#خاطرة_الجمعة « نداء إنساني »
نظرت فإذا شاب لا يتجاوز عقده الثالث يترنح أمامي حتى لا يقوى على الوقوف، أمًا أطرافه لا تنفك ترتعش، قلت: معافى إن شاء الله، قال لي وهو يغالب دمعة تكاد أن تظفر من عينيه حمدًا لله، تراني أجهدني المرض، وأذاب حيويتي وأنهك قواي، وصهر كياني في عذاب ليس له آخر ، فمعظم وقتي أقضيه هنا تحت الأجهزة الطبية التي يتخللها الخراطيم والاسطوانات المعبأة بالأدوية، وقد قيل لي لا تفك تلك الخراطيم إلا بالحصول على كلى من متبرع، ألا تجدون حلًا لما نعانيه ؟؟ إنه يستغيث بمثلي ولست طبيبًا، ولا أملك له علاج . هذا واقع معظم مرضى الفشل الكلوي، فهم مستمرون على تحدي الواقع المر !!
إن الحكمة المتوارثة تقول: « من رأى ليس كمن سمع » ما نشهده في هذه الأيام من حالات متقدمة للمرض، يدعونا إلى التوقف، وفي رأيي الفشل الكلوي من أشد الظواهر التي يتعين على الباحثين دراستها لعلهم يجدون طرقًا تحمينا من خطرها ومضاعفاتها !! دعوني بعد هذا أصور لكم ما صادفني قبل أيام من مشهد حي ..
-- رأيته بعد سنوات فأقبل على تقبيلي وأقبلت عليه من دون أن اتذكره بدافع المجاملة !! حاولت أن أستعيد ذاكرتي، فما كان منه إلا أن قال: أنت فلان، قلت له نعم، دققت النظر، وبادرت بالقول: نعم تذكرت أنت ولد الديرة من عائلة فلان لكني لم أذكر إسمك، فعرّفني بنفسه، لقد أعاد بي الذاكرة إلى زمن مضى لاسيما فيما يتصل بمرحلة ما بعدالطفولة المبكرة، نعم أخي الكريم صورتك لا زالت عالقة في ذاكرتي، سألته عن حاله ؟ فقال حالي تحت رحمة الله تعالى، إنني أعاني منذ أكثر من عامين من فشل كلوي، وأنا عايش على أجهزة الغسيل، قلت له: ألم تجد متبرع يخلصك من كل هذه المتاعب والآلام التي أنهكت جسدك ؟! سكت لحظة لكنه أجاب بنبرة صوت مليئة بالحزن والحسرة، نعم أريد أن أقول لك إنني في أشد الحاجة إلى متبرع، لكن من اين أجده؟! الكثير من مرضى الفشل الكلوي يجدون صعوبة في إيجاد من يتبرع لهم، مجرور بحروف الضعف والإحباط والاستسلام، لذا يرون وسيلتهم الوحيدة هي الإستمرار في الغسيل الكلوي وقد يظل المريض سنين بهذه الحالة الصعبة، كون ثقافة التبرع بالأعضاء لم تلقى إهتمام في مجتمعنا، وعبر وعاظنا فوق المنابر، وفي زمن فقدنا فيه الحس الإنساني . والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يترك هؤلاء المرضى يعانون التعب ومرارة الآلام ؟ علينا أن نبادر بمساعدتهم، وهذه لها انعكاسات دينية واجتماعية وإنسانية، فليس من المستغرب، بل من المتوقع أن نرى مثل هذه المبادرات الإنسانية في مجتمعنا المؤمن .أن ما يريده مريض الكلى هو شخص متبرع ينقد حياته .. هذه صورة من عشرات أو مئات الصور الحية لمرضى الفشل الكلوي من فئات مختلفة، شباب وكهول وكبار السن، تستدر الدمع وتتفطر لها القلوب ألما وأسى . قليلون هم الذين يعرفون أهمية المبادرات الإنسانية، هم الذين أودع الله في أعماق قلوبهم الرحمة وحب الخير والإسراع إلى مساعدة المحتاجين، إنهم أصحاب مبادىء وقيم وأخلاق ..
أكثر ما يقلقنا هو المسبب الرئيسي للفشل الكلوي، والذي يعنينا هنا المبالغة في الوصفات الدوائية والتي تؤثر سلبًا في صحة المرضى وتساهم في تدمير الكليتين ،وكذلك الأغذية المصنعة والوجبات السريعة والمشروبات الغازية التي نتناولها كل يوم، هي أغذية مدمرة للكلى كونها مليئة بالمواد الكيميائية والمضافات الاصطناعية والملوثات والتي تضر الكلى إضرارًا مباشرة. علينا أن نقلل من تناول الدواء، ونختار الطبيعي من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة، إضافة إلى إختيار اللحوم والدواجن والأسماك الطازجة، والامتناع عن المشروبات الغازية، ومحاولة التقليل من الأغذية المحفوظة أو المعلبة قدر المستطاع . كما أن جفاف خلايا الجسم يؤدي في مرحلة من مراحله إلى قصور في وظائف الكلى قد يصل إلى حالة فشل كامل. وأكثر الأشخاص عرضة لمرض الفشل هم الذين لا يتناولون الفواكه والخضروات المائية. لذا ينصح دائمًا بالاستفادة بالعصارات الحية في الأغذية الطازجة .
وختامًا ، في مجتمعنا الكثير ممن يعانون فشلًا كلويًا ويخضعون لعلاج الغسيل الكلوي، ولتلافي الآثار الجانبية لعملية الغسيل الكلوي هو اللجوء إلى عملية زراعةالكلى، والمشكلة التي تواجه مريض الفشل الكلوي هي الحصول على متبرع، ويفضل من العائلة أو له صلة قرابة به، وإذا لم يصلح له متبرع من العائلة، يتم البحث عن متبرع من خارج العائلة بشرط أن يكون صحته جيدة، وخالي من الأمراض .
-- اللهم وفقنا لعمل الخير، والاستمرار فيه، والتأييد والعصمة من الوقوع في المعاصي والذنوب، واستشعار اللذة والأنس بالقرب من الله عز وجل والشوق إليه، وإلى موتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات الرحمة والغفران يارب العالمين والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل محمد عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- التبرع بالأعضاء الحيوية من الأعمال الإنسانية الجليلة، يمارسها أناس من محبي الخير، ويؤمنون بأهمية العطاء، لهم حضورٌ قوي .. جعل الله في أفئدتهم كمًا كبيرًا من الرحمة والشفقة بحيث لا تراهم في أوج سعادتهم ولا تراهم تملأ الفرحة وجوههم إلا عندما يقضون للناس المحتاجين حاجاتهم على أي شكل كانت. قال صلى الله عليه وآله: « من فرَّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » .

تعليقات
إرسال تعليق