#خاطرة_الجمعة « لن يقف الزمن !! »
الحياة نعمة في موضعها، والموت نعمة في موطنها، فإذا أراد نعمة الحياة، فليعمل لنوالها غير يائس منها ولا متوان عنها، فإما لها وإما عليها.
تتمثل أمام عيني صور الحياة الجميلة، فما للإنسان وحده تعلو شكواه، ويبزغ عليه النور فلا يأوى إليه وإنما يأنس بالظلام. ولكن هل قدرت الطبيعة لهذا الإنسان أن يعيش بين أزهار توحي عليه نضارة العيش، وهل قدرت له أن تكون أيامه هادئة صافية، لا تهب فيها ريح سموم، ولا تعكر صفحتها الغيوم؟ اقدرت للإنسان أن يبتسم فلم يبتسم، وها هؤلاء من شاءت لهم صفاء العيش قد ابتسموا له وفرحوا، وها أولئك من كفروا بأنعم الله عليهم، فأسودت وجوههم في لوحة المقادير قد بكوا وحزنوا .. وفي هذا الفضاء القاسي تتألف ابتسامة الإنسان الناعم ودمعة الإنسان الباكي، وتمتزج نعمة الحمامة الشادية والحمامة النائحة.
ثمة مشاعر مبهمة تختلج كياننا لأننا نعرف أن الماضي شبحًا يطاردنا ويتصيد سقطاتنا، فهناك آثار عالقة في أنفسنا وأمرًا يثير جرحنا، ولا تستطيع كل الصور المثلى أن تُخفيه من خيالنا، إنه الحزن ..
الحزن مشاعر كسيرة تعتصر الإنسان من الأعماق .. هو عنوان الإنسان والواقع الذي يعيشه في الحياة، آلامًا وحسرات تعشعش في الأذهان ويلفه من كل جانب، وهو الثوب الذي لا يمكن الخلاص منه .. الحزن واقعًا عمليًا نمارسه في مشاعرنا ومزاجنا وعملنا ومنهجنا، حاولنا أن نطرده فلم نستطع، هكذا حالنا !! بيد أن الحقيقة غير ذلك، والواقع صفعة توقظنا من عالم الأحلام.
لماذا لا ينسى الإنسان اللحظات المؤلمة في حياته رغم استطاعته التغلب عليها؟ هذه من مفارقات البشر التي لا يُعرف لها سر، ينسون لحظات الفرح في حياتهم، ويختزنون في مهجهم الفواجع والمواجع حتى بعد حين، أولاء صفت دخائلهم، فنظروا إلى الحياة بمنظار مشرق، واستمتعوا بمنن الله عز وجل، فأدوا واجب الحمد ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ .
ما الذي يتذكره الإنسان أكثر، أهي الحوادث المؤلمة أم المفرحة؟ يختلف العلماء حول ذلك، ويؤكد كل فريق منهم عكس ما يؤكده الآخر، البعض يقول أن ذلك يعتمد على تركيب الشخصية الانفعالي، بمعنى أن المتفائلين يتذكرون الحوادث المفرحة، والمتشائمين يتذكرون الحوادث المؤلمة، فكل شيء باختيارنا وبقناعتنا، رغم شقاء جوانب الحياة، لكننا على كل حال نتذكر الحوادث والذكريات كلما كبرت اهميتها بالنسبة لشخصيتنا. وما يفتأ يسلب راحتنا.
كثيرًا ما نشعر بالحزن هبط علينا بغير مقدمات أو لغير سبب ظاهر، فكل منا قد جرب هذا الحزن الذي لا يستطيع له تعليلًا لأول وهلة، ولكن إذا عرف الواحد منا العلة الحقيقية لهذا الحزن، فعليه ألا ينميه بالاجترار، فاجترار الحزن ينميه ويكبر، وإنما عليه أن يبذل كل جهده ليصرفه عن نفسه، فيخرج في نزهة، أو يشغل نفسه بالقراءة، أو يعكف على أي عمل يحبه، وسيجد عندئذ أن الحزن يغادر نفسه ويحل محله الانشراح .. وهكذا تتجدد النفس، فلا يقتلها الحزن واليأس. من وصايا الإمام موسى الكاظم عليه السلام: « يا هشام: اصبر على طاعة الله، واصبر عن معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة فما مضى منها فليس تجد له سرورًا ولا حزنًا، وما لم يأتِ منها فليس تعرفه، فأصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت » (تحف العقول ص ٢٢٦) .
إننا نعيش الحياة مرة واحدة ويجب ألا تمر لحظة واحدة منها من دون أن نستشعر السعادة أو نسعى إليها.
إنَّ شحنات الكدر المكنوزة بداخلنا، والعقد المتشابكة والمستعصية في نفوسنا، لا يمكن تفريغها وفكها إلا عبر روح الذكر والمناجاة « بِذِكرِكَ عَاشَ قَلبي، وبمناجاتِك برَّدَتُ ألمَ الخوفِ عني » (دعاء أبي حمزة الثمالي).
ما أشدُّ سعادتي عندما أنظر إلى تلك الوجوه المشرقة المتلألئة المبتسمة .. عرفناهم لا يعدمون أن يجدوا في غمرة الشدائد والصعاب لحظات هناء ينعمون بها.
نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
-- أصبحت الحياة هرمة تشيخ قبل أن تتفتح أزاهير الحلم فيها، هذا هو الواقع الذي نعيشه، نحن في شبه غيبوبة عما يحدث حولنا، قد نشعر بنوع من الإيلام حينما نتذكر الماضي .. لن يقف الزمن !! ولا بد أن نؤمن أن الأيام لا تبقى على حال .. تدور رغم لحظات الحزن والشقاء، رغم الأفراح والمسرات ، لتترك في النفس الهامدة آثارها، حتى تتحول إلى زمن متفاعل، ينثر العبرات على هامش الحياة ..
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق