❗️ تحية إجلال لصانعات الأجيال المربيات الفاضلات❗️ / ا. غالية المحروس


❗️ تحية إجلال لصانعات الأجيال المربيات الفاضلات❗️

 هاهو ذاك اليوم الدراسي الأول الذي لا يغادر ذاكرتي, يقودني لعقود طويلة لتأمل نفسي البسيطة , كنت وقتها أتأبط حقيبة المدرسة دون دراية ماذا ينتظرني , وأذكر فيها صوت أمي لأعود محملة بشعور ثمة نعاس برأسي, حيث ليلتها لم أنم شوقا ولأول مرة للذهاب للمدرسة القريبة من منزلي.                               
 ودارت الأيام ومضت الأعوام, وكان حلم حياتي (رغم عدم حصولي على مؤهل عالي من الدرجات) بأن أكون معلمة حيث أحببت أن يكون لي تأثيرا على جيل كامل, وتحقق هذا الحلم  عندما التحقت بأرامكو ودرست اللغة الإنجليزية, إلى جانب تخرجي من كلية الآداب بالدمام, وبعد تقاعدي من العمل وحصولي على تجارب ثرية بدأت بمشروعي التطوعي للتعليم الإنساني الخاص, وعندما بدأت التدريس الذي أعددته بنفسي لما أتمتع بإمكانيات الكتابة, لكنني تعجبت جدا كيف تمكنت من دمج التدريس بالعلاقات الإنسانية بتجرية لم يسبقني بها الكثير, وفي نهاية كل دورة تراني سعيدة والطالبات استسلموا لواقع التعامل والتعليم معي, وأنا أسجل دهشة النجاح لي وللطالبات, لما لدي من الخبرات والتجارب الناضجةعلى مدى سنوات طويلة, والتي حاولت أن اختارها شخصيا وأقدمها للطالبات بعناية وبأمانة و بما ينبغي.  ولا أظنك عزيزتي المعلمة الفاضلة بأقل مني كفاءة, ولا قدرة على تسجيل ما يمر بك من مواقف مع الطالبات مع فترة تجربتك التعليمية.                                                                                

نحن في الألفية الثالثة, فلقد تميزت العلاقة الطيبة بين المعلمة والطالبة، حيث تأمل الطالبة من المعلمة أن تمنحها العاطفة والإهتمام التي تفتقدها حسب ظروف أسرتها, وقد تتأمل الطالبة من معلمتها التفاؤل, لإيجاد حلول لمشاكلها التي غالباً ما تكون اجتماعية أسرية. والمعلمة حتما تساعد في إصلاح نفسية وسلوك الطالبة أو هدمها, إنَّ من ضروريات العملية التربوية أن تدرك المعلِّمات والإداريات وأولياء الأمور, أنَّ العلاقة بين المدرسة والمنزل يجب أن تتميز كونها كيانين, في إطار المجتمع ليصبح كيان واحد مقدس و مؤسس, فما تبنيه المعلمة يجب أن تتبناه الأسرة،وما تحرص عليه البيوت يجب أن تدعمه المدرسة .

جاء في التقرير الأميركي: «أمة في خطر» موضحا: «الأمة في خطر: أمر إلزامي لإصلاح التعليم».. كان هذا هو عنوان تقرير الرئيس الأميركي رونالد ريغان عام 1983م بخصوص اللجنة الوطنية للتميز التربوي. كان نشر هذا التقرير حدثا بارزا في تاريخ العملية التعليمية الأميركية الحديثة. فمن بين عدة أمور، ساهم هذا التقرير في النمو الذي لم يحدث قبل ذلك مطلقا ولا يزال موجودا) للشعور بأن المدارس الأميركية قد ضعفت.                         

أكثر عبارة أثارت انتباهي في هذا التقرير هي: «لأول مرة في تاريخ أمريكا يتخرج جيل لا يتفوق على آباءه!».. فاستنتجت من هذه العبارة أن معيار التقدم المجتمعي هو: تفوق الجيل القادم على الحالي، فهذا يدل دلالة مؤكدة على أن معيار التقدم يساوي حينها هناك "صفر"! وماذا عنا نحن العرب هل صناعة جيل عربي قائم على الثقة والأمان والإبداع وحسن التعامل أمر مستحيل؟! هل نحتاج فقط لمناهج تعليم قائمة على التلقين دون إبداع واستيعاب ؟! نحن والحق يقال, لدينا طاقم التعليم رفيع المستوى والأداء, متمكن في مجاله الشريف ورسالته المقدسة, ومتمكن  من الرقي والفخر بالطلبة والطالبات دون انزلاق أو سقوط  محتمل.                                                                          

إن مهنة المعلم هي مهنة جديرة بالتقدير والإحترام, فكيف لا وسيد الكون صلوات الله وسلامنا عليه يقول "إنما بعثت معلما" فالمعلم مربي أجيال وناقل ثقافة مجتمع وحامل أخلاق وسلوك رفيع.  ولفت تأملي وإنتباهي في حديث سيد الكون محمد صلوات الله وسلامنا عليه إنما العلم بالتعلم»  نعم لقد ذكرالنبي : بالتعلم ولم يقل بالتعليم!!. ومن ذلك يتضح لنا أن صناعة جيل المستقبل, لا يمكن أن تقتصر على عملية المعرفة فقط، بل لابد من الاهتمام بفن التعامل وإعطاء هذه المعاملة مساحة أكبر في الوقت والجهد, حتى يمكن صناعة الجيل القادم متمتع بالأمان بالتوازن مما يعمل على اكتسابه الثقة بنفسه واسترداد الروح المعنوية الإيجابية للمجتمع من جديد بإذن الله.

أطرح هنا عددا من التساؤلات ، للعثور عن الإجابة الذاتية:

· ما هو دور المعلمة و لماذا فقدت البعض جدا من  المعلمات المكانة الحقيقية بين الطالبات؟   

·       هل وقار واحترام تلك المعلمات أصبح في خبر كان؟ ما السبب في ضياع الهيبة عن بعضهن                 

·       ما هي العوامل التي ساهمت في تهميش دور تلك القلة من الفئة داخل المدرسة والمجتمع      ؟                                                                                                      

·       هل طالبة اليوم غير طالبة الأمس؟وهل هناك ثقة قائمة بين الطالبة والمعلمة؟              

·       هل يُجرى اختبار تحمُّل ذاتي لكل خرِّيجة ترغب في الانضمام لسلك التربية والتعليم؟                                                                                        

 وهنا بعض الإيضاحات والمفاهيم:                                                 

دور المعلمة اليوم لا يقتصر فقط على التعليم، بل هناك الكثير من المهام والأعباء، فمن كثرة المسؤوليات لا تدرك البعض مجازا هل هي معلمة أو مراقبة أو مشرفة ,عندما تدخل المعلمة على مديرة المدرسة للشكوى على طالبة مشاكسة، تطلب المديرة منها بلطف التحلي بالصبر على كل التجاوزات التي تسببها الطالبة، حيث لا مجال ولا ينبغي للمعلمة لممارسة العقاب الجسدي في أسوء الحالات بلا تردد! حيث هناك ألف طريقة وطريقة لتقويم اعوجاجهن واستثمار طاقاتهن.                                                             
لابد أن أشير هنا ليست كل خريجة قادرة على أن تكون معلمة, وليست كل معلمة قادرة على أن تكون مربية, وبالتالي فليست كلّ مربية قادرة أن تبني علاقات موجبة مع الطالبات لفهم صحيح لنفسياتهن، فبعض الطالبات تردعهن النظرة، وبعضهن لا يبالين حتى بالعقاب,حيث تعاني البعض من المعلمات من تمرد بعض الطالبات نتيجة ضغوط نفسية وأسرية داخل البيت, ومع هذا لا اعتبره مبررا لهكذا تجاوز من الطالبة.                                                                                   

للخوض في ثنايا هذه التجربة الموجودة بين أسوار مدارسنا, التي تؤكد أن الطالبة والمعلمة كل منهما يكمل الآخر, ويجب أن تظل العلاقة بين الطرفين قائمة على الود والاحترام والمُثل، يعتقد البعض إن التعامل مع الطالبات أمرا سهلا جدا ولكنه غير صحيح, فالمعلمة المتمكنة والمتميزة هي من تجيد وتتقن فن التعامل مع الطالبات, لابد أن تتعامل مع الطالبات بأسلوب متقن لتكسب ثقتهم وأيضا ينبغي أن تتميز بسعة الصدر والصبر, وهذا ماتتحلى به معلماتنا الفاضلات مع بناتنا الطالبات. حيث الطالبة عادة تبحث عن بديل إن كانت تعيش حالة من الفشل والاكتئاب أو الفقد و الشتات,  وسط أسرة غير مترابطة ومفككة.  وغالباً يقع الاختيار على المعلمة بصفتها شخصية إنسانية جاذبة وحنونة، كما أن العاطفة تتحكم بالمعلمة وتدفعها إلى التوغل والتعمق في ظروف الطالبة ومعرفة واقعها الحقيقي .                                                 
العلاقة الطيبة بين الطالبة والمعلمة انقدت الكثير من سلوكيات سلبية للطالبات, إلى جانب التغلب على حالة الإحباط والفشل التي تعيشها البعض نتيجة اضطرابات أسرية أو مشاكل اجتماعية واقتصادية.وأيضا العلاقة الناجحة بين المعلمة والطالبة قضت على الرواسب النفسية التي تجلبها الطالبة معها من البيت. فالثقة بين الطرفين مطلب مؤكد, فالمعلمة علاقتها يجب أن تكون قائمة على الأمانة المهنية إضافة إلى التقدير والاحترام في إطار محدود ليس جافا, وأن تبث في عقول طالباتها القيم العليا والأخلاق الطيبة فكثير من الطالبات تلجأن للمعلمة بحثا عن المشورة والنصيحة وذلك مما يدل على الثقة المتبادلة        

 من النقاط المهمة في فن التعامل مع الطالبات, حسب أعمارهن ومراعاة الفروق الفردية في التعامل, والمعلمة التي تنزل لمستوى تفكير الطالبة لا يعتبر سيئا أو سلبا أو ضعفا في شخصيتهأ, بل يعتبر من المهارات التي تتميز بها المعلمة الموهوبة المتميزة المتواضعة المتمكنة, والتي تجيد فن التعامل مع الطالبات حيث القسوة لا تؤدي للوصول لنتائج حسنة وحل مشاكلهن مما يكسب الثقة في النفس وفي الغير.                        .                                                                               

في بداية العام الدراسي الجديد أهدي بعض الهمسات الخفيفة في فن التعامل مع الطالبات وكسب ثقتهن وإن كانت تمارس لدى جميع المدرسات:

  قبل كل شي وبداية كل مرحلة:

 ·       بث الاطمئنان والأمن النفسي.

·       إشباع جوانب الحب والحنان.

·       غرس القيم والأخلاق الحميدة,

·       تنمية الحاجة إلى الفوز والنجاح.

·       تنمية شخصية الطالبات، واكتشاف قدراتهم الذاتية.

·       إعطاء الطالبة الثقة في نفسها، وتحمل المسؤولية.

·       معرفة الطالبات جيدا وحفظ أسماءهم وشخصياتهم.

·       معرقة اهتمامات الطالبات لحثهم  على متابغة الدرس كما ينبغي.

·       تعزيز شعور الطالبات خاصة المشاكسات ضعيفات الثقة بالنفس وإظهار التقدير والتشجيع لأي جهد تبذله الطالبات.

·       التمتع بروح الدعابة وخلق جو من المرح مع ضبط زمام الأمور و مراعاة إحساس مشاعر البعض.

·       تركيز المعلمة على أن يكون دورها في الفصل هو القيادة دون شدة  وحزم بل برسم حدودا معينة لكسب الهيبة والاحترام بما  يليق وينبغي.

·       السيطرة على المشاعر بالتفاؤل والسعادة والتوازن, هذا هو الدور الصائب أمام الطالبات.

·       المحافظة على الهدوء عند أي موقف أو تصرف من بعض الطالبات لنيل  احترام الطالبات.

·       لكون مهذبة وقوية . عندما تسيء الطالبة إليك فليس من المصلحة أن تجاريها في أسلوبها بل كوني في جوابك عليها مؤدبة في حزم . لأن إساءتك في التعامل ستجعلينها تتمادى عليك, ومهما نزلت لمستوى متدني في عباراتك فأنت الخاسرة باعتبارك  المعلمة والقدوة.

·       اجعلي نبرة صوتك خفيفة دون صراخ حتى لا تستنزف طاقتك ويظهرك أيضا بشكل غير لائق بك.

·       تذكري لعلك واقفة أمام الكثير من  الطالبات, تسمعك بإذنيها وتراك بعينيها فأنت مطالبة بضبط حركاتك كلها أمام الطالبات.

❗️وأخيرا عزيزاتي المدرسات صانعات الأجيال المربيات الفاضلات❗️

 أقول مجازا, ولو كنت اشعر في يوم من الأيام إنني فقدت مكانتي وهيبتي واحترامي بين طالباتي! لإعتزلت هذا العمل وبقيت في بيتي حفاظا على كرامتي,  ولكن ما الذي يحصل الآن؟ كثير من المعلمات لا يفهمن نفسيات الطالبات، ولا المرحلة التي يمرون بها، فتحدث هناك فجوة بين المعلمة والطالبة، وينشأ صراع في كثير من الأحيان, من خلال خبرتي الطويلة في العمل التربوي الإنساني مع الطالبات بمختلف الأعمار والمستويات لمست أن هذه المشاكل أكثر ما تكون في صفوف المعلمات المبتدئات، أكثر من المعلمات اللاتي يملكن خبرة طويلة في مهنة التعليم، فهن أطول نفسا من غيره, أعتقد أنه لا يوجد من يزايد على أهمية ودور الوظيفة التعليمية ومشاغلها، إذ يعتبر العمل في مجال التعليم إدارة أو إشرافاً تربوياً أو تدريساً، من أهم وأبرز الأعمال التي تقدم للمجتمع، وذلك لكون المعلم أو المعلمة يقومان بدور حيوي في تربية النشء وتعليمه وتثقيفه وتأهيله لخدمة دينه ووطنه لا يسعني إلا أن أنحني لكن جميعا داعية للجميع بعام حافل بكل ما هو نافع ومفيد.                                                                              

غالية محروس المحروس

تعليقات