#خاطرة_الجمعة « تواضع الكبار »
جمع الرجل بين رصانة العلم وسعة المعرفة والتواضع، وظل يتفادى الأضواء، ويحرص على العمل بهدوء في المجال الذي نذر نفسه له ألا وهو مجال العمل الخيري وخدمة المجتمع، لا يفصح الرجل عن لقبه العلمي أو منصبه الإجتماعي، ولا يسبغ على نفسه أهمية خاصة، في تواضع حقيقي لا ادعاء فيه، وكأنه يقول بذلك إن الإنسان يكشف عن معدنه من دون حاجة إلى وجاهات اجتماعية، وأن اللقب الذي يحمله الإنسان يبقى من دون قيمة وجوهر إذا لم يتنزل على أرض الواقع في العمل والسلوك .. إنه التواضع المعبر عن الثقة القصوى في النفس.
هناك أفراد سمت أرواحهم إلى أقصى ما تصل إليه الفضيلة ولكنهم كانوا في عمر الزمان قلة. هم أصحاب نفوس فاضلة تتطبعت على الخير المحض وتنفسته. هم فعلوا الخير للخير نفسه، وأن سخاءهم بالخير في سبيل الخير فقط. هم متسترون وراء أعمالهم الخيرة، يسعون لخدمة الناس والسعي إلى نفعهم والتعايش معهم وتفهم احتياجاتهم ومحاولة تلبيتها .. كل ذلك من شأنه أن يترك آثارًا إيجابية في النفس البشرية، ومن دون أغلفة زاهية وألقاب فخمة وسمعة براقة، وغلو وإعجاب .. يبدو أن الأمر بدا واضحًا !!
إن الإحساس بالزهو أو الإعجاب بالإنجاز يقترن بنظرة مريضة لدى الشخصية المزهوة الباحثة عن التقدير الإجتماعي، مثل هؤلاء الناس اعتادوا أن يسمعوا الثناء العاطر، والإعجاب الصادق بكل عمل حسن، وقد يكون مميز بحق، لكن إحساسهم بالتميز وحب الظهور يبعدهم عن باقي الناس، فلكي نكسب الناس لا بد أن نتنازل عن ذلك النوع من الثناء والتقدير، على هذا النحو الذي يشير الإمام علي عليه السلام إليه « إعجاب المرء بنفسه، يدلّ على ضعف عقله » (الوسائل، باب ٢٣ حديث ٦) .
أما الشخصية التي تلغي الحاجة إلى التقدير الإجتماعي فإنها تعوضه بتقدير من السماء، هذا الصنف من الناس من أصحاب القلوب الكبيرة وصدورًا رحبة، يعطون بسخاء .. ويمنحون بمودة .. وينتقون بثقة .. هم مبدعون متنورون وقادرون على تجاوز المألوف. هم منطلقون من المبدأ القائل: " انَّ الدنيا بأكملها، متاعٌ عابرٌ، لا قيمة له قبال العطاء الأخروي الذي لاحدود له " فالشهادات والمناصب وتسليط الأضواء وما شابه، تظل اشباعًا عابرًا قبال الإشباع الأبدي، وهذا ما يقود الشخصية العبادية إلى أن تقلل من أي منبه بيئي يتعامل بلغة الزهو والتعالي.
لهذا نؤمن تمامًا أن مجتمعنا المؤمن، لا يخلو غالبًا من مخلصين يعطون ويقدمون ويعملون بخفاء في الساحة الإجتماعية، لكن هؤلاء عادة قلة قليلة. وهم المحمودون عند ربهم، قال تعالى:{ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ..} (سورة التوبة، الآية ١٠٥).
من وصايا الإمام جعفر الصادق عليه السلام: « يا ابن جندب: لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سرًا يجزيك علانية على رؤوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك » تحف العقول ص٢٠٧ .
نقف لحظة تأمل مع أنفسنا، ونسأل: ما الذي يمكن أن يكون ميزانًا للرجال؟ مواقفهم .. نعم مواقفهم التي إذا ذُكرت ..ذُكروا، فأين نحن من هؤلاء الكبار؟!
-- اَللَّهُمَّ اكفني شر نفسي، فهي تصور لي الطمع طموحًا والجبن حكمة والصدق تهورًا، اَللَّهُمَّ عرفني بنفسي معرفة تعصمني من الانخداع بالمديح والثناء والإطراء، اَللَّهُمَّ أجعل طموحي في خدمة الناس، ولا تجعل الناس في خدمة طموحي . نسأل الله تعالى الإخلاص وصدق النية في العمل.
-- اَللَّهُمَّ شافي مرضانا ومرضاكم ومرضى المؤمنين والمؤمنات، وأرحم موتانا وموتاكم وموتى المؤمنين والمؤمنات بحق محمد و آله الأطهار، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى وعلى آله الطيبين الأطهار.
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- هناك فئة من الناس جعل الله في أفئدتهم كمًا كبيرًا من الرحمة والشفقة بحيث لا تراهم في أوج سعادتهم ولا تراهم تملأ الإبتسامة وجوههم إلا عندما يقضون للناس المحتاجين حاجاتهم على أي شكل كانت، قال صلى الله عليه وآله: « من فرَّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة » .
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق