إذا فكرنا جيدًا بالسبب الرئيس لمشكلات الناس بين بعضهم بعضًا نجد أن مصدرها واحد، وإذا نظرنا في خلافات الأقرباء والأصدقاء والزملاء والغرباء نجدها تصب في خانة عدم احترام الشخص الآخر وخصوصياته، مع غياب الكثير من القيم، فلماذا إذن لا نحرص على حسن التعامل مع الناس؟ ولماذا لا نهتم بما يقوله الناس عنا؟ ولماذا لا نحاول ارضاءهم وعدم الإساءة إليهم؟ فكل ما نفعله ينعكس على علاقاتنا مع الآخرين. فمصالحنا تقتضي أن نجتمع ونتعارف ونتصادق ونتعامل فيما بيننا بالأسلوب الراقي للعيش بسلام لتستقيم لنا الحياة.
تعجبني تلك الحكاية التي تروى عن شاب في مقتبل العمر ذهب إلى شيخ القرية يسأله النصيحة: « كيف أُصبح حكيمًا حتى يثق الناس بي ويعاملوني كصاحب لهم ؟» صمت الشيخ لوهلة متفكرًا ثم أجاب: « يا بنيّ، إن الحكمة لا تعني أنك تعرف كل شيء أو أن لديك إجابة لكل الأسئلة. الحكمة تعني كيف تتعامل مع الناس.
وتذكر عندما يأتي أحدهم من أجل النصح فعليك بأشياء ثلاثة: الأول أن تنصت والثاني أن تفكر والثالث أن تجاوب، فإن أتى إليك شخص أنصت إلى سؤاله . إن مشكلة معظم الناس هي أنهم يندفعون إلى الإجابة قبل أن يستمعوا إلى كل السؤال. انظر مباشرة إلى عين من تُحدث واشكره على اللجوء إليك. فكر جيدًا في سؤاله. ربما تأتيك إجابة وربما لا. لكن قيمتك بين الناس ستأتي من أنك فكرت وحاولت المساعدة وعلى رغم اعترافك بأنك لا تعلم كل شيء فإن اسمك بين الناس سيقترن بالقدرة على الإنصات، ومن منا لا يحتاج إلى من ينصت إليه » .
في هذه الخاطرة التي تحمل مهارات رائعة تبدأ بالعمل على احترام من هم حولك، وتقديم العون لهم، فأنت كما تبدو للآخرين، لذلك عليك أن تنظر إلى رضاهم ومحاولة النفاذ إلى قلوبهم، فثمة أساليب تزيد من جاذبيتك وحب الناس لك، وتذكر:
* ليس كل من يملك عينين ولسانًا وشفتين قادر على الإحساس بالآخرين وإدراك مشاعرهم.
* اختيار افضل الكلمات عند التعامل بين الناس، حاول التفكير فيها مسبقًا قبل النطق بها، فربما هي مؤذية ولاذعة، وتجرح الطرف الآخر.
* احترم قواعد الصف في أماكن إجراء المعاملات، وفي المناسبات الإجتماعية، يجب احترام الدور وأن يقف الواحد خلف الآخر، من دون التعدي على أماكن الآخرين.
* لا توجه الملاحظات لأشخاص لا تعرفهم جيدًا كي لا يصدر عنهم رد فعل لا تتوقعه أو ربما تزعجهم من دون أن يظهروا ذلك .
* لا تتهامس مع صديقك أو خلال جلسة عامة فيها عدد من الأصدقاء والمعارف، فهذا يعد إهانة وخاصة للأشخاص الحساسين كثيرًا .
* إذا كنت في جلسة أو مناسبة اجتماعية يوجد فيها طبيب لا تكثر عليه الأسئلة والاستشارات الطبية، ولا تبدأ بالحديث عن مشكلاتك الصحية.
* لا تسأل المريض عن مرضه إلا إذا أخبرك بنفسه عن ذلك، فعندئذٍ استمع له ولا تقاطعه.
* كن متواضعًا ولا تنظر للآخرين ممن تتفوق عليهم بأي مجال بدونية.
* لا تتدخل في شؤون أقاربك أو توجه إليهم الانتقادات الجارحة بحجة القرابة بينك وبينهم، واحترم بيوتهم ووقتهم وتفكيرهم وعاداتهم.
* لا تتفاخر بنجاح وتفوق أولادك أو أخوتك أمام الآخر، فربما تكون مؤذية وقاسية خاصة إذا كان الآخر لديه أولاد خلاف ذلك.
* لا تقلل بالمستوى التعليمي لأي فرد، فهناك كثيرون يتحلون بالثقافة الكبيرة أكثر بكثير ممن يحملون الشهادات العالية، ولا تستخف بعمل غيرك فلكل عمل شريف فائدته في الحياة مهما كان.
* احترم العمال والخادمات والسائقين ولا تهزأ بهم أو تجرحهم، فكل إنسان مهما كان شأنه وعمله لديه كرامة ونفس يجب احترامهما.
* لا تثرثر وتنقل كلام السوء من شخص لآخر، بل صن كلامك وانس ما يُقال من ذم بالآخر.
* إذا كنت تتشارك في السكن مع أشخاص آخرين ( أهلك، أخوتك، أقاربك، أصدقاؤك، زملاؤك) لا يجوز أن تنقل ما يدور فيه من كلام وتصرفات أو مشكلات إلى العلن.
* لا تتفاخر بمساعدتك للفقراء والمحتاجين، أو تخبر بأنك تبرعت لفلان بمبلغ كذا، فهذا عمل غير لائق أبدًا .
* ابتعد عن التحدث بطريقة تُشعر بها الآخرين وكأنك الوحيد المثقف وهم لا يعرفون شيئًا .
* لا تتحدث أمام الآخرين بأمور أنت واثق بأنهم لا يفهمونها، كي لا تشعرهم بأنهم أقل شأنًا منك.
* لتكن وتيرة الصوت معتدلة ولطيفة، وخاصة في حالة النقاش حافظ على هدوئك، واعتمد على ثقافتك، وإياك والصراخ والتجريح.
* جميل أن تعترف بالخطأ وتصححه، فالتمسك بالآراء أسلوب يفتقر إلى اللباقة، ويضفي على الحوار نفورًا من الطرف الآخر.
-- لا تقل لمن أخطأ " أنت مخطىء " بل قل " أحترم وجهة نظرك " لكن رأيي مختلف فأنا اعتقد .."
* كن واضحًا في كلامك ليشعر الآخرون بأنك لا تضيع وقتهم، وفي النقاش ضع هدفًا لحديثك، واستأذن لتأخذ الكلام.
* الشخص المضجر أو ثقيل الظل تنطبق على " من يتكلم عن نفسه حين تريد أنت الكلام عن نفسك " و " من يستمتع بأحاديث لا تستهويك ويجبرك على الاستماع إليه على رغم نفورك من الموضوع " فهذا نوع من الثرثرة.
* لا تستعمل الضميرين " هو" أو " هي" عن شخص آخر موجود بين المجموعة.
* لا تتطرق إلى الأسئلة الشخصية لتتجنب إحراج الطرف الآخر، ولا تضغط عليه لمعرفة بعض أسراره.
هذه نقاط تعلمنا كيف ينبغي على الشخص التحلي بها ليكون خفيفًا في المجتمع.
وأخيرًا، الناس السعداء يعيشونها منتشين يتعاملون بالابتسام والعطاء وحب الخير لمن حولهم.
-- نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
-- ومن القيم التي تركّز النصوص على مراعاتها " قيمة احترام الآخرين وعدم التجاوز على حريم حقوقهم المادية والمعنوية " وهي قيمة مهمة أكّدتها النصوص؛ أمّا الحقوق الماديّة، فلا يتوغّل فيها إلّا عدد محدود من الناس، لوجود روادع قانونية، لكن الاعتداء المعنوي- ونعني منه إسقاط شخصيّة الإنسان وتشويه سمعته - فهذا ما يمارسه كثير من الناس، لأن البعض منهم لا يلتفت إلى قبح هذا العمل، أو لأنه تعوّد التساهل فيه؛ لعدم الاكتراث بسلبيّته من قبل المجتمع، فلا يبدو في نظره أمرًا قبيحًا مستهجنًا.
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق