#خاطرة_الجمعة « الحياء من الإيمان »
« الحياء من الإيمان »، وَ « من لا حياء له لا إيمان له » فالكثير من الخطايا والمنكرات كان الحياء منها مانعًا، وإذا ذهب الحياء ذهبت الحشمة، وانتشرت الفواحش والمنكرات .. قلة الحياء يعرضنا لسخط الله، ولذلك شرّع الإسلام أحكام غض البصر بين الجنسين، وفرض الحجاب، وأمر بمراعاة العفة والإحتشام، ليبقى الإنسان ماسكًا بزمام غريزته، مسيطرًا على اندفاعاتها، لأن إنفلات هذه الغريزة يقود الفرد والمجتمع إلى مهاوي الشقاء والدمار والعياذ بالله .
الانحراف والفساد والميوعة، والانسلاخ من الدين وقيمه، أصحاب ذلك الفكر يمارسون كل أساليب الإغراءات المعنوية والمادية لأختراق قلب الفتاة المؤمنة والتحكم في نفسها وجسدها .. إنه زمن موت القيم والانفتاح المطلق، أصبحنا نصفق ونشجع الفن العاري وثقافة الفتنة .. إنه عصر ممزق لا قيمة له ولا رجاء .. لقد تعرضت الفتاة للمغريات التي تعتمد على التبرج المفرط والانحلال الأخلاقي وإثارة محركات الغريزة .. هذا هو حال الفتاة ضحية التغيير .. ومهما تذرع أصحاب ذلك الفكر بأنهم إنما يعيشون عصرهم بمفهومه الواسع، فإن ذلك يظلّ مجرّد تعامل وهمي، لا قيمة له قبال القيم الدينية والأخلاقية المستمدة من مبادىء السماء، وليس له وزن في معيار التعامل العقلي وهو طهارة المسلك والمسير . على الفتاة المؤمنة الملتزمة بأوامر الله تعالى مواجهة رياح الشهوات العاتية وعواصف الأهواء المهلكة .. نعم، بالإلتزام بمبادى السماء والثبات على خط الزهراء عليها السلام، النموذج الحي الذي يرسم لحياة المرأة المؤمنة الكمال بكل أطرافه.
لقد ذكر لي أحد الإخوان قصة حدثت لفتاة نشأت في بيت محافظ يرعى حق الله وحق المجتمع في كل شيء، فكانت نبتًا طيبًا من غرس هذه البيئة، غير أنها كانت مهملة في أعين المجتمع الذي تعيش فيه طالما كانت ترتدي ثوب الطهارة والعفاف، تضع على رأسها عباءة صنعتها بنفسها، وتتغطى بعباءتها عن نظر الأجانب .. تعيش انتظارًا لتحقيق آمالها وأحلامها متسائلة: إلى متى الإنتظار يا قطار الأحلام؟! كل الأتراب دخلن دنيا جديدة، وقدماي مازالتا على الأهبة تنتظران العريس الذي يطلب يدي، لقد بلغت العقد الثالث من عمري وسنين عمري تطوف سراعًا، نعم ثلاثون عامًا مترعة بالألم والتبلد والاجترار قضيتها من عمري، واليأس يملأ كياني، انتظر وأعد الأيام والشهور والسنوات .. نموذج حي يرسم لها متاهات الدروب المليئة بالأشواك .. هكذا يكون مسار الفتاة الملتزمة بالدين والأخلاق .
يمضي في سرده فيقول: تلك الفتاة المؤمنة تربت على مبدأ الشريعة الإسلامية، وتغذت من معين القيم والمُثُل، تعيش الفضيلة، وملتزمة بثوابت الدين والحشمة والأخلاق، متمسكة بالصبر أزاء مضياقات قريناتها، بما يبدين من نظرات وغمزات وسخرية، فلم تحظى بأعجاب بعضهن، ولم تكن بالفتاة التي ترضيهن، واعتبروها ضربًا من ضروب التخلف، وأسيرة لتقاليد وعادات لا تستطيع عصيانها، وأخريات اعتبرنها غير واقعية، مثل هذا التجريح يثير في النفس الكثير من الوجع وضيق الصدر بسبب التعدي على قناعتها .. لكنها لم تكن مستعدة للتخلي عن حجابها الذي حفظ إيمانها وشرفها وكرامتها.
النظرة الدونية التي تعرضت لها هذه الفتاة الناضجة والمتعقلة والملتزمة بعفتها وحجابها من طرف قريناتها، هذا الالتزام سبب لها حالة نفسية مع ذاتها، عندما تعيش منعزلة عنهم، إذ تلفها الوحشة، والفراغ، والضجر وما إليها من المشاعر، فمضاعفاتها السلبية تظهر عند التعامل مع قريناتها، هكذا واقعنا الإجتماعي المريض الذي فرض هيمنته على الفتاة المؤمنة الملتزمة؛ بحجة تغيَّر الزمن وتبدَّل الأحوال.
النظرة الدونية سلوك نفسي قد تعيشه الفتاة الملتزمة، عند التعامل مع قريناتها اللاتي انحسرت أغطيتهن عن رؤوسهن، سمات العولمة، ولكيلا نبسّط ما يحدث من سلوكيات مرعبة داخل واقعنا المحلي الذي ينظر إلى المرأة المحجبة بدونية، ويتعامل معها على أساس احتقار الذات، فإننا نجني اليوم قطاف التغيير على حساب تراجع القيم والمبادىء والموروثات الإجتماعية التي نشأنا بها، ما يجعلنا أمام محرمات دينية واجتماعية وشخصية خطيرة .
وعلى ضوء المتغيرات في أنماط التفكير الاجتماعي التي طرأت في حياتنا، وزحفت إلى خصوصياتنا، هناك مسار لموضة الانفتاح المرعبة التي اجتاحت الأمة ووصلت إلى مجتمعنا، نموذج آخر لفتاة ضعفت أمام إغراء الشيطان، وغلبة الهوى، فبرزت زينتها ومفاتنها بالمساحيق والمعاجين، وأظهرت أناقتها خلف تلك الملابس الضيقة، وراحت تتجول في الأسواق، وهي لا تبالي بأحد .. خلعت درع الحياة وأطلقت لنفسها العنان .. هل تعلمين كم من العيون التي ترنو إليكِ من نظرة خائنة، وكم في الابتسامات التي تستقبلكِ من ابتسامة مريبة، وكم في الناس الذين يحومون حولكِ من قلب عابث، وأخيرًا فهل تعلمين أنكِ أنتِ التي تجنين ذلك على حاضركِ الزاهي ومستقبلكِ المشرق.
فتاة كسرت خصوصية مجتمعها بقيمه ومفاهيمه، هي صورة جديدة نقلت المجتمع المؤمن من ثقافة التحصين والإلتزام إلى ثقافة الفتنة ومحركات الغريزة ومثيراتها، أفتتن بها ناظريها، فكيف توحد الله وفي قواها النفسية إلهًا يقودها إلى إنكار آية الحجاب في القرآن ويستحضرني قول الله تعالى ﴿أفَرَأيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَواهُ﴾ وفي الحث على العفاف يقول المولى عز وجل: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ..} سورة النور، الآية ٣٣. هكذا حال كل فتاة جرفتها التيارات المستنبتة خارج واقع أمتنا، مسّت بعفاف المرأة وحياءها .
ليس الجمال دافعًا للتبرج طالما كان مغطى بغطاء العفاف والحجاب، لقد خلطت كل هذه الأشياء ببعضها لتبرز للفتيات انحرافهن وإليك هذه الحجة. يؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول: ياربِّ حسّنتَ وجهي حتى لقيت ما لقيت، فيجيء بمريم ابنة عمران عليها السلام، فيقال لها: أنتِ أحسن أم هذه، قد حسنتها فلم تُفتتن، أرأيت أيها القارىء أن الله ضرب لنساء العالمين إمرأة جمعت الجمال الخارق بل كانت بحق أجمل نساء العالمين وفي الوقت ذاته أطهر نساء العالمين، فليس بالضرورة الجمال يدفع المرأة إلى المفسدة، بل قال أن السفور والتبرّج المفرط والإنحلال الأخلاقي يدفع المرأة إلى هذه النهاية سواء كانت جميلة أم ذميمة .
إبنتي الفتاة المؤمنة المصونة، أنكِ تملكين عقلًا واعيًا وإرادة صلبة وتفكيرًا منطقيًا، لا تسأمي من حياتكِ، وكوني نِعْمَ الفتاة الملتزمة الواعية بمبادىء الإسلام، أنتِ واجهة فكرية مشرقة، تتعاملين مع العولمة بعقلانية ونضج، بمقدوركِ أن تحيا سوية سليمة، لا أثر للإحباط لديكِ، نرجو ألّا يصرفكِ وهم الدنيا الغرور، وصورة الانفتاح الزائف ورياح التغيير عن الإلتزام الديني الذي يحافظ على كرامتكِ وعفَّتكِ ومكانتكِ، إصبري وتحملي على أذى قريناتكِ، فهذا هو جهادكِ الآن .
-- ندعو الله جل وعلا أن يبارك في أرزاقنا - وأن يكفنا شر أنفسنا والسعادة من نصيبنا ويبعد عنا مايكدر خاطرنا والشفاء العاجل لمرضانا - والرحمة والغفران لموتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات بحق محمد وآله الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
-- لا شك أن هذه الفتاة الملتزمة بعفتها وحجابها، ستظل عُرضة للضغوط النفسية والاجتماعية، وستظلّ مُحاصرة بالقهر حينما تواجه مجتمعًا يتعامل معها بالزهو والتعالي، وهو أمر يفجرّ لديها الإحساس بالدونية والضعة دون أدنى شكّ. وحيال هذا، فإنَّ مثل هذه الشخصية أمام خيارين فإما أن تتنازل عن قيمها الدينية وتقع في براثن المرض النفسي من أجل اشباع حاجتها إلى التقدير الإجتماعي، وهو أمر ضد قناعتها، أو تقف صامدة وقوية ضد فاعلية تأثيرهم . الفتاة الملتزمة تستطيع أن تحمي نفسها من وساوس الشيطان، ومغريات الدنيا، وعواصف الذنوب، وشدائد الحياة .. نعم تصمد أمام تحديات الدنيا بفتنتها واغرائها.
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق