#خاطرة_الجمعة « هل توافق على بيع دمك؟ »
كم من مرة طالعتنا ولا تزال تطالعنا مثل هذه النداءات العاجلة « مريض بحاجة ماسة جدًا للتبرع بالدم .. » هذه دعوات وصرخات استغاثة ملحّة للتبرع بالدم، تصلنا عبر قنوات التواصل الإجتماعي، وتصاعدت نبراتها في الآونة الاخيرة، تستحق التوقف أمامها .
التبرع بالدم أو الأعضاء الحيوية من الأعمال الإنسانية الجليلة، يمارسها أناس من محبي الخير، ويؤمنون بأهمية العطاء، لهم حضورٌ قوي .. جعل الله في أفئدتهم كمًا كبيرًا من الرحمة والشفقة بحيث لا تراهم في أوج سعادتهم ولا تراهم تملأ الفرحة وجوههم إلا عندما يقضون للناس المحتاجين حاجاتهم على أي شكل كانت. قال صلى الله عليه وآله: « من فرَّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » .
بنوك الدم في مستشفياتنا تعاني من نقص في وحدات الدم، وهي تنادي من لديهم الهمّة والقدرة على العطاء، والمشكلة تكمن في الحضور المخجل لبعض حملات التبرع بالدم، وبما تعنيه تلك الحاجة الإنسانية التي نجد معظم الحملات لا تؤمّن متطلبات المشافي والمستشفيات، رغم الجهود المبذولة حاليًا من القطاع الصحي، واستغلال الفرص المواتية لتنظيم حملات مكثفة من حين لآخر، إننا لا نطالب بالكمال، بل بتوافر الضروري لإنقاذ حياة إنسان، مثل تلك الحالات الطارئة التي تستدعي السرعة في إسعافها دون تأخير وخصوصًا حالات الحوادث وأمراض الدم الوراثية التي تشكل خطورة بالغة عند عدد كبير من المصابين عندما لا يجدون وحدات دم جاهزة.
يبدو أن موضوع التبرع بالدم وصل لنتيجة مفادها أن دفع مكافأة مالية مقابل تبرع الشخص بالدم ليس فقط عملًا لا أخلاقيًا وإنما هو أسلوب غير فعَّال أيضًا. فالمتبرع يقوم بهذا العمل رغبة بفعل الخير ومساعدة الأخوة المحتاجين، وليس للحصول على المال « إنه شعور إيماني لا يمكن شراؤه وإلا فما سبب ارتفاع نسب التبرع بالدم في أوقات الكوارث والأزمات الإنسانية؟ »
يكون للمال تأثير سلبي عندما نحاول استخدامه لترسيخ السلوك الجيد والتخلص من السلوك السيء، فيكون له نتيجة عكسية، وقد يؤدي إلى التعود على التعويض المالي واتباع أية وسيلة لإتمام العمل والعطاء الإنساني، بينما لو شعر بمتعة هذا العمل فلن يتبع أقصر الطرق لإنجازه. إضافة لخطر الإدمان على المكافآت، حيث يؤدي ذلك إلى أننا لا نقوم بسلوك جيد إلا مقابل مكافأة مادية.
قال تعالى:{ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا }، يا لها من نعمة، ويا لها من فرصة عظيمة لنيل الأجر والثواب من الله تعالى، إن إحياء نفس واحد يساوي إحياء الناس جميعًا، إن أجرًا كهذا، وفرصة كهذه لا تستحق إلا أن أقول " لبيك يا ربي لبيك، لبيك أخي المسلم لبيك " هيا بنا إلى بنك الدم لأعطي دمي مساعدة لأخي .. هذا عمق الإحساس الإنساني الذي يكنه الأخ لأخيه .. وكان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
نتوقف هنا لحظة لنسأل: يا ترى ماذا سيحدث لي عندما يضعوا الإبرة في يدي ويبدأ تدفق الدم إلى ذلك الوعاء الذي ينتفخ وينتفخ بالدم الذي خرج مني .. هل سأمرض؟ هل سأصبح ضعيفًا؟ هذا سؤال يتبادر إلى ذهن كل إنسان يحب أن يتبرع بالدم، مع العلم أن كل متبرع يمر خلاله بفحص طبي بسيط لتأهيله للتبرع، ولا يسمح له بإعطاء الدم حتى يتم التأكد من أن تبرعه لن يؤثر عليه.
عندما نتبرع بالدم من أجل إنقاذ حياة إنسان، فإننا نحصل على ثواب عظيم من الله تعالى، وأيضًا على عدة فوائد طبية منها تجديد الدم، فالجسم يعوض حجم الدم المفقود خلال ساعات بسيطة من التبرع بدون أية مضاعفات تذكر. إن عملية التبرع بالدم هي ثمن حياة إنسان أو أكثر، فالدم المتبرع به يفيد عددًا كبيرًا من المرضى المحتاجين مثل ضحايا الحوادث والكوارث الطبيعية والعمليات الجراحية ومرضى السرطان وفقر الدم ونقص مواد التجلط وغيرها التي لم يجد العلم حتى الآن علاجًا لها سوى عن طريق الدم المتبرع به والذي بدونه قد يفقد الإنسان حياته.
مرضانا في المستشفيات على الأسرة البيضاء في حالات حرجة بحاجة إلى دم لتعويض الفاقد، يجدون صعوبة في الحصول عليه. حملات التبرع بالدم لا تجد من يتفاعل معها، وما كنا نظن أن الأمر يبلغ بهذه المسألة إلى هذا الحد، فهل هذه نظرة الإنسان إلى أخيه الإنسان «إنسانية اليوم» هذا هو حالنا اليوم !!
اعتدنا ضمن فعاليات عشرة عاشوراء الحسين عليه السلام كل عام، بفضل الله عز وجل، ثم بفضل المخلصين ممن وقفوا أنفسهم لخدمة الحسين عليه السلام، وإيمانًا وتشجيعًا لرواد المجالس الحسينية بضرورة التفاعل مع حملات التوعية التي تُنادي بالتبرع بالدم، مثل هذه المبادرات الإنسانية التي حتّمتها الحالات الطارئة، يبادر مجموعة من الشباب المؤمن ممن لديهم القدرة على التبرع بالدم، لمثل هذه النداءات الإنسانية بأسم الحسين عليه السلام .
إن قيمة الإنسان هو ما يقدِّمه من جهد وخير لأهله ومجتمعه وللإنسانية جمعاء، محتسبًا عمله وعطاؤه الإنساني عند خالق الكون عز وجل.
ما أجمل المسارعة للتبرع بالدم والاعضاء لإخواننا وأهلنا واصدقائنا ولكل إنسان محتاج لما فيها من مضامين رائعة ومعانٍ قيِّمة وكثيرة تؤكد أهمية ذلك العطاء في حياة الإنسان .. فتلك هي حياة القلوب وهمم النفوس الراقية.
وأخيرًا ، أصبحنا عاجزين عن فهم ما يجري حولنا، وكأننا نعيش في عصر القساوة وموت المبادىء والقيم . التفكير في أمور المجتمع الإنساني .. مجتمع الإسلام الواحد في أحاسيسه ومشاعره وطموحاته وقيمه؛ هو الهدف الذي يجب أن لا يغيب عن هاجسنا قولًا وفعلًا .
-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة، وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه. والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- في أحد الأعراس في الهند، وزعت دعوات زفاف على كل المعارف والأقارب طُلبَ منهم هدية واحدة لا غير: أن يقوم كل مدعو بالتبرع بدمه، ليكون قدوة للآخرين.
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق