#خاطرة_الجمعة « من يربي أبناءنا ؟ »

 

*#خاطرة_الجمعة « من يربي أبناءنا ؟ »* 

أحمد موظف في القطاع الخاص، وفي العقد الرابع من عمره، له ثلاثة أبناء أكبرهم يبلغ من العمر سنوات تسع، زوجة أحمد طبيبة، لكنها متوقفة عن العمل، حيث لم تستطع التوفيق بين متطلبات البيت والعمل في المستشفى، وما يتطلبه من مناوبات وحضور في الليل والنهار. راتب أحمد بالكاد يكفي متطلبات البيت، وإن كان يضطر في بعض الأحيان إلى الاقتراض. 

وبادىء ذي بدء، يجدر بنا أن ننظر إلى أسرة أحمد وأمثاله، ونتساءل ما إذا يمكن للزوجة الطبيبة وغيرها والتي صرفت الدولة على تعليمها ما شاء الله، لماذا لا يستفاد منها ولو لبعض الوقت بدلًا من تخييرها بين التفرغ الكامل للعمل بجميع متطلباته من مناوبات ونوبات، أو قضاء وقتها كله في تربيتها لأبنائها ؟ وبطبيعة الحال سوف تختار الأخير، لأن وظيفتها الأولى بيتها، فهي مربية بالدرجة الأولى .. نعم ستختار أثمن كنز وأغلى شيء .. مثل هذه الأم اعتزلت الطب تمامًا وتفرغت لتربية الأبناء الذين هم من يجسدون إيمانها قناعةً وموقفًا. 

من هنا لا بد من التأكيد بأن الزوجة هي رفيقة مشوار الطويل الواعد بالخير، وهي التي تقاسم زوجها رحلة العيش في زورق الحياة، وإذا نظرت إليها، شعرت بهيبة العطاء، ونفحة الإلهام !! 

بداية وقبل أن نناقش وجهات النظر فيما يتعلق بعمل المرأة، ومحاولة الاستفادة منها لأقصى ما يمكن، وإزالة جميع العقبات أمام الهدف السامي الذي تسعى إليه كزوجة وأم مسؤولة عن تربية أبنائها، لا بد من التأكيد بأن المرأة اليوم وقعت فريسة الانشغال الثنائي، فهي مربية بالدرجة الأولى وليست من تتحمل مسؤولية نفقات الأسرة مثلًا. فهل بوسع الرجل أن يقدم الدعم والمساندة للمرأة عن طريق تقاسم الأدوار للعمل المنزلي؟! وقوف الرجل إلى جانب المرأة وهي تسعى لأداء دورها الرسالي ( تربيتها لأبنائها )، يحفزها للوصول إلى مستوى الرضا بين الدورين، دورها كأم، ودورها الإجتماعي بالعمل، عدم التوافق بين الدورين - للأسف الشديد - هو ما يحدث في كثير من الأحيان، وهنا سؤال يطرح نفسه: من يربي أبناءنا، وضمن أية قيم وعادات وسلوكيات ينبغي أن يعيشوا ؟ ما نعتقده الآن هو أن الآباء والأمهات مطالبون بأن يتعاملوا مع مخرجات هذا العصر بعلم وحصافة وحكمة .. ما نراه على أرض الواقع هو شعور الأبناء بوحدة، يقضون ساعات في رعاية أنفسهم أو مع قوة أجنبية أو شقيقة.    

إن ما نود أن نطرحه للمناقشة، وللنظر فيه من قبل الجهات المعنية، هو ما يتعلق بساعات الدوام والعمل الجزئي للكوادر الوطنية الصحية، وأهمية إجازته وتنظيمه وفقًا لظروف المرأة ومناخ العيش الخاص بها، لكي تفيد مجتمعها وبلدها وتستفيد، فالمرأة المتزوجة بحاجة إلى مساحة من الوقت ومن الطاقة تعينها على تحمل متغيرات ظروف العمل ومتطلبات البيت. قد يكون نظام العمل وساعات الدوام في الوقت الحاضر، مناسب للموظفة المتفرغة أو قبل الزواج وإنجاب أطفال، بينما المرأة التي لديها زوج وأطفال بحاجة إلى مساحة من الوقت لسدّ الثغرات والعثرات التي تواجه أسرتها. 

محاولة المفاضلة بين العمل والبيت لا بد أن تقترن بالنتيجة، أهمها الحرص على الأبناء من السلوكيات الشاذة عن التقاليد والدين، وهذا ما أدى بالوالدين إلى القلق والخوف وشعورهما بالحاجة إلى حماية أولادهم من كل تلك السلوكيات الخطيرة، والاهتمام المعقول بتنشئة الأطفال في جو من الاعتدال، والأهم مدى توفر الرافد المادي لبلوغ الغايات .. وتنسجم الغايات مع الصالح ونبذ الطالح. مسألة التكيف مع متغيرات العصر وتحدياته سمة من سمات سوق العمل، الكل يجمع على وجود أزمة من نوع ما في دنيا الحياة الزوجية لكنهم يختلفون في تشخيص هذه الأزمة، لا يكفي أن يسعد الرجل لعمل زوجته، فمثل تلك السعادة ربما تنقلب إلى الضد في حال كان عمل المرأة خارج البيت. 

إن خروج الزوجين للعمل هو أمر مشروع وله ما يبرره في ظل ظروف المعيشة الصعبة والضرورة الاقتصادية، غير أن الأمر يحتاج إلى ترتيبات مشتركة. فهل الرجل مستعد للمشاركة في أعباء البيت والاعتناء بالأطفال، أم أن الأمور ستترك للخادمة الدخيلة؟ وهل الرجل والمرأة مستعدان نفسيًا لتحمل تبعات الشغل الزائد والتباعد الضروري الذي تفرضه متاعب الشغل؟ ما حدث للمرأة من تحولات اجتماعية واقتصادية دفعها نحو مهن لا تتناسب مع مؤهلاتها للتوفيق بين المهنة والحياة الزوجية، ورغم ذلك مازالت علاقة الزوج والزوجة تواجه اضطرابات نفسية .

خروج المرأة إلى العمل أدى إلى خلل في الحياة الزوجية. ومن هذا المنطلق نجد أن غياب الأبوين للعمل وسيطرة الخادمة على مقدرات البيت في غياب الأم، كان له تأثير مباشر على سلوك الأبناء. قابله فراغ عاطفي بين الزوجين، ففي نهاية يوم متعب يحتاج كلا الزوجين إلى القليل من الوقت العائلي لكيلا يشعران بالملل والفتور والجفاف العاطفي . لكن ما نراه يصعب على الزوجة تحمله، حيث لا تستطيع الموازنة بين العمل والعائلة، فساعات دوام المرأة لا يسمح لها بتوليد الإحساس الجميل الذي يشدّ الزوج إليها، وربما حتى القدرة على إنجاب أطفال، فالحياة العملية سببت فشل العلاقات الزوجية. اليوم صرنا نرى شبابًا في الأربعين وفتيات في أواخر الثلاثينات من دون زواج، وأغلب هؤلاء عاشوا قصص حب فاشلة أو مروا بتجارب أثرت سلبيًا في نظرتهم إلى الزواج وبناء الأسرة .

الشاب لا يستطيع في زمننا الحاضر أن يؤمن تكاليف الزواج الباهظة،  والفتاة تميل إلى الشاب الذي يوفر لها كل متطلباتها. وعلى الشاب أن يبذل أقصى جهده إكرامًا لعيون شريكة حياته، صارت الفتاة تبحث عن عمل بدلاً من زوج تكمل معه مشوار المستقبل. الشاب والفتاة كلاهما غارق في أحلامه. تعيش الفتاة على أمل العثور على فارس الأحلام الذي يأتي على صهوة حصان أبيض، في حين أن الشاب فقد هذه الميزة، وهو ينظر إلى البنت نظرة استغلالية واستهلاكية وكأنها مخلوقة لتلبية حاجاته الحياتية .. فالعزوف عن الزواج والعنوسة ظاهرة تنمو في مجتمعنا، وفي الوقت نفسه هناك الآلاف من الشباب .. يحلمون بالزواج ولا يدركونه لسبب أو لآخر.

لقد أصبحت لحظات عمل المرأة ضاغطة على حياتها الزوجية، فهي دائمًا في عجلة من أمرها، تلهث وراء توافر دقيقة من هنا ودقيقة من هناك، لا تستطيع حتى مداعبة طفلها، وهنا أيقنت عندئذٍ السبب الحقيقي وراء نسب الطلاق العالية، وتفكك العائلات المخيف، وتشتت العائلة الواحدة في عدة أمكنة، كما أن مستويات الكآبة والضغط والأمراض العقلية ارتفعت إلى مستويات مخيفة. 

وعود على بدء وفيما يتعلق بالعمل الجزئي ( بارت تايم )، فهناك الكثير من النساء اللواتي يتمنين إدخال الأعمال الجزئية من أجل حل مشاكلهن الخاصة، والتوفيق بين المسؤوليات المختلفة، والتي يمكن أن تخرجهن من أزمتهن النفسية أو الاجتماعية، وكذلك تخصيص شيء من وقتهن في رعاية وتربية الأبناء، والإستفادة من بنت البلد واستثمار طاقاتها ومواهبها ومؤهلاتها بما يخدم الوطن.

ظاهرة العمل الجزئي للمرأة تشغل المجتمع، وخصوصًا في سنوات رعاية الأطفال، وكحالة للتوفيق بين العمل والبيت، ويتيح للمرأة تجنب وقف عملها المهني أثناء الزواج وإنجاب أطفال. 

ومن هنا أنطلق من التوضيح الموضوعي المتعلق بنظام عمل المرأة والضغوطات التي تتعرض لها، كون الرجل يبحث عن زوجة تخفف معه مسؤوليات البيت؛ طالما أنه غير متمكن ماديًا. مساهمة المرأة في دفع عجلة التنمية الوطنية في جميع المجالات وعلى جميع المستويات جهدًا وإبداعًا .. خطوة مهمة في المسار الصحيح.

-- اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان، وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه بحق الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .

 *طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .* 

_________

-- لا بد من الإشارة إلى ضرورة التوفيق بين العمل والمنزل، لكي تستفيد المرأة من سلم أولوياتها الوظيفية، والتي تكفل لها توفير حاجاتها ورغباتها  وسط  تزاحم المسؤوليات  والالتزامات  التي يتعرض لها الرجل، مع عدم الإخلال بشؤون البيت وراحة زوجها وأبنائها.

محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات