((لن يدرك محتوى النص إلا من كان في قلبه جرح)) / ا. غالية المحروس


 ((لن يدرك محتوى النص إلا من كان في قلبه جرح))

 حين تداهمني و تحاصرني فكرة النص, أفقد ذاتي لحظة الكتابة ويقوم مقامها صوتي الداخلي, لا سيما وأنا أكتب بإحساسي دون حدود, حيث  تستهويني المفردات الأنيقة, التي تأتي من خلال تجربتي الروحية فوق الإستثناء, ابتداء من العنوان كمفتاح للنص, ليأتي النص مكشوف وبلا أقنعة, وأبدأ الكتابة برغوة القهوة! فانا إمرأة تتقن حب الحياة وأراهن بأنني لا أزال أعيش وأعشق الكتابة, ولكن كم مرة خذلتني الكتابة!                

ولأني واقعية بامتياز أحاول التجول داخل قلوب بعض المقربين  لي من القراء, وأجيد تماماً التسكع داخل الجراح، مثلما أجيد الكلام بوضوح الجرح العميق والقريب من الإنسان, حيث لا أُفهم كيف  تنتابني نكهة الحزن, ولكن هناك أمور كثيرة لا تٌفهم في هذا الكون أن يُتقصد عدم فهمي, فذاك يجعل في طريق حبي للبعض حجر وصخور, وقد يساء فهمي بأنني أطمح للشهرة فصدقا لا تعنيني, وهي عادة تأتي بعد الأوان وتأتي قبل الأوان لمن سيغادر سريعا بمرض الشهرة! فلقد تركت الشهرة لمن تروقه.

قال حكيم عربي: الناس قد يرون الجرح الذي في رأسك لكنهم لا يشعرون بالوجع الذي تعانيه, أما إذا شعر بعض الناس بذلك الوجع، فهذا دليل على إنسانية أولئك الناس وعلى إنسانية صاحب الجرح, فالجرح لا يثير تعاطف الناس إلا حين يكون جرحا إنسانيا. حيث إن أسعد وأصدق اللحظات في عمر الإنسان عندما يكتشف إن جوانب الحكمة فيه عميقة, والحكيم ليس شرطا أن يكون رمزا من الماضي ! وما أكثر الحكماء نراهم يمشون على الأرض بيننا.  وهنا أقول لعل الخسائر كلها  تصبح أرباحا! نعم أرباحنا رهن خسائرنا وإنها لمعادلة صعبة, ويصعب استيعابها عند الكثير.  وهنا ربما  التوازن والرضا يُصقَلنا بعد شعورنا بالخسارة أي كان نوعها وحجمها, وحين يصل الإنسان إلى حدود الظن بأنه خسر الكثير! فلا يتردد أن يهدي البقية الباقية وحتى لو كان عمره, وإن  كان هناك مجازا أحد  يمارس فضوله وتطفله كعادة البعض ويسألني عن عمري سأدهشه بالرد  قائلة: عمري لحظة فرح ولحظات من الحزن والوجع, اخلطها والخلطة مقدار عمري, والآن هل يتجرأ أحد  أن يسأل إمرأة عن عمرها! ولعلني أعد  عمري حكاية من فرح قادم سيأتي, آملة إنه مازالت هناك بشائر من الفرح, لعلها  ستتوزع على قلوب من يحتاج ويستحق أن يفرح, ومن يقرأني الآن يقول آمين. والعزاء كل العزاء لمن لم يتذوق طعم الفرح بعد.

 ليس شعارا ما قرأته وإنما هي جملة أدهشتني  واستوقفتني جدا :" عندما تولد فإن كل من حولك يضحك وأنت الوحيد الذي تبكي فاحرص عندما تموت أن  تجعل  كل من حولك يبكي وأنت الوحيد الذي تضحك "!  المعنى جدا  كبير وعميق  يجعلك تفكر طويلا, ما الذي ينبغي أن يعمله الإنسان ليسعد روحه و غيره, بحيث يبكونه  عندما تحين ساعة الفراق! وهذا يتطلب تضحية كبيرة وقلب أكبر, وأحيانا لا يتطلب سوى كلمة طيبة  في وقت معين,  يمكن أن تخرج المقابل من ساعة وجع أو تعاسة فتخلد بذاكرته, أو ربما لحظة صمت أو تعاطف وأنت تستمع إلى مأساة ما, لقد نوهت بهذه الفكرة سابقا وإن كانت قديمة أنت أيها الإنسان تجددها.  هكذا هو الود و الحب الرفيع النزيه الغير  مشروط  مطلب أساسي  لكل زمان ومكان, ويبقى الحب نبض الحياة,  ولكن مفردة الحب أصبحت كالماء, عديمة الطعم و اللون حين هجرها الوفاء, أصبحنا نعيش أكذوبة لا نجني منها غير الآهات والأوجاع, الكل يختفي وراء قناع مزيف ملون حتى إننا لم نعد ندرك أو نميز ما نراه, أهو وجه إنسان أم قناعا يرتدي لكل المناسبات والأدوار التي تلبي حاجته, العفو والعذر ممن يوجع  أو يخذل أو يجرح, لا يمكن أن يتفهم مابين سطوري, إلا من كان في قلبه جرح وآهات لا تنتهي منه,  تلك هي أحاسيسي  وأنفاسي الحرة.

 وأخيرا وباختصار وإنتصار, وفي لحظة ثقل فيها مؤشر الوجع والجرح , وتسارعت فيه دقات قلبي لأكذب نفسي كل حينَ! أيمكن أيها القلب الموجوع تهدأ من جديد! ولكن لا يسعني إلا أن أقول:شكرا للأوجاع والخسائر فقد علمتني كثيرا.

 غالية محروس المحروس

تعليقات