#خاطرة_الجمعة « المشرع الإسلامي .. والإحساس بالقصور مهما كان الإنجاز »

 


#خاطرة_الجمعة « المشرع الإسلامي .. والإحساس بالقصور مهما كان الإنجاز  »

« ما من أحد يتيه إلا من ذلة يجدها في نفسه » الكافي، الحديث ١٧، لماذا يتكبر الإنسان إذا كان كبيرًا في نفسه، ولماذا يتعاظم إذا كان عظيمًا في صفاته، إنه - من دون ريب - يجد في نفسه نقصًا محسوسًا وضعة بيّنة، وهو يريد أن يتم ذلك النقص ويسد ذلك الفراغ بهذه العظمة المكذوبة، ولكنه بعمله هذا يضيف إلى نقصه الأول نقصًا أكبر منه، ويضم إلى ضعته الأولى ضعة أشد منها، وإذا كان حب الذات يحجب عينيه أن تبصر شيئًا من ذلك فإن للناس الآخرين عيونًا غير محجوبة، ولعلّ في الآخرين الذين يترفع عن القرب منهم ويأنف من النظر إلى أسمالهم من هو أشرف منه نفسًا، وأذكى عملًا وأطيب ذكرًا .

من الظواهر الاجتماعية السلبية التي تحتاج إلى معالجة نفسية ظاهرة الزهو أو الإعجاب، وهي حالة نفسية يصاب بها الشخص وترجع إلى عقدة نقص بغيضة كمنت في نفسه ورسخت في عقله الباطن من جراء إحساسه بالتفوق، وهو مرض وبيل يصيب بعض الناس .. ومصيبة هذا المرض أن صاحبه يجد فيه متعة فلا يسعى إلى الشفاء منه، بل يشيد بفضله ويتخذه قناعًا يوارى به ضعفه موهمًا الناس وموهمًا نفسه أنه من العباقرة، ويتجاهل الآخرين من الحساب أو على نحو عن إلغاء للتقدير الاجتماعي، ثم يسير في آخر القافلة يجتر آلامه وأمراضه . فإذا أفترضنا أن الإحساس بالزهو أو الإعجاب بالإنجاز نابع من واقع ما تتميز به الشخصية المزهوة من تفوق علمي أو اجتماعي .. فهل أن هذا الواقع المتميز، يسوغ لصاحبه أن يمارس الزهو والاستعلاء، وتعد الممارسة ذات طابع سوي؟؟ طبيعي، لا ، بإقرار الاتجاهات النفسية بأكملها، ما دامت تعد " الزهو أو الإعجاب سمة مرضية . إذن ، مجرد اكتساب الظاهرة سمة الواقع لا يسوغ جعلها سمة سوية . إن الإحساس بالتفوق قد أرتكن إلى واقع وليس إلى وهم أو تضخيم للواقع . كل ما في الأمر أن الشخصية المزهوة أو المتكبرة تصطنع مظهرًا حركيًا للتعبير عن إحساسها الداخلي بالزهو أو الإعجاب بالإنجاز، أصحاب الشهادات العالية والمناصب الرفيعة والألقاب العلمية والجاه والأولاد والثروات قد تجرهم إلى ذلك الإحساس، هؤلاء الأشخاص لا حديث لهم إلا التباهي بإمكاناتهم ومنجزاتهم ويتعاملون مع الآخرين على أنهم في المستويات الأدنى منهم بكثير، هذا السلوك من الكلام الفوقي والمكابرة يحدد سلوك الفرد وتطبعه بتأثيرات اجتماعية خارجية. من هنا، طالب المشرع الإسلامي، الشخصية أن تتحرك من خلال الإحساس بالقصور مهما كان الإنجاز، بدلًا من التحرك من خلال الإحساس بالعجب . ولنقرأ هذا النصّ: « إن الرجل ليذنب الذنب فيندم عليه، ويعمل العمل فيسرّه ذلك فيتراخى عن حالة تلك، فلإن يكون على حاله تلك خير له ممَّا دخل فيه » الوسائل، باب ٢٣، حديث ٤ مقدمة العبادات . إن ما يهمنا من هذا النصّ هو الإشارة إلى " التراخي " في العمل، نتيجة إعجابه به، إذ يتحسّس المرء بأنه قد أدَّى مهمته على الوجه الأكمل، ممَّا يحتجزه هذا الإحساس عن متابعة العمل، ولعل النصّ التالي للإمام علي عليه السلام أشد وضوحًا : 

« الإعجاب يمنع من الازدياد » نهج البلاغة،ص ٥٠٠ . فهذا النصّ بدوره، يوضَّح كيف أن الإعجاب يمنع الشخصية من أن تتابع عملها، مكتفية بقدر محدد منه أيًا كان حجمه في تصور الشخصية . مضاف إلى ذلك، أن مثل هذا الإحساس يقترن بنظرة مريضة لدى الشخصية عن ذاتها، ووقوعها في هوّة المرض النفسي، على هذا النحو الذي يشير الإمام علي عليه السلام أيضًا إليه: « إعجاب المرء بنفسه، يدلّ على ضعف عقله » الوسائل، باب ٢٣، حديث ٦ . فهذه السمة " ضعف العقل " تعني التصوّر الواهم للشخصية عن ذاتها، وهو تصوّر تطبعه سمة " المرض " ما دام قائمًا على الاحساس بالرضى، وبالإعجاب، وبالتفوّق وسواه من أشكال التورّم الذاتي . لابد للإنسان أن يتحرر من مظاهر الإعجاب والتعالي المستمدة من إعحاب كامن داخل نفسه، إن النفس المريضة بالإعجاب تجيد خداع صاحبها قبل أي فرد - وهنا مكمن الخطورة - حيث يتوارى الإعجاب وراء مسميات وأشكال متباينة، وقد تتجلى خدعة النفس لصاحبها في صورة نصيحة تقوم بتجميل صورة الباطل وإلباسه لباس الحق .. والإعجاب هو سكن النفس لما يوافق هواها وتميل إليه طبائعها .. وللإعجاب علامة ..! فالمعجب إذا أقبلت عليه الدنيا ظن أنه امتلك زمامها فيسير بالخيلاء بين الناس وإذا أدبرت عنه الخيرات ظن أن مكائد البشر هي سر هوانه . ولأن الإعجاب يورث الكبر، فهو يؤدي بالضرورة للطغيان .. وهو في جوهره جهالة عظيمة بحقيقة النفس البشرية والضعف الإنساني . إذًا، فإن علينا التسلح بحياد المعرفة في مواجهة النفس، ولا ننصاع لهوى القلب وميله، وإذا عصتك نفسك فيما كرهت، فلا تطعها أنت فيما اشتهت وأحبت . أسأل الله أن يعيذنا جميعًا من آفة الاستعلاء ولا يركبنا الإعجاب مهما أوتينا من بيان، وأن نرتوي من معين القرآن المجيد وأهل البيت عليهم السلام .

-- ندعو الله جل وعلا أن يبارك في أرزاقنا - وأن يكفنا شر أنفسنا والسعادة من نصيبنا ويبعد عنا مايكدر خاطرنا والشفاء العاجل لمرضانا - والرحمة والغفران لموتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات - اَللّـهُمَّ صَلِِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 

_________

-- كُلِّ أدعية الإعتراف لسيد الساجدين صلوات الله عليه، مليئة بالكلمات والجمل التي تتحدث عن الذنب والتقصير في جنب الله، لا بلسانه كإمام معصوم من الزلل والدنس والذنوب وهو بهذا يعلمنا كيف نلجأ إلى الله تعالى ونعترف عنده . « ويلي كلما طال عمري كثُرت خطايايَ أما آن لي أن استحي من ربي » .

محبكم/ منصور الصلبوخ  .

تعليقات