(كيف ندرك إن كنا نعاني من مأزق أنانية التدمير الذاتي, وكيفية استعادة هويتنا الحقيقية؟)
وصلني من أيام قليلة, رجاء خاص وملهم استثنائي وبإلحاح عفيف, من طالباتي العزيزات "بهية بو صالح وأنوار المصطفى" لطرح درسا إنسانيا, وكنت خجلة جدا من هذا الرجاء السخي, الذي طالما كنت أوعد بعض الطالبات بين حين وآخر دون أن يتاح لي الظرف بصياغة درسا كما يجب, ومن خلال هذه النافذة الكبيرة أتمنى أن ألبي هذا الرجاء, ولعلني هنا أطرح الفكرة مبدئيا بالعربي ولعلني لاحقا أتمكن بإعداده درسا بالإنجليزي.
أعتقد أنه سيكون ممتع ومحفز للغاية. وسيتعلم البعض الطرق القوية التي تُسبب بها أنماط الأنا الخاصة بالبعض ومعاناتهم. كثيرًا ما نُلقي باللوم في معاناتنا على العالم الخارجي. يعتقدالبعض منا أنه لو تصرف البعض من الناس بشكل مختلف, وتحدثوا بطريقة ما, وتعاملوا بإسلوب معين, لكُنّا سعداء. لكن عندما نتعمق ونفكر بعقلانية, نُدرك أن أنماط معتقداتنا و تفكيرنا, هو في الواقع مصدر الكثير مما نُظهره, ونمارسه, ونجسده في حياتنا. لا أخفي على أحد, أحاول صادقة أن أكتشف وأكشف للكثير منا الطريق السليم للعيش الحقيقي, الذي يتخلله المزيد من السلام والاحترام والاهتمام! أقول ذلك بصفتي متحدثة تحفيزية من خلال دوراتي الإنسانية.
من خلال عملي في شركة أرامكو لأكثر من 27 عامًا, أكاد أن أشعر بأنني غارقًة في التجارب والمواقف الثرية رغم تاريخها القديم. لقد قابلت خلال تلك الفترة مختلف الجنسيات والثقافات, ومن خلال تعاملي مع العديد من البشر, وبمختلف الأمزجة والميول والإمكانات والمعتقدات, استشفيت كم يُعاني البعض منا. حيث تنبع معاناتنا من الوقوع في فخ الأنفة والغطرسة والغرور, فخ حكاياتنا الخاصة, فخ عقولنا وأنماط تفكيرنا. وبما أنني كنت محظوظًة جدًا بالقدرة على التحمل و التحول والتحرر من كل أصناف المعاناة والأفكار السابقة, شعرت بدافع قوي للمشاركة مع الطالبات والبعض ممن يقرأني هنا. المخرج والمأزق بسيط جدًا. هذا لا يعني أنه سهل, لكنه بسيط. ولعلني أشعر بعمق الحماس عند البعض. لطالما بدأت في طرح نصا, يمكّن الكثير من إيجاد طريقهم للخروج والتخلص من قيد ومأزق أنماط التفكير المحدود ونوعية العيش التي تُسبب هذه المعاناة.
أتعجب وبقوة ممن لا يزال يمارس هكذا نوع من التعالي والغرور والغطرسة ولا يحاول أن يقتل الأنا التي داخله ليتخلص من الأنانية. لكن هناك ايضا للأسف فئة كبيرة من البعض يُسيئون فهم ماهية ذلك بالضبط, التخلص من الأنا ليس فناءً عنيفًا, محفوفًا بالصعوبات. إنه في الواقع تحررٌ مُفعَمٌ بالجرأة والحكمة والحب والحرية الشخصية العادلة لما يُبقينا عالقين ويُعيقنا. إنه طريقٌ لإكتشاف حقيقة أنفسنا والعيش فيها. وقد يصبح الأمر صعبًا بالطبع, لأننا كثيرًا ما نُعرّف تلك الأنماط الأنانية على أنها ذاتنا الحقيقية. لذا, فإن طريق تحرير الذات من أنانيتها ليس سهلًا دائمًا. لكنني رأيتُ في حياتي أنه ليس من الممكن تحقيقه فحسب, بل إن السلام والحرية والتواصل الذي نشعر به عندما نتحرر من قيود التفكير الزائف الأجوف هو أمرٌ استثنائي, وهو أعظم منحة وهبة ذاتية في الكون لو شاء المرء ذلك!
لعل هناك من يسأل ماذا تعني الأنا بالضبط رغم ممارستهم إياها!
· هي تتكون عادةً من أمور تعلمناها بشكل مباشر أو غير مباشر, من عائلتنا وأهلنا وأقاربنا وثقافتنا وتجارب طفولتنا المبكرة. هي ما بنيناها لا شعوريًا من حيث لا ندرك خلال حياتنا, وخاصةً في طفولتنا المبكرة.
· هي التي تخبرنا حقيقة من نحن, بناءً على الطريقة التي تحدث بها الآخرون, معنا وعنا و إلينا أو من حولنا. والتي تخبرنا أيضا بأننا لسنا كافيين, وأننا بحاجة إلى شيء أكثر أو شيء مختلف لنكون جديرين بما يكفي أو جيدين بما نحن عليه.
· هي ما ندرك بأننا بأجسادنا المادية من خلال حجمها,شكلها,لونها,مستوى نجاحها, مهاراتها وقدراتها.
ما دمنا عاجزين على أن نحدد هويتنا بهذه الطريقة, فلن نتمكن أبدًا من معرفة الذات الحقيقية الكاملة المثالية. لذا, فإن موت الأنا هو في الواقع حرية. إنه خطوة جريئة للوصول إلى الذات الحقيقية.
ولكن كيف تعرف وتدرك إن كنت تعاني من أنماط أنانية التدمير الذاتي؟
· إذا وجدتِ نفسكِ لا تُحقق أو تُجسّد أو تعيش, بالإكتفاء والإمتلاء والإحتواء والجمال والفرح والسلام والحرية, التي تدرك أنكِ تستحقها, فمن المُرجّح أنكِ تدمر نفسكِ.
· إذا لاحظتِ أن الآخرين من حولكِ, ينجحون ويزدهرون ويُحققون أكثر بكثير مما تُحقق في مجالات تمتلك فيها مهارات ومواهب وقدرات مُماثلة أو حتى أفضل, فمن المُرجّح جدًا أنكِ تُعاني من التدمير الذاتي. وإن كنت لا تشعر بالسوء حيال ذلك, فهو أمر طبيعي جدًا, إلى أن نُدرك تمامًا استحقاقنا للسعادة والسلام والرضا, سنظل نضمن عدم وصولها إلينا.
وهناك من يستمر في تحقيق اعتقادنا الخاطئ والسلبي عن أنفسنا.
· إذا كنت تعتقد أنك لا تستحق الحب, فستحرص لا شعوريًا على التصرف بطرق تجعل أحدًا لا يحبك.
· إذا كنت تعتقد أنك لا تستحق الوفرة, فستحرص على التصرف بطرق تجعلك تعيش دائمًا في ندرة.
· إذا كنت تعتقد أنك لست جيدًا بما يكفي, فستضمن أن ينتهي كل ما تفعله بالفشل.
لهذا السبب, يُعد تغيير أنماط المعتقدات والتحرر من تلك الأنا أمرًا بالغ الأهمية.
ماذا نتوقع أن نتعلم؟! يا لها من هبة ومنحة رائعة! إن التحرر من القصص الزائفة التي رُويت لنا ورُويت عنا، أمرٌ مُمكِّنٌ للغاية.
شكرًا عزيزاتي بهية وأنوار, على الرجاء والطلب السخي وعلى هذا الإلهام الذي ساعدني, على طرح وتناول هذه الفكرة المؤثرة والمهمة. وعساها أن تكون بادرة طيبة لي وللجميع لإستكشاف عالمنا الداخلي والوصول لطريق الحرية الحقيقية.
غالية محروس المحروس
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق