#خاطرة_الجمعة « ابتسامة مشرقة .. في الأيام الصّعبة »


#خاطرة_الجمعة « ابتسامة مشرقة .. في الأيام الصّعبة » 

اندهشتُ عندما رأيته .. هالني مرآه الذابل ووجهه الشاحب وسحنته الداكنة .. حفرت السنون على وجهه علامات الحزن والتعب، وضعفه الذي هو أقرب إلى المرض منه إلى العافية. لم يكن ذلك الرجل القوي النابض بالحياة المبتسم الوجه .. تلك الإبتسامة المشرقة التي لا تفارق وجهه، لقد تحولت إلى كومة من الحزن والذبول، وكأنه شاخ عشرات السنين !! ماذا حدث؟  التفتُ إليه مبتسمًا: ما بكَ شاحب الوجه، أنت في حالة غير سوية .. بداية تلعثم لا يدري ماذا يقول؟ ثم نطق بهدوء: لا شيء .. لا شيء . صمت قليلًا .. الكلمات متعثرة فوق شفتيه والصمت يلفهما .. قال لي: ليس في دنيانا شيء له طعم، الحياة باهتة .. إنني بلغتُ أقصى درجات الضعف والهوان، قلت له: هون عليك .. لا بد أن تعيد بسمتك وضحكتك التي نعرفها،  وهذا الحزن يجب أن يتبدد، لا تجعل الهموم والضغوط تحطم طاقتك وقدراتك، تسلح بسلاح الإيمان والقوة في مواجهة الحياة .

في زمن المتاعب والهموم يصعب فيه على الإنسان أن يرسم ابتسامة مشرقة مريحة على وجهه، لقد إفتقدنا تلك الإبتسامة التي تشعرنا بالسعادة والابتهاج، فالوضع الداخلي لبيوتنا ما هو إلا إنعكاس للوضع الخارجي، الأخطاء، والأجواء الفاسدة، والأفكار الشادة، والثقافة الرائجة

المبادىء الواهنة، كلها مفردات تدور في المحيط الذي نعيشه وتنعكس على نفسيات الإنسان المؤمن ويتأثر بها، الكل يحمل فوق كتفيه أعباء ثقيلة، وهمومًا يكابدها من الأعماق، حاصرتنا الأمراض ومتطلبات الحياة، وواجهتنا الأوهام والأوجاع وعسر المادة، فضاقت بنا الدنيا، وتضخمت التحديات، وتراكمت المشاكل، وصرنا نشكوا من ضغط الحياة وقسوة الأيام التي أصبحت تعتصر قلوبنا من ركضها الدائم وما جلبته من ضغوط رهيبة على أعصابنا وما رافقها من إرهاق وقلق وأمراض ومتطلبات لم نكن نعرفها أو نهتم بها .. وصرنا نسير بخلاف تعاليم الدّين .. الدّين الذي يربي الإنسان المؤمن على أن يكون وجهه مرآة للآخرين لتخفيف الآمهم ومشاعرهم المقهورة .. لا أن يكون وجه عابس كئيب مكفهر يحمل مشاعر السخط والتذمر ..فأين البسمة الحانية؟ جاء في كتاب " كيف تكسب الأصدقاء " : « إن تعبيرات الوجه تتكلم بصوت أعمق أثرًا من صوت اللسان . وكأني بالأبتسامة تقول لك عن صاحبها:  إني أحبك،  إنك تمنحني السعادة،  إني سعيد برؤيتك » ولا تحسب أن المقصود بالابتسامة مجرد " علامة " ترتسم على الشفتين لا روح فيها ولا إخلاص، كلا ! فهذه لا تنطلي على أحد، وإنّما أتكلم عن الابتسامة الحقيقة التي تأتي من أعماق نفسك، تلك هي الابتسامة التي تجلب الربح الجزيل في ميادين المال،  وتجلب والنجاح في مجال العمل .

كانت لأهل الصين القدامى حكمة رائعة التي يجمل بنا أن نعلقها على صدورنا كي لا ننساها أبدًا : « إن الرجل الذي لا يعرف كيف يبتسم لا ينبغي له أن يفتتح متجرًا ! » إنها لا تكلف شيئًا ولكنها تعود بالخير الكثير .. إنها تغني أولئك الذين يأخذون، ولا تفقر الذين يمنحون !.. إنها لا تستغرق أكثر من لمح البصر، لكن ذكراها تبقى إلى آخر العمر !..لن تجد أحدًا من الغنى بحيث يستغني عنها، ولا من الفقر في شيء وهو يملك ناصيتها !.. إنها تشيع السعادة في البيت، وتطيب الذكر في العمل، وهي التوقيع على ميثاق المحبة بين الأصدقاء .. إنها راحة للتعب، وشعاع الأمل للبائس، وأجمل العزاء للمحزون، وأفضل ما في جعبة الطبيعة من حلول للمشكلات !.. وبرغم ذلك فهي لا تشترى، ولا تستجدي، ولا تقترض، ولا تسلب !.. إنها شيء ما يكاد يؤتي ثمرته المباركة حتى يتطاير شعاعًا !.  

فإذا أتاك رجالنا ليبيعوك ما تحتاج إليه في الأعياد، والمناسبات الإجتماعية، وألفيتهم من التعب والإرهاق بحيث عز عليهم الإبتسام، فكن أخًا كريم وامنحهم إبتسامة من لدنك .. فو الله إن أحوج الناس إلى الإبتسامة هو الذي لم يبق له شيء من الابتسامة ليهبه !..

هناك أناس طيبون أصحاب القلوب الرحيمة الذين يزرعون الابتسامة والانشراح في وجوه الآخرين، برغم ما في حياتهم من المرارة والآلام، تراهم تملأ الابتسامة وجوههم وبكلمات تثير البهجة والسعادة، فتكون المفارقة من خلال طريقة التعامل مع واقعنا المعاصر.

الحقيقة المرة التي يجهلها الناس، يظنون أن حياتهم ستبقى رائعة، لذيذة، ذات نكهة شهية .. لكن الواقع هو أن الهم أصبح مشتركًا موزعًا بين الناس كالقوت اليومي، فكل إنسان قابل لأن يعاقر الهم ويشكو منه .. الحياة كلها هموم .. ذلك الشعور المثقل بالعناء والتعب والوجع .. مشكلة دائمة ترتبط بسلوك الإنسان الشخصي، نعم نستطيع التغلب على الصورة الحزينة بالأمل والابتسامة الجميلة التي تزين وجوهنا، وتعطينا انطباعًا بالراحة والمحبة وحسن النية، وتجعل الجو بعيدًا عن التوتر والقلق . لقد غلبت علينا المبالغة في معالجة الأحداث التي تمر علينا، إنك في حين المخاطبة لا تخاطب إلا وأنت مبتسم ..  ستشرق حياتنا من جديد لتذيب ما علق بالنفوس من جليد !!

-- وفي هذه الأيام الأليمة نسأل الله عز وجل ببركة الإمام الحسين عليه السلام وهو الرحمة الإلهية الواسعة أن يكتب الأجر الجزيل لكل زوار الحسين الذين يساهمون ويتحمّلون العناء المادي والنفسي والجسدي في سبيل إحياء شعائر الإمام الحسين عليه السلام وتعظيمها، وأن يديمها تبارك وتعالى فينا وفي ذريّاتنا. اللهم احفظ الزائرين لإحياء يوم الأربعين، وتقبل أعمالهم وسجلهم من الزائرين لأبي عبدالله الحسين أرواحنا له الفداء . والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد . 

_________

يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: « النظر إلى وجه المؤمن عبادة » وإذا كانت مجرد النظرة إلى المؤمن عبادة فكيف بالإبتسامة؟!

محبكم/ منصور الصلبوخ .

تعليقات