« ملحمة الشهادة من أجل القيم والمبادىء الحسينية » / ا. منصور الصلبوخ

 


« ملحمة الشهادة من أجل القيم والمبادىء الحسينية » 

﴿مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا﴾ [الأحزاب: ٢٣] في مثل هذه الليلة جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابه وأهل بيته وتحدّث إليهم قائلًا: فإنّي لا أعلم أصحابًا أولى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعًا .. هؤلاء جميعًا بكل إيمان وشجاعة واستبسال قالوا: « إن الحياة بدونك لا قيمة لها .. » .

-- بات الحسين وأهل بيته واصحابه عليهم السلام ليلة العاشر من محرم بين قائم وقاعد وراكع وساجد، وتالٍ للقرآن ومتضرع، فهم يعلمون أن هذه الليلة هي آخر لياليهم من الدنيا.

وحين طوت الظلمة كل شيء جمع الحسين عليه السلام أصحابه وأهل بيته، وأوضح لهم كل شيء، وحدد لهم مصيرهم وهو القتل، ليكونوا على بَيِّنةٍ من أمرهم، ولم يكد الإمام عليه السلام يفرغ من كلامه، حتى هبَّت الصَّفوة الطيبة من أهل بيته وتبعهم أصحابه وهتفوا جميعًا: الحمدُ للهِ الذي أكرمنا بنصرك، وشرَّفنا بالقتلِ معكَ. 

لقد أشرقت شمس العاشر من المحرم حزينة، كأنها تبكي من أجل الأبرياء، تبكي من أجل الأطفال والأمهات والآباء الظامئين .. تبكي من أجل سبط النبي صلى الله عليه وآله . ومعها أشرقت نفوس خيرة الرجال بنور الإيمان، تكاد تطير شوقًا إلى الشهادة، وقلوبهم تهفو إلى لِقاء ربهم .

-- اشتبك الجيشان؛ واشتعلت المعركة بين الحقّ والباطل، بين الحسين ومعه أصحابه السبعين مع جيشٍ جرّارٍ مؤلَّفٍ من ثلاثين ألف مقاتل. ولكنّ الحسين وأهل بيته وأصحابه لم يهابوا جيش العدوّ .. انطلق الأبطال إلى ميادين الشرف والكرامة والاستشهاد، ودارت معارك ضارية وكان الأبطال يتساقطون شهداء فوق الرمال الملتهبة، كما تتساقط النجوم وتنطفىء، تساقط الشهداء جميعًا دفاعًا عن القيم والمبادئ التي حملها الإمام الحسين عليه السلام.

ولم يكتفوا بذلك هؤلاء الأوغاد وهم يشاهدون الأجساد الطاهرة تنزف الدماء وتلوّن أرض كربلاء، بل قاموا برفع الرؤوس فوق الرماح، وطحنوا الأجساد بحوافر الخيل .. وهجم أولئك الهمج الرعاع على مخيّم الحسين بوحشيّة الذئاب المجنونة، يضرمون بها النيران، ويسحقون الأطفال، ويسلبون النساء .. وضع مأساوي ينفطر من هوله القلب ويقطر له الضمير ألمًا وخزيًا، قُتل كل الرجال في كربلاء وبقيت النساء المنكوبات والسبايا والأطفال الصغار الجوع والعطش يفتت أكبادهم لكنهم امتثلوا لأمر الله تعالى .. وقد وقفت الحوراء زينب عليها السلام على جسد أخيها الحسين عليه السلام ترمق بطرفها إلى السماء قائلة " اللهم تقبّل منّا هذا القربان القليل فداءً لوجهك الكريم " .

إخلاص وتضحيات رجال أشدّاء وأطفال أبطال رفضوا الحياة الذليلة واختاروا الشهادة في سبيل الله.

-- واليوم وبعد مرور أكثر من ١٣ قرنًا، أضحى يوم عاشوراء ذكرى متأجّجة في النفوس .. يحيّون ذكرى عاشوراء .. ذكرى التضحيات والشجاعة بصورة لم تكن متخيلة، فقد ملؤوا الدنيا بأسرها حزنًا ولطمًا وعويلًا، ويرددون الشعارات والنواحي الحسينية ويلطمون على الصدور، يستعيدون تفاصيل يوم عاشوراء الحسين عليه السلام وما لاقاه من ظلم وقتل وتشريد .. الحدث التاريخي العظيم، أنّه أطول يوم في التاريخ، ولا تزال راية الحسين عليه السلام خفّاقة ترتفع في الفضاء .. تعلن انتصار المبادىء التي جاهد من أجلها الإمام الحسين عليه السلام.

--  هو الحسين امتداد لمسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وعظمته، تلك الشخصية التي أبهرت العالم بأسره ولا زالت تُبهر الكثيرين .. بفكرها الوضاء، ودمائها الطاهرة .. لتكتب على لوحة الحياة للأجيال دروسًا في الشهادة من أجل الدّين والكرامة والإنسانية.

« السّلامُ عَلَيكَ يَا مَولايَ يَا أَبَا عَبدِاللهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحَامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجّسْكَ الجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِن مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا، وَأَشهَدُ أَنَّكَ مِن دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَركَانِ المُؤمِنِينَ.. » .

       « هوَّنَ ما نزل بي أنّه بعين الله »

 _________

-- اليوم لم تعد كربلاء صحراء على شاطىء الفرات، أصبحت مدينة الشهداء، يزورها الأحرار في العالم؛ بعد أن تعرّفوا على ملحمة الحسين عليه السلام في دنيا الفداء والتضحية والإيثار .. وأهداف نهضته المجيدة !!

نشارككم الأحزان والمواساة/ منصور الصلبوخ.

تعليقات