#خاطرة_الجمعة « الحوار .. تحديات على مستوى صناعة الوعي »

 


#خاطرة_الجمعة « الحوار .. تحديات على مستوى صناعة الوعي » 

كما يشير عنوان هذه الخاطرة، فإن أول ما يجب أن نفكر فيه هو الحوار .. فن الحوار أصبح في هذا العصر من أهم الوسائل التي يمكن أن تلجأ لها المجتمعات لحل أزماتها ومشاكلها، حيث إن لغة الحوار لها تأثير كبير وفعال ومخرج لتلك الأزمات، وبقدر إجادتنا لفنون الحوار يكون نجاحنا وتميزنا في علاقاتنا واتصالنا مع الناس . 

ولابد من القول هنا إن الحوار يرتكز على عدة أمور، منها: أن تكون مادة الحوار معلومة الهدف واضحة المعالم، وأن لا تكون فيما يغضب الله ويخرج عن قاعة الإنسانية والأخلاقية، وأن تكون نية الحوار لله أولًا ثم لارتقاء العمل، وينبغي للمستمعين أن يتحلوا بثقافة التحدث والإصغاء .

والحوار لا يكون مجديًا إلا إذا كانت العلاقة الإنسانية المتزنة تقوم في جوهرها على الجدارة المتبادلة بين الأطراف ، وأن يتعامل كل منهم داخل إطار يحترم الآخر ويتحرر من مظاهر التعالي والتكبر المستمدة من غرور كامن داخل أنفسهم، ويقوم على الموضوعية في طرح الآراء، والتفريق بين شخص المحاور وأفكاره واستعمال اللغة الأحسن في الخطاب . ولكي يكون المتحدث محاورًا ناجحًا يعطي طابع الثقافة الاجتماعية، ويجذب انتباه المتحدث إليه، فإن ذلك يعتمد على أسلوبه اللائق البعيد كل البعد عن الهزل والتجريح والتعنيف .

من المهم جدًا أن يتحلى المحاور بابتسامة جميلة تزين وجهه، وتعطيه انطباعًا بالراحة وحسن النية، وفي جو من الهدوء والتأمل والاقتناع، بعيدًا عن نبرات الانفعال والتشنج البغيض، وأن تكون وتيرة الصوت معتدلة ولطيفة .

 المحاور المنصف يدخل الحوار مقتنعًا بالقاعدة القائلة: « رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب » هذا مبدأ من مباديء البحث عن الحقيقة، يتعارض معه مبدأ الدخول في الحوار من أجل الجدل، أو المماحكة . وللإمام عليّ عليه السلام كلمة رائعة في هذه الجزئية، يقول فيها : « ما جادلتُ عالمًا إلا وغلبته، ولا جاهلًا إلا وغلبني » والهزيمة، هنا، ليست نتيجة ضعف في الحجة، ولكن ليأس من قابلية الآخر في التعاطي مع طرحك إلا من خلال إصراره على المجادلة والمماحكة وتصور امتلاك الحقيقة المطلقة، فالمحاور المنصف يمتلك قدرة على الإصغاء، والصبر، والهدوء، بدلًا من اتباعه وسائل المقاطعة، أو التشويش على الآخر، والإصغاء من أجل الحقيقة، وليس من أجل إعداد النقص وإثبات احتكار الحقيقة .

إن الحوار آلية ناجحة للتكيف الصحيح وإزالة الاحتقانات بأنواعها. والتوجه الذي ننشده جميعًا هو الحوار الذي يصنع ابتسامة أو استطرافًا، وبدرجة عالية من الشفافية والوضوح، والقبول بأحقية الطرف الآخر في الإختلاف، وأحقيته في أن يكون له رأيه المستقل، وكمجتمع يبدو أننا بحاجة إلى استقطاب الشرائح الاجتماعية المختلفة للتحاور حول قضايا رئيسة على مستوى الأسر واللجان والمؤسسات، فكل مجتمع على وجه البسيطة لا يخلو من أزمات ومشاكل، وهذا أمر طبيعي لوجود التفاوت والتباين في وجهات النظر تجاه القضايا الاجتماعية،{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } هود، ١١٨ . ومع تزاحم الآراء والأفكار يقع الاشتباه في إختيار الرأي السديد، لكن الجميع يتفق على أهمية إيجاد مخرج لتلك الأزمات، لا بد من مواصلة السير وعمل المحاولة تلو الأخرى وتقديم المقترح بعد المقترح حتى نصل إلى ما نريد، أو على الأقل نقترب مما نريد، وهناك عناوين مهمة مطلوب النظر فيها ودراستها ومن ثم مناقشتها وإجراء الحوار بشأنها منها: إرتفاع نسبة الطلاق، وعزوف الشباب عن الزواج، وغلاء المهور، وعمل المرأة وتفكك الأسر وضياع الأبناء وغيرها من القضايا الاجتماعية، وهنا يأتي دور عقلاء المجتمع، وهم أولئك الرجال المؤمنين العاملين إن شاء الله، لديهم الأفكار أو الآراء أو الاقتراحات التي توصل إلى نتيجة تغدق للمجتمع ثمارًا طيبة، تجلب الخير وتصب في مجرى البناء .. بنية المجتمع والنهوض به، من خلال ثقافة النقاش وفن الحوار، ونحن كمجتمع لا تنقصنا الإمكانيات والكوادر المتخصصة التي نتوخى منها نتائج كثيرة، لقد تكدست المشاكل وتعقدت الأمور. من هنا نجدنا ملزمين بالحوار لكي نصل إلى نتيجة ومخرجًا مناسبًا لضمان حل تلك الأزمات .  

من وصايا الإمام موسى الكاظم عليه السلام لتلميذه الجليل هشام بن الحكم البغدادي: « يا هشام: مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة، ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب » تحف العقول: ص ٢٢٦ . وهناك الكثير الذي يمكن أن يقال حول هذا الفن .. علينا أن نستفيد من فن الحوار لمعالجة أمورنا وحل مشاكلنا وتحقيق اهدافنا . نسأل الله عز وجل الهداية ومنه التوفيق وقد جعل الله لكل شيء سببا .

اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان، وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه بحق الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد . 

_________

-- في حالة الحوار حافظ على هدوئك، واعتمد على تجاربك وثقافتك وإياك والصراخ والتجريح، وجميل منك أن تعترف بالخطأ وتصححه، فالتمسك بالآراء أسلوب يفتقر إلى اللياقة، ويضفي على الحوار نفورًا من الطرف الآخر .

محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات