هذه وجدانيات ستون كتبتها على وقع تأملات في تجارب هذا العمر أغلبها ترتبط بجزئيات أي معايشات تنطبق على حالات ولكنها لا تعم ولا تشمل كل إنسان وجماعة إلا بحسبه أو حسبهم. آمل ان تجدوا فيها شيئا يدعو للتفكر. جهاد عبد الإله الخنيزي
ستون عاما (١-٦٠)
يا له من زمن يبدو كلا شيء في مطلق الزمن. إن لم أعده صفرا وهو كذلك، فهو يوم أو بعض يوم، حتى الذاكرة لا تحتاج لمداه إذ هي الزمن.
ستون عاما(٢-٦٠)
وأنا أجرب كطفل مازال يحبو، أقع في نفس الخطأ كأنني لم أفطم بعد، وأعيد نفس الكلمات، وتغتالني الذكريات الأولى! أنا ابن الماضي.
ستون عاما (٣-٦٠)
وأنا لا أدري أأهرب أم أعود!
دائر بين قطبين كلاهما يتنازعانني كأنني ما خلقت إلا لأسأل: ما علي أن أفعل؟
ستون عاما (٤-٦٠)
وأنا أنازع نفسي في هذا العالم المكتض بالبشر. أضيع داخل كثرته، وأبين منه بهروبي من سطوته، وأخاف أن لا أعيش فيه.
حائر أنا من عالمي وعالمهم!
ستون عاما(٥-٦٠)
وأنا أحاول البقاء كخالد على الأرض فيما ترتقب أنظار الوحوش لتأكل كتفيك.
ستون عاما (٦-٦٠)
وأنا أرى هذا الإنسان خليط من الخير والشر، من النقص والكمال البسيط، يتجادل داخل نفسه ليحدد من يكون، ويقهر غيره لأجل نفع نفسه، ويعين غيره لأجل راحة ضميره. بشر ما إن يتصافوا حتى يتباغضوا، والعكس عكس.
ستون عاما(٧-٦٠)
كم هو عمر مرهق. يغلبه تعب الجسد، وتمارس الحكمة فيه الردع، ويسأل لمن جسدي؟ ألعقلي أم لغريزتي؟
ستون عاما (٨-٦٠)
وهذا الوهم بالتعالي يعلو داخلك حتى إذا ما فاض أسقطك كطير جريح تفترسه النسور.
ستون عاما(٩-٦٠)
كم جردة حسابك طويلة، فلا الحكمة مضمونة حتى الأبد، ولا الأماني منتهية عند حد، ولا العفو مرجو إلا ما غسلته بيديك. ومن ذا الذي يسرع لتطهير نفسه قبل حمامه!
ستون عاما(١٠-٦٠)
من الوجع!
أتدري من يجلبه لك؟ أولئك الذين وهبتهم وهم يسنون حراب الغدر عليك لتكون الوليمة الأخيرة لهم.
ما أقسى هؤلاء.
ستون عاما(١١-٦٠)
وربك ينجيك من بلايا الدنيا فقط لأنك أخبرته كم أنت ضعيف وهو القوي القدير.
ستون عاما(١٢-٦٠)
والناس يبغون الدنيا ويذرون الآخرة وتخاف أن تكون منهم فهذا القلب غدار قلاب.
ستون عاما(١٣-٦٠)
وتلك القبور تنتظرك، وتلك النعوش تسير بك، وتلك الأمراض تحملها داخلك، ولا تعي حتى يحل الأمر بعتبة دارك.
ستون عاما(١٤-٦٠)
والحياة تجدد البشر كما هي، فريق هدى وفريق حق عليه الضلال. وما كان بالأمس تجده اليوم بلون جديد.
كأنهم لا يتعظون مما سبق.
ستون عاما(١٥-٦٠)
وأنت تسمع بالحروب، وتطاحن البشر، وشهوة القتل، حتى إذا انتهى كل شيء عادوا يحملون ذكرى الانتقام.
ستون عاما(١٦-٦٠)
وأنا أركض في الدروب حتى كل -بتشديد اللام- مفصلي، واستهلك أملي، ونفذ زاد مخلاتي. كم كنت جاهلا فيما أروم إذ يكفي أن أنظر إليك وأقول يا رب.
ستون عاما(١٧-٦٠)
والجروح كما هي أحمل ندوبها، ومراهم شفائها، وأمر بها على أطبائها دون أن تندمل بعد.
ستون عاما(١٨-٦٠)
انمحت من عمري ولم يبق لي إلا القليل وربما نجعة جائع أو شربة ظامئ.
ستون عاما(١٩-٦٠)
لاهية نفسي في هذه الحياة حتى ثملت من لذة الحواس ولم يشف الغليل إذ المنى في راحة القلب لا راحة البدن.
ستون عاما(٢٠-٦٠)
أضعت فيها دفتر حسابي ولم يبق لي إلا رجاء من لا يرجى غيره.
رب كن رحمتي وراحمي وجابر خاطري.
ستون عاما(٢١-٦٠)
وأنا أسأل
ومازلت أجهل الكثير، وأحتج على الكثير، وغير مقتنع بكثير مما يقبله البشر.
ستون عاما(٢١-٦٠)
من الراحة والتعب، والسعادة والتعاسة، واللذة والألم، والعلم والجهل، والتسامح والمواجهة، والدهشة والغفلة.
محاولة صعبة للعيش في كون جميل لا وجود له.
ستون عاما(٢٢-٦٠)
وهذا العالم داخلك يشاهد نفسه، يعبر عن حضوره. يبحث عن شريكه، ويهرب من غريمه. يسعى لأن يكون العالم كما يراه.
كم لك يا قلب من أمان لا نهاية لها سوى التعب!
ستون عاما(٢٣-٦٠)
تجمع كل شيء لتترك كل شيء، تهب فتجد نفسك، وتمنع فتفقدها. أنت من تحكم على حياتك وموتك حال يقظتك.
كم من حي ميت، وكم من ميت حي.
ستون عاما(٢٤-٦٠)
وأنا أهرب من شيء لآخر، وذاك الوحش يلاحقني، أجده في حلمي بوجوه كما أجده قريبا مني.
لم أتعلم يوما اصطياد الوحش لأنني لا أتمنى شوفه.
ستون عاما(٢٥-٦٠)
كم هو عمر طويل ذهب سريعا من تاريخ جسدي. لا أدري هل يتذكر كل تفاصيله أو تناسى.
كل ذاكرة الجسد تصمت حين تحاول أن تتذكر خبرا موغلا في القدم.
ستون عاما(٢٦-٦٠)
وما تريده لا تجده، وما تجده لا تريده، ومن يرغب فيك تزهد فيه وتصده، ومن ترغب فيه يزهد فيك فيمنعك.
عجب لهذا وهذا!
(٢٧-٦٠) ستون عاما
لا تنفع مع لئيم أكرمته، سقيته أو أشربته، أعنته أو واسيته.
اللئام يبقون لئاما حتى الأخير لأنهم لا يمكن إلا أن يكونوا كذلك.
ستون عاما(٢٨-٦٠)
لم تداو جرحا واحدا مما ألم بك، فكل نطاسي هذا العالم عاجزون سوى من بيده كل شيء.
كم لك من رحمة ربي وفضل لا يحصى.
ستون عاما(٢٩-٦٠)
وأنا أكلمك ربي ولا تحجبني، وأنا أشكوى إليك فتواسيني، وأنا أكل أمري إليك فتدبره، وأنا أسألك كل شيء فتهبني أحسن شيء.
ما أكرمك وأحلمك وأحكمك.
ستون عاما(٣٠-٦٠)
من السير إليك. كلنا آتيك، بعضنا بالشوق وبعضنا بالقهر.
رب اجعل شوقي غالبا.
ستون عاما(٣١-٦٠)
ومن كنت تظنه خلا يتخلى عنك، ومن ظننت الوفاء له وفاء عليه لا يفي.
ستون عاما(٣٢-٦٠)
والناس تلهث وراء الدنيا كأن لا عالم غيرها، ومن يملك يتفنن ليبقى ملكه ظانا خلوده المطلق، فلا عبرة ولا معتبر.
ستون عاما(٣٣-٦٠)
وأنا أسمع بقتل الناس بعضها بعضا، والفتك بينهم سنة البقاء، والتقوي سمة الاستعلاء، ومنطقهم إما أنا أولا أو لا أحد.
ستون عاما(٣٤-٦٠)
رحل كثيرون من أمام عينك وأنت غافل عن وقت رحلتك كأن الذي أصابهم لم يصبك، وكأن الموت منزاح عنك وواقع في غيرك.
ستون عاما(٣٥-٦٠)
والشيطان يلاحقك غير كال ولا مال ولا يائس أن يغويك كما غوى.
ستون عاما(٣٦-٦٠)
والكل يدعي الحقيقة
وبعض من يدعيها يخاف أن لا تكون كما عرفها فيسكن للمعتاد، ويسلم للميراث، ويعلي صوابيته وينيم العقل.
ستون عاما(٣٧-٦٠)
والكل يتجادل أين الحقيقة المطلقة، والكل يدعيها، ويحسن طريقه إليها، ولم ننته بعد من له الحق فيتبع - بضم الفاء وفتح الباء-، ومن عليه الحق فيتبع -بفتح الفاء وكسر الباء-.
ستون عاما(٣٨-٦٠)
والعالم ينقسم ثم يتحد ثم ينقسم، والتشظي يتسع بين البشر، والتقارب يتضاءل.
ستون عاما(٤٦-٦٠)
وهناك من يلبس ثوب الكاهن ويستأكل به البشر، ويدعو لله ويبشر بعبادة الشيطان.
ستون عاما(٣٩-٦٠)
وحقوق الإنسان كلا حقوق، ومن يجريها على نفسه لا يجريها على غيره، ومن يريدها يخافها، ومن يخافها ينفيها.
ستون عاما(٤٠-٦٠)
والأسرة تتشظى، والمرأة تحرض - بضم التاء وفتح وتشديد الراء- على نفسها، وعلى الرجل، والرجل يخاف المرأة، والمرأة تنافس الرجل.
ستون عاما(٤١-٦٠)
ولا يوجد رجل واحد يوقف هذه الحروب في العالم، ويرسم البسمة على شفاه أطفاله، ويبيح الطعام لكل الجوعى.
ستون عاما(٤٢-٦٠)
كان الكلام كثيرا، والفعل قليلا، والعظة عابرة، والعبرة تنسى، والذاكرة تغيب.
ستون عاما (٤٣-٦٠)
وأنت لا تدري من أين يأتيك البلاء، وأين تحل المصيبة، والشر يتزايد ويتطاير، وعند الله الملتقى، وهو سيد الحساب.
ستون عاما(٤٤-٦٠)
من الأسئلة، وهذا الدماغ لا يهدأ، ويراكم كل ما يسأل. أعرف الجواب الصحيح أم لم يعرفه بعد، وكل شيء يسكن داخل الذاكرة.
ستون عاما(٤٥-٦٠)
والكذب يلبس ثوب الصدق ويتجول في المحافل والناس يقدسونه ويصفونه بالحكيم، ويخافون الصدق ويقولون صاحبه متهور سفيه.
ستون عاما(٤٦-٦٠)
وهناك من يلبس ثوب الكاهن ويستأكل به البشر، ويدعو لله ويبشر بعبادة الشيطان.
ستون عام (٤٧-٦٠)
من الخوف.
خوف من نفسك، ومن غيرك، ومما يحيط بك، ومما تعلم، ومما لا تعلم.
ستون عاما(٤٨-٦٠)
وأنت تلهث وراء رزقك، وتظنه هنا وهو هناك، وتتمنى شيئا وهو بعيد، ويأتيك رزق وأنت في غفلة عنه.
ستون عاما(٤٩-٦٠)
وأنت تبدأ يومك بأمل، وتنهيه بأمل، كأن الجديد آتيك، وقديمك فائت، وأنت بينهما في خلق جديد.
ستون عاما(٥٠-٦٠)
تحمل مخلاتك لتضع فيها زادك، مثقلة بما تحمل، وناثرة ما زاد عنها.
ما أثقل الزاد.
ستون عاما(٥١-٦٠)
وربك يدبر أمرك على أحسن ما يكون، وأنت قليل الشكر له، كثير الطلب منه، وهو يقبلك على كل حال.
ستون عاما(٥٢-٦٠)
من السفر داخلك. تسكن حينا، وترحل أخرى، وتعود وقتا. وتتردد رابعا في الرحلة.
ستون عاما(٥٣-٦٠)
والناس مشغولون بمن أنت لا ما أنت، مهووسون بالظاهر، ذاهلون عن الباطن.
ستون عاما(٥٤-٦٠)
ما بدايتها، ما نهايتها، ما بينهما.
كلحظة هي لا تكاد تحسها، ولا لها قبل ولا بعد كسراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء.
ستون عاما(٥٥-٦٠)
والناس تدافع بعضها بعضا، فتسقط الأمنيات الكبيرة وتحل الواقعيات الصغيرة، "وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"
فيمنع الأذى ويطلب النفع،
ستون عاما (٥٦-٦٠)
ومازال بعضنا يقيس الله على نفسه، ويراه كما يريد، ويقوله ما يشتهي، ويفعل باسمه الأفاعيل، وينسى أن رحمته وسعت كل شيء، وأن عذابه شديد.
ستون عاما(٥٧-٦٠)
غابت أسماء كبيرة كنا معجبين بها، وركبت وجوه على سلم من سبقها، فلا خلد الكبير ولا ثاب الصغير.
بمثل هذا سيقول من يأتي بعدنا.
ستون عاما(٥٨-٦٠)
لم يعد ما كان مستحيلا ممنوعا، وبات العيب مقبولا، والمحرم مباحا، والحياء زيفا، وأصبح كل شيء قابلا للقبح والحسن معا.
ستون عاما (٥٩-٦٠)
من الكدح "إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" فإما السرور وإما الثبور،
وكل واختياره.
وليس بين الله وبين أحد من خلقه نسبا.
ستون عاما(٦٠-٦٠)
ومازال البعوض يلسعني، والنمل يغزونني، والحشرات تطلب مستوطني.
كل هذا لأن فحاما لئيما كاذبا فسق عن أمر ربه.
كتبت فيما يقارب الأربعة أيام وانتهيت منها في ١٧/٤/٢٠٢٥
تعليقات
إرسال تعليق