"بلدة الأقمار" للأديبة جميلة الوطني.. وأزمة المُختلِف بين مُتشابهين


"بلدة الأقمار" للأديبة جميلة الوطني.. وأزمة المُختلِف بين مُتشابهين
*زينب علي البحراني
هل انهمرَ الإلهام موحيًا بتلك القصَّة لأجل الأطفال منذ انطلاق شرارة إبداعها الأولى؟ أم أن اللحظة اجتاحت عقل المؤلّفة بفكرةٍ عميقةٍ تتجاوز ما يحدث في عالم الصغار لتفتح بابًا نحو مرآة سحريَّة في عقولهم تنعكس عليها تلميحات رمزيَّة لما قد يُصادفه المُتميزون النادرون منهم غدًا في عالم الكِبار إن كان قدرهُ أن يحيا بشيء من التميُّز؟ تتساءَل دهشة القارئ الذي تقرأ القصة سطورًا غير مرئيَّة من حكاية روحه، فيكتشف أنَّ الإهداء الموجَّه على الصفحة الأولى "إلى الأرواح التي لا تُشبهُ إلا نفسَها" كان يعرف ما يُريد؛ ومن يُريد.
النصوص الأدبيَّة هي الأخرى كالبشر؛ بعضها أُفقيُّ لا يُرى غير ظاهِره، وبعضُها مُتعدد الطبقات والأبعاد؛ يهبُ كُل قارئ شيئًا مما يُخفيه وراء سِتار الكلمات، ويسمح لكُل روح بترجمة مَعانيه وفق لُغتها الخاصَّة المُنبثقة عن مشاعرها وخبراتها التراكُميَّة.. و قصة "بلدة الأقمار" للأديبة البحرينيَّة د. جميلة الوطني تنتمي لعالم النّصوص التي مسّها سحر السَّرد بعصاهُ ليكون في وضوحها غموضًا لذيذًا يستمتع العقل الراشِد بسبر أغواره، وعلى بوَّابة ذاك الغموض وضوحًا وسهولةً تجعل من صعود الطفل على عتبات أسلوبها هينًا ميسورًا.
بادئ ذي بدء من بدايات الحكاية يبدو أننا أمام أحداثٍ محفوفةٍ بالبهجة، تملأ روح الطفل بالحماسة تقود عقلهُ نحو أفقٍ من الخيال الواقعي المُحبب لنمط الحياة المفعم بالسلام وفاهية النفس في بلدةٍ يُحب أهلها بعضًا، يهتمون بالتعليم ولا يُهملونَ العمل ولا يتجاهلون أوقات الترفيه والمرح، تغرس السطور في ذهن الطفل أفكارًا مُبسطة لا تخطئ الطريق نحو عقله الغض؛ مثل الحث على السير ببطءٍ وهدوء، الذهاب إلى المدارس ثم الجامعة وصولاً إلى هدف العمل والإنتاج مُستقبلاً، التأكيد على قيمة العمل في مهنة مُنتِجة نافعة للمُجتمع مهما كان نوعها، مع إشارة إلى قدرة الإنسان على العمل والعطاء قدر المُستطاع وفق ظروفه وما يواجهه من تحديات، أهميَّة الاهتمام بمشاعر الآخرين وسؤال من تبدو على ملامحه علامات الحزن وبوادر الهموم عمَّا إن كان بحاجةٍ إلى مُساعدة، تعزيز فكرة قضاء أوقات الفراغ في اللقاءات والزيارات الودّية بين الأهل والأصحاب واللعب البنَّاء الداعم للعافية الجسدية والنفسية في الحدائق والساحات، ضرورة اللجوء إلى الأكبر سنًا ولا سيما الوالدين عن الوقوع في مشكلة.. إلخ.
من زاويةٍ أُخرى نرى في القصة جانبًا لا يخلو منه العالم الواقعي للكبار؛ إذ تُطل علينا أزمةً فلسفيَّة عميقة (يتبع الجزء الثاني).

تعليقات