# خاطرة_الجمعة « الرجل لا يكتشف حبّه لزوجته إلا عندما يفقدها »


 # خاطرة_الجمعة « الرجل لا يكتشف حبّه لزوجته إلا عندما يفقدها » 

نواجه جميعًا حالات ابتلاء مع أقرب الناس إلينا، ويزداد الأثر عندما تأخذ طابع اجتماعي ونفسي نعجز عن التعامل معه تعاملًا ايجابيًا، وساحة الحياة مليئة بسلسلة من الهموم والمصائب ونحوها، كون الإنسان هدف في هذه الدنيا لكل مصيبة، وقد ينتج عنها انحرافًا خطيرًا في سلوك الشخصية، تستحق منا أن نلتفت إليها ..

 الزوجة الملاذ الآمن في زورق الحياة .. رفيقة عمر .. وشريكة عشق .. إذا نظرت إليها شعرت بهيبة العطاء .. ونفحة الإلهام !! 

يواجه الكثير من الناس صراعات نفسية وحالات وجدانية، مما يستتبع معها اضطرابًا وظيفيًا كالجزع، والسخط، واليأس والقنوط، ثم تأخذ طابع الشخصية المنطوية والمكتئبة. فقدان الزوج لزوجته نموذجًا متكررًا في حياتنا، يدخل الزوج بعده في أقسى بلاء .. حالة نفسية صعبة  .. تلك التصرفات والسمات النفسية متوقعة من قبل أي شخص أصيب بمصيبة الموت .. أقصى بلاء يصيب الإنسان .. لأن الموت كما وصفه الإمام علي عليه السلام ذات يوم بأنه «هادم اللذات» ترى سحابة حزن ترتسم على وجوه أهل المصيبة ،  وضيق  يخوص  في  أعماقهم  لا يمكنهم  أن  يستريحوا  أو  يهدئوا ..

-- كانت الحياة جميلة واسعة، مليئة بالسعادة وحافلة بالآمال والأحلام .. وكانت عجلة الحياة ماضية في طريقها أعوام لتحقيق الأحلام، وإذا بهذه السعادة تتحول إلى ألم وحسرات .. كان له زوجه لم تدم لها الحياة طويلًا، واختطفها الموت اختطافًا، وهي ما تزال في أنضج سنوات حياتها .. اختطفها الموت لتخنق آمالًا مزدهرة في حياة أسرة سعيدة .. هكذا شاء القدر أن يحرم زوج وأربعة أبناء أكبرهم في المرحلة المتوسطة وأصغرهم ذات سنوات أربع .. أن يحرمهم أعز وأحب من كان لهم في الحياة، لقد خلفتهم من بعدها في احضان الفراق، لا يؤنس وحشتهم إلا طيف خيالها، أو ما يتردد بين جوانحه من ذكراها . وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن ظاهرة الوحشة والاغتراب مرتبطة بالموت «فقد الأحبة غربة» نهج البلاغة، حكمة ٦٥ .

كنا لا نراه إلاحزينًا، لا يكاد يفتر له ثغر،أو تنفرج له عن ابتسامة شفتان . استيقظ فجأة فوجد نفسه وحيدًا، وقد انقطع ما كان يربط بينه وبينها من زمالة في الحياة، وشراكة في العيش، وصحبة في هذه الدنيا .

لقد رحلت المرأة التي كانت رمزًا للنقاء في هذه الدنيا، فقد وجد فيها الليونة والطيبة التي يرغبها أي رجل في زوجته، لم يرى فيها إلا الدفء والحيوية، زوجة مثالية تعرف حقوق الزوج وتربية الأولاد .. رحلت المرأة الصالحة وتركت وراءها زوجًا ضعيفًا يقاسي ويلات الزمن، لقد تغير كل شيء، فما أصبح للحياة عنده معنى، وما أصبح له فيها رغبة أو اشتهاء .. رحلت الإنسانة التي منحها ثقته وحبه، كانت تعيش في داخله .. رحلت وتركت له أولاد صغار، لقد أصبحوا جميعًا برحيلها تعساء .. رحلت وتركت له فراغًا عريضًا لا يمتلىء بأي شيء .. رحلت وتركت له شريطًا من الذكريات التي لن تغيب عن قلبه .. يرى أمامه الحياة سوداء كئيبة، وبدت الدار حزينة، خالية بعد أن كانت رفيقة عمره قد منحته كل شيء جديد في حياته .. تزغرد بضحكتها وفرحتها، وسمتها الطيبة .. شخصية مرحة، ممتعة، مسلية، تسعد من يقترب منها .. هذه المرأة ملئت البيت حيوية وتدفقًا عاطفيًا لا ينضب، وزرعت السعادة في أسرتها، تسرد النكات والحكايات .. أصبح اليوم مكانها خاليًا .. غابت تلك الشمس الدافئة التي أشرقت في حياته .. ومعها غابت ضحكتها .. وانطفأت أنوارها المتلألئة .. وتبددت تلك الأحاسيس البريئة .. ذكرياتها تبعث في صدره الألم والأسى . لماذا رحلت بعد أن اخضرّ العمر وأينعت ثمار فرحة؟ لماذا تركت يده ممدودتين تبحثان عنها في فراغ الظلام؟

الحقيقة المرة التي يجهلها الناس، يظنون أن حياتهم ستبقى رائعة، لذيذة، ذات نكهة شهية، بل الواقع أن الجميع سيكتوون بنار الفراق وشدائد الحياة، وستؤدي بهم إلى الضعف والهزال، وستتحول بيوتهم يومًا إلى بيوتات طينية قائمة على أعواد يابسة تبحث عن الفتات المبعثر هنا وهناك .. يومًا ما ستدرك وأنت خارج ساعتك، وأقدامك، وجسدك ، كم هي الحياة عابرة سريعة كظل ضئيل، وكم هو الموت حرية حقيقية من جور الدنيا، ستدرك أننا كلنا عابرون ولو بعد حين، وأن عجلة الحياة أبقى من الجميع .. فالدنيا ملأى بمصائب، وقد كتب الله ذلك، وما علينا إلا التسليم ولا مفر من قضاء الله وقدره .. فالأقدار هي الأقدار وهي واقعة لا محالة، فيجب على المؤمن أن يتسلح بسلاح الإيمان والقوة في مواجهة الحياة . لن يقف الزمن ..! ولا بد أن نؤمن، أن الأيام لا تبقى على حال .. تدور رغم لحظات الأعياء والشقاء رغم الأفراح والمسرات، لتترك في الأنفس الهامدة آثارها، حتى تتحول إلى زمن متفاعل، ينثر العبرات على هامش الحياة .

أدعو الباري سبحانه أن يحفظكم بعينه التي لا تنام، وأن تكونوا في احسن حال وأهدأ بال، ويلبسكم ثوب العافية ، وأن يشافي مرضاكم ومرضى المؤمنين والمؤمنات ، وأن يقضي حوائجكم ، ويحقق آمالكم ، ويرحم موتاكم وموتى المؤمنين والمؤمنات ،إنه سميع مجيب ، بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد . 

_________

-- سأظل أرى طيفها ولا تغيب عن بالي، كنت أحمل أملًا خائرًا في إمكانية أن أعود لحياتي الطبيعية، فقد كنت أشعر بأنها أيام قليلة وألتحف التراب،  والصمت، وأخلص من هذا العذاب المرير الذي أحياه منذ رحيلها، لذلك غدت الحياة في ناظري أصغر من همسة طوح بها الريح، فلم أعد أكترث لشيء، وقد تغير كل شيء في حياتي، وزاد تذمري الذي لا ينضب، وزاد المكان من تهيجي، حيث يذكرني بصمت القبور، فلم يكن يشاركني هذا البيت الواسع سوى أولادي الصغار والوالدة التي أكل الشلل نصفها الأسفل، لوحت بيدها باكية وفي كل نظرة اشفاق .. من منكم سعيد؟ سأموت وأنا غير مطمئنة !!

محبكم/ منصور الصلبوخ .

تعليقات