( كيف يمكن لزوجين يحترمان بعضهما البعض، أن يظلا معًا رغم تحديات الجفاء و عدم الإرتباط العاطفي بينهما !؟ ).
( كيف يمكن لزوجين يحترمان بعضهما البعض، أن يظلا معًا رغم تحديات الجفاء و عدم الإرتباط العاطفي بينهما !؟ ).
لقد اعتدت بين حين وحين, وتصيبني الدهشة,عندما أسمع بهكذا نوع من الحالات والحكايات الواقعية الموجعة, من بعض الأخوات شخصيا. من الممكن أن يكون الإنفصال عن المشاعر استجابةً ضروريةً للتكيف والتأقلم مع الحياة إستثنائا لظروف خارجة عن المألوف. فالشخص غير المؤهل عاطفيًا يعاني, ربما دون وعي وبلا ادراك, فقد تنتقل إلى سياقات تكون فيها العاطفة ضروريةً ملحة ومهمة للألفة وللتواصل والإنسجام ولحياة فيها أكثر سلام وإهتمام, وإذا لم يُعترف بها, فقد يُعيق عدم الإنتماء والإرتباط العاطفي وتدفق الحياة بينهما, ويُنشئ أنماطًا ضارة من الغضب والإنطواء وانهيار العلاقة.
في مرحلة ما, قد تتعثر العلاقة والعاطفة والتواصل كما يجب بين الزوجين, ولعل أحدهما لا يسمح لنفسه,أو لا يدرك كيف يتيح لنفسه, بأن يكون عاطفيا أو إيجابيا مع الطرف الآخر. بمعنى آخر عدم الارتياح معا عند إثارة المواضيع أو الخلافات العائلية و العاطفية,أول وأبرز علامة, يمكن أن يتجلى هذا الإنزعاج على هيئة غضب وإستياء حاد, وقد يظهر فقط حول مواضيع معينة. بعض الأشخاص الذين يعانون من عدم الارتياح العاطفي, قادرون على التواصل مع مشاعرهم في جوانب أخرى من حياتهم, مع الحفاظ على سلامتهم من الشعور بالطاقة في مجالات أخرى. وهنا تظهر السلوكيات المسيطرة ومقاومة العلاج.
من خلال وهم السيطرة, قد يعزل أحد الزوجين نفسه عن الطرف الآخر وعن البعض من الناس, عن مجالات الحياة التي لا يرغب التواجد والإختلاط فيها. على سبيل المثال:
· قد يدفع الشخص المسيطر ثمن كل شيء, بل ويقدم هدايا وعطايا سخية, لأنه من الأسهل أن يكون حرًا في ماله بدلًا من أن يكون حرًا في عواطفه ومشاعره. وهنا تصبح السيطرة أداة لتجنب الضعف بأي ثمن.
· قد يكون أي سلوك دفاعي متكرر (مثل إرضاء الغير بمافيهم الشريك الآخر, أو الاختلاط الاجتماعي المفرط أو الانسحاب الاجتماعي, أو الحفاظ على المظهر) علامة على عدم الإرتباط والتأهيل العاطفي. حتى السلوكيات التي تبدو حميدة, يمكن أن تكون إدمانًا, إذا استُخدمت لتخدير المشاعر الحقيقية أو صرفها كأسلوب وقائي ضد التفاعل الحقيقي.
هناك أسباب عديدة تجعل الزوجين غير متاحين ولا مرتاحين معا عاطفيًا, ولعل السبب غالبًا ما يعود إلى التنشئة الاجتماعية, أو الظروف وقد يكون التعامل مع أحد الزوجين غير متاح عاطفيًا أمرًا بالغ الصعوبة, و من المهم أن نتذكر أنه في مرحلة ما من الرحلة الزوجية, على هذا الشريك أن يدرك إن كتمان المشاعر أو الانفصال عنها يحميه من القهر والغضب, وحتى الإساءة. وقد يتطلب الأمر التزامًا من كلا الشريكين للنجاح العاطفي بينهما, حيث يمكنهما التعافي والتقارب من خلال تجربة التواصل الفعلي والدائم معًا. من أكبر تحديات التعافي تجاهل افتراض أن عدم الإرتباط العاطفي بينهما طريق مسدود. حيث أصبح "عدم التوفر العاطفي" مصطلحًا عابرًا في الثقافة, يُستخدم للتشخيص السريع للعديد من مشاكل العلاقات وتبرير التخلي والإبتعاد السهل عن الشريكين لحظة نشوء الخلاف.
هناك أوقاتٌ, لا ينبغي أن يكون فيها البقاء في هكذا علاقةٍ, أمرًا صحيحًا وصحيا أو حتى آمنًا، لكن الافتراضات المُحيطة بعدم الإرتباط العاطفي بين الزوجين ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقيمة الثقافية الهائلة التي نُعطيها لراحة الطرفين. إن التعايش مع واقع عدم الإرتباط العاطفي المُحطم والمؤلم مع الطرف الآخر ليس بالخيار السهل, ولكنه مُجزٍ على مستوى عميق وعميق جدا. يُقنعنا العالم الخارجي المحيط بنا بأنه من الأفضل دائمًا سلوك الطريق الأسهل. لكن هذا العمل يتم على مستوى أعمق بكثير, إذا أردنا إصلاح وترميم علاقاتنا, يجب أن نكون على استعداد للمخاطرة وخوض تلك التجربة مُدركين أن الرحلة غير مؤكدة. إنه خيارٌ شجاع وقرار جريء لحياة أفضل .
بدون التعاطف والتسامح بين الزوجين, لا يُمكننا المضي قدمًا. التعاطف هو ما يُمكّننا من مُلاحظة الآلآم ومعاناة شريكنا المُهمّش عاطفيًا. بالإضافة إلى آلالامنا ومعاناتنا شخصيا. التعاطف يُمكّننا من مُشاركة الألم والحزن معا, وإفساح المجال للطرف الآخر للتعافي, بدلًا من مُحاربته. حينها نُصبح قادرين على رؤوية التعاطف العاطفي على حقيقته, كشكل من أشكال المعاناة, بدلًا من الاستمرار في سرد قصة تظهر رغباتنا ومخاوفنا دون أدنى مسؤولية أو إكنراث, وتجعل من التعاطف العاطفي لشريكنا إهانةً لنا أو انعكاسًا علينا. التسامح مهمٌّ للغاية ومن خلاله, نتخلص أخيرًا من الحرج والذنب, ومن السلبية التي تُقسّينا ضد التعاطف وتُولّد لدينا شعورًا بالبر الذاتي عندما نحتاج إلى التواضع والخضوع. من خلال التسامح, نُقرّ ونعترف بحدودنا الإنسانية ونتقبلها, بل ونتعلم أن نُحبها. هذا ضروري لكلا الشريكين للشفاء.
من المهم أيضًا ملاحظة أن التعاطف والتسامح معا يُهيئان لنا مساحةً لإدارة توقعاتنا في العلاقات الطيبة معا, تلك التي لا تعني تجاهل احتياجاتنا أو "الرضوخ"، بل تعني تنمية الوعي لإدراك حدود الآخر والطرق التي قد تتعدى بها توقعاتنا على تلك الحدود. في سعينا نحو التواصل العاطفي، قد نُجبر الآخر, دون قصد, على التصرف بطرق لا تتوافق مع أخلاقياتنا. يجب أن نُدرك حقيقة أن البعض يستمتعون بالتحدث عن مشاعرهم واستكشافها أكثر من غيرهم. لا يُمكن لرغبتنا في التفاعل مع المشاعر أن تُصبح قوةً تدفع شركاءنا على أمل تغييرهم أو "جعلهم" أكثر عاطفية.
وعلينا معا أن نسعد بعضنا ونعيش حياتنا كما ينبغي, ونحاول معا على نفوسنا من أنماط التفكير وميول الأنا التي تعيق التواصل مع أعماق الذات ولعل ذلك يساعد على إظهار مشاعر قديمة مدفونة.
يعتمد شكل هذه المشاعر على كيفية تبلور مشكلة الغياب العاطفي في نفوسنا ودواخلنا, وقد تذرف الدموع والتي تُلين القلب وتفتح الطريق للشفاء العاطفي. وحينها تتطور العلاقة الواعية مع مشاعر الزوجين, وسوف ندرك ونتعلم التمييز بيم المشاعر التي تنبع من الذات وتلك التي تنبع من القلب. وهذه بداية بفرز هذا الشعور من ذاك, ممهدا الطريق للوضوح.
غالية محروس المحروس
.jpg)
تعليقات
إرسال تعليق