#خاطرة_الجمعة «هل أصبح الزواج مكروهًا؟» ا. منصور الصلبوخ

 


#خاطرة_الجمعة «هل أصبح الزواج مكروهًا؟» 

يعيش الشاب والشابة في بداية حياتهما الزوجية في حلم جميل، تغمرهما ظلال الحب ودفؤه، وتحيطهما أحضان السعادة، وغفران الزلات، هو أحبها بكل ما في كيانه من حب، وهي ودّته بكل ما في حياتها من ودّ لكن .. لكن الأيام لا تدوم على حال، والحياة لا تسير على وتيرة واحدة، وتلك سنتها وهذه طبيعتها، فسرعان ما ينقلب الودّ إلى جفاء، والسعادة إلى شقاء، والوصل إلى انقطاع، والسبب المباشر في هذا التغير والتباعد، هو ما يحدث بينهما من أفكار متناقضة ومشادات خانقة، تتحكم بحياتهما وتقودهما إلى أحكام متجنية ومشاعر سلبية تؤدي إلى الإحباط والشعور بالتعاسة، وإلى تهالك العلاقة الزوجية .

أكبر صعوبة تصادف الشاب والشابة في حياتهما الزوجية، وخصوصًا السنوات الأولى من الزواج هي طريقة التفكير، فكل واحد له نمط ذهني لشخصيته، يعني خصوصية الفكر والعقل والحدس الداخلي بما يخالجه. وبمرور الزمن يبدأ التغير في المشاعر وينعكس ذلك على حياة الزوجين بصورة سلبية حتى تصبح العلاقة بينهما كالنواة التي يرغب كلاهما بلفظها، بسبب سلوك الطرفين أو أحدهما، ويمكن القول أن الأمر يتعلق بعدم التوافق في الآراء والأفكار التي تؤدي إلى الخلاف والنزاع، وبالنتيجة تؤدي إلى الإنفصال الذي لا بد منه، وتفيد الدراسات بأن خمسين في المئة من قضايا الطلاق في المحاكم تتم خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج، بينما الحوار أو النقاش بين الزوجين قد يقود إلى اختلاف في وجهات النظر، لكن كل ذلك يبقى في حدود الأدب والتقدير. 

اليوم أصبحت العلاقة الزوجية عناد وتوتر عصبي وطيش نفسي خطير، بسبب عدم التوافق في أفكار ومشاعر الزوجين، ومن الطبيعي أن تدفع تلك السلوكيات السلبية إلى قرار متسرع وهدم بنيانًا غاليًا في الإسلام - البيت الزوجي - فإذا لم يكن هناك تدارك لهذا الإندفاع الخطير والقرار الجاف فكلا الزوجين سوف يخسران ويالها من خسارة، لأن عضّ إصبع الندم لا يجدي نفعًا بعد ذلك.  

تزايد أعباء الزوج والزوجة في هذا العصر المادي وضعت حياتهما الزوجية في حالة من اللاإنسجام واللاتوافق، إذ أصبحت الحياة الزوجية لا تطاق، مشادات ومعارك كلامية أدت إلى صراع بشكل دائم .. صراع حول المتطلبات والحاجات التي لا تنتهي، وقد تدفع الظروف المادية الصعبة إلى التباعد والانفصال.  

قبلًا، الزوجة التي تعامل زوجها باحترام شديد، وتطيع زوجها، وتصبر عليه، يُضرب بها المثل بالزوجة الطيبة التي تتحمل قسطًا لا يستهان به من مسؤولية لا يحظى بمثله أي زوج في هذه الأيام. معظم أمهاتنا مثل تلك المرأة المحنكة التي عاشت من أجل أن تعطي زوجها وأولادها الحياة والحنان والحكمة .. ونحن اليوم لا نفتأ ندور بحثًا عن تلك المرأة الأسطورية. 

يجمع الكثير من الناس على أن الزواج اليوم يحتاج إلى " وعي " لكي يصمد وسط العواصف والزوابع وما أكثرها، فمتطلبات الحياة المتلاحقة، لا تترك مجالًا كثيرًا للزوجين لتستمر حياتهما، هذه حقيقة مؤسفة في زمن المصاعب والتحديات. 

اليوم تراجعت مكانة الرجل في حياة المرأة العصرية التي تعاني " هستيريا " ظل الزواج، لعدم شعورها مع الزوج بالأمان، ولقدرة المرأة العاملة بالاعتماد على نفسها وتوفير احتياجاتها ومستلزماتها الخاصة، فالرواتب التي تحصل عليها المرأة اليوم من وظيفتها تكفيها لتعيش حياة رغدة، ومن دون " وجع الدماغ " الذي يسببه الزواج ومسؤولياته، خصوصًا بعدما اكتشفت المرأة العصرية إن بإمكانها أن تعيش من دون زواج، وأن تستغني عن الرجل، وتنفق مالها كيفما تشاء من دون أن تتحمل مسؤولية البيت ومشاقه، وتحمي نفسها من غدر الزمن، بهذا المنطلق البغيض - للأسف - تغيرت نظرة المجتمع إلى المرأة التي تجاوزت الثلاثين من عمرها، ففي الماضي كان يطلق عليها بالمرأة العانس، أما اليوم وبعد ما أصبحت فرص العمل متوافرة للمرأة في مجالات كثيرة، والذي خلق وضعًا غير مسبوق في واقعنا الراهن، لم يعد وجود الزوج ضروريًا في حياة الكثيرين، والدليل معظم عوائل مجتمعنا لديهم بنات لم يتقدم أحدٌ لطلب يدهن، أو لا يرغبن في الزواج . مسألة رفض المرأة مبدأ الزواج، منطق عجيب، وهو مؤشر خطير مجرور بحروف الإحباط والاستسلام والحزن الدفين، والنتيجة العنوسة تكدست، والأعباء والضغوط والمعاناة النفسية والصحية زادت، ولو إلى وقت ما؛ حين يتقدم بهن العمر .. سوف تكتشفين أيتها الشابة حاجتكِ الماسة للزوج والأسرة لإكمال الدين، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله: « إذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الآخر » رسائل الشيعة ج١٤،ص٥ ، وورد عنه عليه الصلاة والسلام: « من أراد أن يلقى الله طاهرًا مطهرًا فليتزوج » شرح رسالة الحقوق،ج١،ص٥٢٩ . نعم المرأة العصرية تمردت على الزواج، بحجة أن معظم المتقدمين لطلب يدها طامعين بمالها .. ها قد بقي المال وأنت معه امرأة عفاها الزمن .. تمتلكين بيتًا مؤثثًا بالتحف والثريات الثمينة والأواني الذهبية، خسرتِ الولد والزوج والدين، لتحصلي على لا شيء .. نعم دفعت الثمن غاليًا .. أنتِ منبوذة أنت خاوية .. عندئذ ستقولين: « لو كان الحب يشترى بالمال لدفعت مالي كله ثمنًا له ..» هكذا المرأة التي تتكئ على شبابها ومالها وأهلها، ولا شيء يدوم، هذه سيئة واحدة من سيئات العصر. 

في العام الماضي وصلت إحصائية حالات الخلع على منصة ناجز التابعة لوزارة العدل إلى 350 ألف.- رقم فلكي مخيف - وأيضًا ارتفعت معدلات الطلاق، ولا يفكر المطلقون والمطلقات بالزواج مرة ثانية !! من هنا نرى ظاهرة عزوف الشباب والشابات عن الزواج تتسع بشكل خطير، ومثل هذه الظاهرة تطرح أسئلة كبيرة؛ هل أصبح الزواج مكروهًا إلى هذه الدرجة؟ سؤال نعجز عن الإجابة عليه .. نحن اليوم في زمن الخلع والطلاق والعزوف عن الزواج .. ندق ناقوس الخطر في هذا الزمن العجيب يجب أن نتوقع ما هو غير متوقع .. المغريات تقابل الشاب والشابة أينما توجها، ومحركات الغريزة ومثيراتها متوفّرة وكثيرة !!


وأخيرًا ، عندما تصدق النوايا وتصح العزائم ويتحلى الأزواج ببعد النظر وسعة الصدر في التعاطي مع مشكلاتهم اليومية .. يحصل الانسجام والتفاهم والصفاء والتقدير والتحمل، ويشعر الأزواج بحالة صحية أفضل، وينعكس ذلك على الحالة المادية إذ إن المتزوجبن أكثر قدرة على كسب المال من غيرهم، نتيجة منطقية للاستقرار والصحة.

الزوجة الشاطرة هي التي تجتاز مراحل الحياة الزوجية بكل ما فيها من مرارة وحلاوة، ومن المؤكد أن هذه الزوجة ستصل حتمًا إلى منطقة خضراء مزهرة تشعر فيها بالسعادة وستستمر إلى نهاية العمر.


-- اللهم احفظ الزائرين لإحياء يوم الأربعين، وتقبل أعمالهم وسجلهم من الزائرين لأبي عبدالله الحسين أرواحنا له الفداء، اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصارواإليه. اللهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد .


 طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد. 


_________


-- علينا أن نأخذ العبرة من تلك الشعوب التي أهملت أمر الزواج كونه في نظرهم يقيد حرية المرأة ويحدُّ من رغباتها، ويستبد بألباب شبابها، فصوّروا الزواج قيدًا يحدُّ من رغباتهم فنبذوا حياة الأسرة. واتَّجهوا إلى العلاقات الشاذة على مرأى ومسمع الجميع، ولسنا هنا في مجال أن نذكر هكذا علاقات والتي مصيرها سوء العاقبة والبلاء .


محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات