وأعني به قيادة السيارة، لم يكن يجول في خاطري أن أطرح درسًا في فن وآداب قيادة السيارة، وهذه هي المرة الأولى التي أمسك بها قلمًا لأكتب شيئًا في ما نشاهده اليوم من اختناقات، سرعة، حوادث، إصابات ووفيات ؛ فالقضية هنا ليست أمرًا يحدث دون أن يلتفت أحد إليه، كونها قضية عقائدية تمس حياة الإنسان !! اسمحوا لي بوقفة صغيرة لتسليط الضوء على بعض ما نراه في الطرقات من تجاوزات .. للمراجعة والتأمل حتى لا نقع في المزلق الخطير.
بداية، كثيرة هي الأشياء التي تحيرني في هذه الحياة ويتعذر عليَّ أن أجد تفسيرًا معقولًا لها.
أنا وأنت وألوف الملايين من أمثالنا عشنا عصاة لا نحترم القوانين إلا إذا ظلت القوانين قائمة على رؤوسنا ولا نتحرى عمل الواجب إلا مدفوعين بعامل الضرورة جلبا للمصلحة أو خوفًا من العقاب.
قد يتساءل البعض عن العلاقة بين التأدب وقيادة السيارة، والجواب أن قيادة السيارة ليست إلا مظهرًا من مظاهر السلوك الاجتماعي. ولا أظنني أبالغ إذا قلت إن المرء يستطيع في أيامنا هذه أن يحكم على مدى تحضر شعب ما وسلوكه من قيادته للسيارة التي أصبحت جزءًا من شخصية المجتمعات المختلفة.
كم مرة رأينا شابًا منطلقًا بسيارته كسهم لا يراعي أبسط مبادىء السلامة، يقود سيارته باستهتار وبلا مبالاة، وبمجرد النظر إليه، يشتاط غضبًا ويشتمك، وقد يطلب منك بصلف ووقاحة أن تمشي في سبيلك وإلا .. نعم قد ينتابه احساس خفي، لا تعرف ماذا يدور برأسه؟!
إن التهاون وعدم المبالاة في قضايا تمس حياة الإنسان يعتبر خيانة للأمانة، وهو خلاف تعاليم الدين الذي يربي الإنسان على أن يكون جادًّ في المحافظة على حياته وحياة الآخرين، وأن تكون تصرفاته المرورية، بعيدًا عن الفوضى واللامبالاة.
لا أحد ينكر سلوكيات بعض السائقين كون قيادتهم ينتابها قلة التركيز، والتوتر، وسرعة الغضب، فالسرعة العالية، وتخطي كل السيارات، والأقتراب شبه الألتصاق بالسيارة التي تسير أمامها، والتحول المفاجىء من مسار إلى آخر أو الانعطاف دون استخدام إشارة الانعطاف، واعتراض الطريق والتجاوز حتى لو اضطر إلى أن يصعد على الأرصفة، ومنع الآخرين من العبور ومضايقتهم أو إخافتهم، وقد يلجأ إلى استخدام بوق التنبيه بشكل مزعج أو الصراخ أو السباب في وجوه السائقين الآخرين أو حتى الإيماءات بإشارات وقحة لكل من يعترض طريقه دون ما قصد، وقد يضطر بعض السائقين لإخلاء الطريق لهذه السيارة أو تلك .. هي حالة جنون يعاني منها بعض الشباب والمراهقين أثناء قيادتهم للسيارة، فلم تعد الأرواح التي تزهق هدرًا تثير خوفهم.
لا شك في أن أسباب التهور في القيادة تعود إلى عوامل نفسية واجتماعية بالغة التعقد والعمق، فمعظم الشباب يتعاملون مع الطريق وحركة السير عليه وكأنه صراع .. صراع ضد الوقت وضد الآخر، يخرج من هذا الصراع بتجاوز كل القواعد والقوانين ليصل إلى حدود العبث بالأرواح. ظاهرة السرعة والقيادة الجنونية والإنزعاج من مستخدمي الطريق - سائقون، وركاب، وراكبو دراجات، ومشاة - صارت تستفحل أغلب الشباب، هم يعتقدون أن السياقة حرب حامية الوطيس ولابد أن ينتصر فيها مهما كلفه ذلك من ثمن، هم يعرِّضون حياتهم وحياة الآخرين للخطر .
الوضع صعب حيث أن الطريق فيه السائقون حديثو القيادة وكبار السن والمرأة وعابر الطريق، وهنا نتعامل مع فئات مختلفة الأعمار والثقافات والمستويات والسلوكيات المختلفة أيضًا، وقد لا ندرك أن الآخرين الذين يقودون سيارتهم قد ينتابهم سهو أو نسيان، فلابد من السائق أن يأخذ كل تلك التباينات بوعي لكي نحافظ على سلامة الآخرين.
لا زال الشاب يمارس فوضى القيادة .. السائق الذي تحوَّل إلى سهم آدمي بسيارته وكأن حياته نفسها تتوقف على تخطي كل سيارات البلد !!
لقد تجاوز الأمر حده، فعاش الناس في خوف وتخلى بعضهم عن القيادة نهائيًا نتيجة خوفهم من النتائج الكارثية.
من المؤكد أن العقوبات القاسية والموجعة وسيلة ناجعة جدًا يمكنها أن تقلل من الحوادث والإصابات القاتلة وخسارة الأرواح البريئة، لأن ما نراه على الواقع هي خسارة لازالت مستمرة جعلت من العقوبات أمرًا ثانويًا .
في لحظة معينة اختار هؤلاء أن يلغوا عقولهم، ويلغوا معها وجودهم كله{.. وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة:195]. لم يفكر هؤلاء الشباب على الأقل بأم ثكلى يتركونها وراءهم، ولا بأب مكلوم يتجرع غصة الفجيعة ما عاش، إنه درس بعيد في مثاليته .. ليتنا نتعلم فيه كيف تثبت الرجولة مستواها الصحيح ..
نبكي ونذرف الدمع السخين على أهلنا وأحبتنا وأبناء مجتمعنا كانوا بيننا وأمام أعيننا وفجأة وفي غمضة عين غادرونا، اللهم أرحمهم وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصاروا إليه، والصلاة والسلام على نبينا المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- أعجب لهؤلاء الشباب الذين يقدسون الحرية الشخصية ما يبيح لكل صاحب سيارة أن " يشطح " بها دون مراعاة حقوق الآخرين وحق الطريق، نراهم يملؤون الشوارع بصراخهم ويقلقون راحة الناس حتى في بيوتهم .. جيل يستحق مقتنا أو ازدراءنا !!
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق