانا كِلاهما مثلًا يُحتَدى، كانا عليهما السَّلام بَحرَيْنِ كَبيرَيْنِ، قَدَّما للعالَم أثمنَ الدُّرَرِ والَّلآلِىءَ . فَمِنْ نَسْلِهما أتَى الأئِمةُ الأطهارُ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
محبكم/ منصور الصلبوخ .

تعليقات
إرسال تعليق