#خاطرة_الجمعة « أنت تصطنع السعادة »

 


#خاطرة_الجمعة « أنت تصطنع السعادة » 

الحياة لا تستقر على حال، ولا تسير على وتيرة واحدة، وهي في نظرتها إلى الإنسان غير ثابتة، فمنهم من تبسم له فتحيل معيشته هناء وأملًا بسامًا، ومنهم من تعبس في وجهه فتجعل عمره بؤسًا وشقاءً، وألمًا وعذابًا . ومنهم من تتجهم له الحوادث بعد حياة حافلة بالترف والنعيم، فيصلب عوده في مواجهة الصعاب وتتكشف مواهبه، ومن هذا النوع الأخير يرى الحياة على حقيقتها !!

متى غرقت في مشكلة من مشكلات الحياة، توترت لها اعصابك، واهتاجت لها خواطرك، وذهب لها تفكيرك كل مذهب، أن تتخير بمحض اختيارك الموقف الذهني الذي تقفه منه؟

-- سألته مستفسرًا عن كآبته وعن دواعي الحزن الذي بدا واضحًا على قسمات وجهه، وكان ظني أن أمرًا خطيرًا قد حل به، ولم يخف على صديقي أن استفساري كان من باب المودّة وبقصد المساعدة فقال دون تردد: ماذا أقول لك، أنني شخص فاشل في كل شيء، فاشل في عملي وفي حياتي وفي علاقاتي مع الآخرين. فقاطعته قائلًا: ترفق بنفسك قليلًا يا أخي ولا تتجن عليها بآرائك هذه والتي تميل إلى التشاؤم .

نصادف بعض الأحيان أناسًا يشكون ويتأففون .. ويطلقون الهموم والآهات .. وينعون كفاءاتهم الضائعة .. فينظرون إلى الحياة بمنظار أسود، يرون ضياءها ظلامًا واتساعها ضيقًا، هم منساقون بقناعات تتصف بالحدة واللامنطقية حيث نسمع عبارات الضيق والتبرم تتسرب في عروقهم كما يتسرب الماء من شفاه طفل مثل " لا خير يرجى من هذه الحياة ، فهي كلها مآس " و " لا يمكن الوثوق بأحد من الناس " و عبارات أخرى تتصف بسلوك الفرد ويأسه وتشاؤمه وسوداويته ونظرته لنفسه بتحقير واضح لها مثل " أنا لا أصلح لشيء " و " حياتي مليئة بالأخطاء " و " كنت مغفلًا طوال حياتي " .. تلك هي مشاعرهم وأفكارهم وحالاتهم النفسية التي تترك أثرها على واقعهم وتعاطيهم مع الحياة، نفورًا وهروبًا .. هي تصورات لا منطقية يحكم الفرد من خلالها على الأحداث في أغلب الظروف بمشاعره وعواطفه خاصة تلك المرتبطة بالتعاسة والفشل، والذي منشؤه اليأس من رحمته سبحانه، فيطلق عبارات سلبية أو انهزامية، فمثل هؤلاء الأفراد يعتقدون أن تعاستهم تأتي من ظروف خارج إرادتهم، فسوء الحظ هو سبب الفشل وليس بمقدورهم التغلب على هذه الظروف، لأنها أقوى منهم وأن النجاح لا يمكن إدراكه إذا لم يكن المرء محظوظًا . طريقهم مرسوم بألوان قاتمة، فقد لا يروا وراء طبقات الظلام الكثيف أن هناك إضاءات فاعلة مهمة، وأن الأمر ليس بهذا القدر من التشاؤم والسوء الذي يتخيله هؤلاء.

ولكي لا نقع فريسة الأفكار اللاعقلانية تحول بيننا وبين ما نبتغيه؛ فنستسلم لها، لا بد من التحلي بالصبر والتحمل حتى يتم الوصول إلى قطف الثمرة ولأن الوضع الصحيح للفرد عند مواجهته لمتاعب الحياة وصعوبات العيش هو موقف المهاجم المصمم على التغلب عليها، مما يوجد عند هذا الفرد شعور بالرضا يدفعه للشعور بالثقة في نفسه، للتغلب على ما يتلوها من مشاكل ومتاعب وأمور وصعاب. والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكننا تفادي الكثير من الأحداث والأخطاء التي نتعرض لها يوميًا؟ السبيل إلى مجابهتها وتفاديها هو الإيمان بقدر الله ومشيئته والبحث عن الحلول الإيجابية والميل إلى التفائل والابتعاد عن اليأس بجانب قوة النفس المتوكلة على الله تعالى، والصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى.

ينبغي على المؤمن مع هذه الأفكار أن لا يكون متشائمًا سوداويًا بل يكون راجيًا متفائلًا برحمة الله عليه، يعمل بطاعته ويبتعد عن معصيته، موزون التشاؤم والرجاء مرجحًا كفة الرجاء والأمل بالله عز وجل في ظل نعمه المتكاثرة. والله تعالى يقول: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} [ الزمر،آية ٥٣ ].

إن الإشتراك في الأعمال الإنسانية ذو قيمة كبيرة في علاج مثل هذه الحالات، كتخصيص يومًا في الأسبوع لتقديم مساعدة إنسانية تفرح بها قلبًا حزينًا أو يتيمًا، وزيارة المرضى في المستشفيات، وتقديم كوبونات تسوق لشخص كفيف أو معاق .. وستشعر بمردود إيجابي كبير يجعلك تحس بقيمتك الإنسانية وهذا وحده كافٍ للتخفيف من صعوبات العيش واعبائك النفسية، ويدفعك إلى الأمل والعمل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: « الأملُ رحمةٌ لأمتي، ولولا الأمل مأ أرضعتْ والدةٌ، ولا غرسَ غارسٌ شجرًا » ميزان الحكمة،م١،ص١٣٠. ولعل هناك تفاؤلًا بالغد أكبر مما هو عند عجوز تراه يزرع أشجارًا من دون أن يشغل نفسه بالتساؤل ما إن كان العمر سيطول ليراها تثمر، المهم أنه يزرع .. إن لم يكن في الغد ففي ما بعده .

في ختام الخاطرة نقول: « إن ازدياد دخلك، أو شفاء مريض عزيز عليك، أو عودة صديق حبيب إلى قلبك، أو أي عامل آخر من هذه العوامل الخارجية، قد يبعث السرور في نفسك، فتحسب أن الأوقات السعيدة قد واتتك أخيرًا، ولكني أنصحك ألا تتمادى في هذا الظن، فلا شيء يسعه أن يجلب لك السعادة الحقة إلا نفسك » وقد حذرنا أحد الفلاسفة بأن إزالة الأفكار الخاطئة من العقل أجدى بكثير من إزالة أورام الجسد. 

-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .

 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 

_________

-- فإذا نحن راودتنا الأفكار السعيدة كنا سعداء، وإذا تملكتنا الأفكار الشقية اصبحنا اشقياء، وإذا سادتنا أفكار مزعجة غدونا خائفين، وإذا سيطرت علينا أفكار السقم والمرض، فالأرجح أن نمسي مرضى سقماء، وإذا نحن فكرنا في الفشل، أتانا الفشل من غير إبطاء، وإذا جعلنا نندب أنفسنا ونرثي لها، تعزّلنا الناس، وتجنبوا عشرتنا .


محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات