((للبدايات دائما ما تكون ذات وهج وماذا عن النهايات!؟))


 ((للبدايات دائما ما تكون ذات وهج وماذا عن النهايات!؟))

إستيقضت صباح اليوم الهادئ الجميل قبل صلاة الفجر كعادتي, ومرت ببالي لقطة بذات اللحظة, والتي قادتني حينها قدماي للفصل الدراسي الذي أصبح من النادر أن أدخله بعد إنتهاء  تلك الدورات, و حينها قررت ان اكتب بعضا من مشاعري وذكرياتي اثناء دوراتي الإنسانية, التي كنت حينها أمارس دورا طبيعيا لم يطلبه مني أحد, حيث هناك ما يخالج فكري كثيرا.  الكل يسبح في فضاءه والكل يروي حكاياته, وهناك في حقائبي الفكرية دائما جولاتي, لأصحاب العقول الشابة الواعدة لطالبات اللغة الإنجليزية, ولعلني أشبه بالزرع الأخضر وانتظرأن يؤكل زرعي أقراطا من الحب والطهر.              
 سأدخل مباشرة بالنص مع أحداثه وطقوسه الحقيقية, إلى أقصى مدى تستطيع أن تحمله الذاكرة من صدق, فذاكرتي تزخر بالكثير الكثير من الذكريات, ولن أبالغ إذا قلت بأنني مررت بمئات التجارب التي عشتها من خلال الدورات, وتعلمت الكثير من خلال وجودي بين الطالبات, فأنا ممن يهتمون بإقامة صداقة طيبة  عامة مع الجميع تمتد طويلا ويتخللها الحدود والإحترام, أحاول أن لا أطيل الوصف  وقد لا توجد حكمة أو فائدة بمقالي هذا ولكن! رصد المواقف التي فيها حس إنساني قد يستهوي البعض.

 في هذا الصباح المشرق,عدت بالفكر والذاكرة عشرين سنة للوراء متسائلة: هل استطيع أن استعيد السنين الراحلة ؟ أقول للزمن توقف عشت فترة لا أريد أن يرجع لي عمري لأعيشه من جديد,أحب الحياة مشرقة, لم ولن أشعر بالوحدة والقطيف تعج بالحياة ولن أحزن وأهل القطيف تتألق بسعادة, تتراءى لي الأجيال راكضة  مسرعة متلاحقة, حيث تبدو لي الحياة سريعة الإيقاع. أشعر إن عبوري ومروري كان ومضة سريعة لاحت في سماء القطيف. حيث أدركت المعنى متسائلة: أي عطاء  في الحياة يعادل حب وعطاء الآخرين في المجتمع وللمجتمع, سكنتُ مع  حكايتي وأنا استرجع مواقفا معينة تلامس إحساسي, وبدأت عيناي بالإحمرار وكأنني أترقب ولادة دمعة حنين, حيث اعتدت العيش فوق المفاجئات.                  

كنت احلم أن أجمع كل بياض الدورة فأسرد منه الجميل وأسقط منه كل ما هو داكن  في سلة النسيان, هناك الكثير من المحطات تستوقفني وتعيد لي الذكرى,  حيث تأسرني مشاعرهن  الجميلة وتعيد لي الذكريات بأصوات الطالبات وضحكاتهن, لا زلت اتذكر إحدى الطالبات بصوتها الرخيم وهي تستفتح الدرس بتلاوة  قرآنية عذبة  واخرى بدعاء الصباح, ونحن جميعا نحلق معا في أجواء روحانية بعيدا كل البعد عن القال والقيل وهذا من شروط الإلتحاق معنا بالدورة, لا للغيبة لا للنميمة نعم للإحترام والود.

 يحضرني بعد تقاعدي, بأنني قد قررت إطلاق العنان لنفسي وإشباع رغبة في روحي لتحقيق أحد أحلامي, فالتورط العفو اقصد الإلتزام بالتدريس مجموعة مختلفة الأعمار والثقافات والبيئات والتوجهات من الطالبات في منزلي المتواضع كان أمرا لا يخلو من المخاطرة والمفإجئات, وكنت غالبا ما اشاكس طالباتي وأسألهن من منكن سوف تنساني في آخر المطاف؟! رغم إنني متفائلة ومع هذا مدركة تماما بأن بعض منهن على الأقل سوف تذكرني ذات يوم وما أكثرهن, ولا أخقي هناك من ينكرني!  فوجدت البعض يشاكسني بعفوية وقد استهوتهن الفكرة, ومع ذلك أعتقد بأنني إذا ما سلكت دربا معاكسا لأفكاري ومبادئي فلن أنجح في تلك الدورات الإنسانية, البعض يسألني ماذا أضافت الدورات لي أود أن تسألوني ماذا أخذت منها, ولا تسألوني ما أعطيت حيث السؤال ينطوي على الجواب, إنها دورة رائعة رغم الجهد والتعب ولكن ثمارها أجمل ما يكون, وهو لقاء الأحبة وتجربة مثمرة مجزية دون أن يداخلني الشك يوما. 

 سؤال أردده كثيرا كيف أكسب ود وثقة  طالباتي؟ لابد أن أكون مؤهلة تأهيلا تربويا وعلميا ونفسيا , وأهم هذه المؤهلات: القدوة الحسنة فعلي أن أتحلى بالحلم والصبر والحكمة والرحمة والتواضع, وعلى دراية بأحوال وأوضاع الطالبات كما أن التمسك بالمظهر الحسن والقدرة العلمية في إيصال المعلومة من المؤهلات الضرورية التي تساهم بشكل ملحوظ,, في جذب الطالبات واحترامهن وحبهن للمعلمة, فالعطاء الذي يفيض بلا حدود هو الرمز الذي يجسد الخلود.                                                            .                                   
صدقا إن التعليم والعلم الإنساني أهم نواحي الحياة, هنا طالباتي وأنا نتعلم ونعلٌم بلا تردد ونتجول معا بعالم العلم والمعرفة, لن أحدثكم عن تفاصيل الدورة أكثر, رغم إني أود ذلك ولكن الوقت أصبح شاحبا وأختبئت الكلمات في فمي, وهناك كلمات نائمة تحت السطور مخفية والذي أعنيه الكلمات التي لم يتم البوح بها, وجدت الكثير من التساؤلات لبعض مستجدات الدورة الإنجليزية, وكان القلق يسيطر على مخيلة بعض الطالبات, لكن علينا أن ندرك إننا خلال الدورة المكثفة, قد تعلمنا العشرات من المفردات اللغوية الإنسانية الجديدة, ولكن كنا بحاجة  للسرعة وعامل الاختصار بالثقة والصبر, مع تحديد مواطن الصعوبة لدى طالبات اللغة, وكنا قد اختصرنا الدرب للوصول للهدف المطلوب. ليس بدورة واحدة بل بعدة دورات.

 في هذا الركن الهادئ من مشروعي الإنساني الصغير، الذي احتضن عطائي وأفكاري وأحلام طالباتي، حاولت  احتواء كل تفاصيل هذا الركن بقلبي، فهذا الركن بهدوئه وبإصغاء الجميع، فمن هنا عرفت سيدات وآنسات مجتمعي لأول مرة عن قرب, لأقضي معهن اوقات الصباح و المساء في هذا الركن الصغير المتواضع الذي يشد الجميع بالحنين اليه دائما، ادركت اليوم بعد محاولة اللقاء القادم مع الطالبات، إن  لا شيء اجمل واقرب الى روحي وارسخ في ذاكرتي، من هذا الركن الذي يشهد قلبي ومثله طالباتي, وهنا لا أستطيع أن اكتب كلمة وداعا وإنما سوف أكتب إلى اللقاء, وكانت الأيام على مدى السنوات كلها، من أجمل أيام حياتي وتبقى الذكرى الطيبة, هامسة بصدق يا طالباتي الفاضلات: أنتن نبراس أعتز به إن كنت قد أخطأت في حق إحداكن يوما, فألتمس الصفح العفو منكن, مع تحية تقدير للعزيزات اللاتي حضرن دوراتي الإنسانية واحترمن أفكاري.


غالية محروس المحروس

تعليقات