#خاطرة_الجمعة « هل نخطط لما بعد التقاعد؟ »
« أني غير قادر على القيام بأي عمل، لقد تخطيت سن الستين » هذا حديث سلبي، وعكسه حديث إيجابي مثل « لا يزال أمامي الكثير لأفعله بعد التقاعد ». نعتقد بمثل تلك العبارات نستطيع أن نفهم هدفنا في الحياة التي نحياها، فهذه الحياة إذا لم تحو غاية وتخطيطًا وهدفًا، فستصبح حتمًا مليئة بالتعاسة والفشل، فالعمل هو كل شيء أنه مغزى الحياة والمبدأ الأساسي للحضارة.
-- شارف على الثمانين من عمره، قضاها الرجل في مشوار الجد والعمل والنشاط المتواصل في أيّ نشاط إنساني محفوف بمشاق يذللها، بعد عون الله عز وجل قدر من الذكاء ثم العزم والثقة والمثابرة والعمل الدؤوب الذي لا يدركه عجز وخمول، ولا يحبطه يأس وهزيمة وانكسار، ولم يصاب بعلل تعيقه عن ممارسة العمل الذي اختاره لنفسه، طوال سنين عمره، ظل الرجل محتفظًا بقوته وذاكرته، لا يعرف للركود سبيلا، ولا للضعف طريقًا.
يأمل من الله العلي القدير أن يمنحه مزيدًا من العمر كي تستمر رسالته التي يؤمن بها، والهدف الذي يصبو إليه. هذا هو حال أناسٍ لا يفتأون يعملون بلا توقف لصالح الخير والتفائل والإبداع وكل القيم الجميلة، لنتعلم من سيرة الأجداد والآباء الذين جمعوا طول العمر والصحة الدائمة، هم لا يزالون يشعرون بالعافية والرغبة في العمل .
لقد نبتت فكرة العجز والكسل والخمول في ذهن فئة من المتقاعدين، أولئك الذين قرروا الكف عن العمل والإخلاد إلى الراحة انتظارًا بما سيحل بهم من اسقام. وأنه حان الوقت للتوقف عن دورهم في ساحة العمل والعطاء. وهناك من الظواهر والمؤشرات ما يدل على أنهم الآن يسيرون في ذلك الاتجاه.
سن التقاعد ليس عمر شيخوخة ولا ضعف بل هو سن الجهد المبذول، والعطاء الموصول، والإنجاز المأمول.
هناك حقيقة لا مفرَّ منها في هذا السياق، وهي أن ممارسة العمل دواء موصوف ومجرب لصفاء البال ومتعة النفس وتمنح صاحبه بهجة وسعادة وصلاح. ولو تأملنا في زمننا الراهن حال الذين تقاعدوا في سن الستين، وهو السن الذي يحلو - على الأغلب - فيه وبعده الخلود إلى الدعة والسكينة، وهذا ما يحلم به كل متقاعد بعد مشوار طويل مع الارتباط الوظيفي، وهنا لابد أن نفصل بين نهاية العمل الوظيفي والخلود إلى الدعة والسكينة.
فالتقاعد من الوظيفة لا يعني التقاعس والاستسلام والانكفاء والإنعزال عن الناس، وحين يدب فينا الوهن ونقع فريسة الكسل والخمول .. تتعطل قدراتنا في أداء مهماتها، وتصاب قلوبنا بالشيخوخة، وتتعرض أجسامنا للبوار وشقاء المرض، وإذا سيطرت علينا أفكار الضعف والوهن، فالأرجح أن نمسي مرضى سقماء .. وكم من ضعيف يرى الموت عيانًا !! هذا هو حال أولئك الذين اعتادوا الاستسلام، هم في حال هبوط وانحطاط وتوقف وجمود .. فكيف نعالج هذا الوضع ..؟ لا شك في أن مرحلة ما بعد التقاعد تتسم بالاستقرار الذهني والعاطفي .. مرحلة تحقيق الأحلام والأماني والمناصب والجلوس على القمة أو الاقتراب منها أو الوصول إلى مكانة اجتماعية مرموقة، إنها حقًا مرحلة الحصاد والعطاء والتميز وطموح الوجدان والقدرة على التعامل الأفضل مع معطيات الحياة.
فالعمر الطويل يُقاس بحسن العمل حتى إن القرآن الكريم يقول: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم } الزمر: ٥٥ .
لا أرى في تلك المرحلة العمرية أو حتى من تجاوزوها إنحدار في القدرة على العطاء .. فالحياة ميدان عمل لا تنتهي من مشرق العمر إلى مغربه، نحس بجمالها وقيمتها، ونتعلم منها ونتعظ بدروسها الصالحات ونحيا كل يوم حياة جديدة مستمدين من هذه الفلسفة الرائعة إيمانًا بأنفسنا وقوة على أن نحتمل فيها المكاره ونصمد أمام النائبات .
أسأل الله عز وجل لكم المزيد من صلاح النفس، ونقاء النية، وراحة في البال وسعة في الرزق، وانجازًا في الأداء، وأن يمنحكم الوجه المشرق للحياة والاستمرار في رحلة العمر ورحلة الإبداع، وأن يكون غذكم خيرًا من أمسكم، والمرء السويّ لا بد أن يستلهم من مشواره في الحياة العبرة، ويتزود بالعزم !!
-- نسأل الله أن يشافي مرضانا، ويرحم موتانا وموتى المؤمنين والمؤمنات، اللهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ اَخْتِمْ لي بِخَيْر ..
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- بعض الناس لا يحيون، وهم أشبه بأولئك الذين يقفون بالمحطات وينتظرون قطارًا، بينما المحطة تدّوي والقطارات تسير، فاذكر أنك طاقة وقوة، وأن قيمتك في أن تستمد من إرادة الله إرادة لك، وأنك قد جئت إلى هذه الدنيا وأنت مشروع إنسان، وأن مجدك في أن تلهب طاقتك وقوتك، وأن تكون بارادتك نحّات نفسك بحيث يتم على يديك اكتمال هذا الإنسان.
محبكم/ منصور الصلبوخ .
تعليقات
إرسال تعليق