#خاطرة_الجمعة « مَدرَسَةُ السَحَر في دعاء أبي حمزة الثمالي »
{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ سورة البقرة ، آية ١٨٦] .
في كل ليلة من أسحار شهر رمضان المبارك نقف على عدة تساؤلات وغيرها مع رائد العرفان ومعلم السير والسلوك الإمام زين العابدين وسيد الساجدين صلوات الله وسلامه عليه في دعائه المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي، دعاء تربية للروح، وتغذية للفكر، والمدرسة التي تعلمنا فلسفة الوجود، كيف نحيا؟ وكيف نعيش؟ وفيمَ نفكر؟ وفيمَ نهتم؟ وما الغاية من وجودنا؟ وإلامَ منتهانا؟ وما الأحداث الحتمية التي سنمرُّ عليها في رحلتنا إلى الله؟ وما أبرز التحديات التي تعترض طريقنا إليه؟ وما سُبل تجاوزها؟ صلوات الله وسلامه عليه؛ ليجيبنا على كل ذلك ببلاغة أسلوبه، ووضوح بيانه، وروعة صوره ومعانيه الزاخرة بالنور .
في هذا الدعاء يكشف لنا الإمام صلوات الله عليه صورة النفس لما هي عليه، في مختلف أبعادها ( الواقع )، ثم يرسم لنا ما ينبغي أن تكون عليه ( المفروض ) !.
هذه المراوحة والمقابلة المستمرة بين الواقع القاتم، والمأمول الزاهر، تسير في خطٍ متوازٍ في عبارات هذا الدعاء.
إنه الفضاء الأرحب الذي يمكن أن نرى فيه أنفسنا، ونُقِرُ بشجاعة المعترف بخطيئته، وتقصيره أمام نفسه، وحقها، ونقرُّ بأننا غير راضين عمَّا نحن فيه، ونعزم بطاقة المضطر أن نكون بالمستوى اللائق بجوهرنا.
عند التأمل في أسلوب هذا الدعاء الجليل نجد العديد من السمات الأسلوبية المميزة ومنها: البُعدُ البلاغي حيث الفصاحة الواضحة للألفاظ والجمل، والبلاغة الأسلوبية، وإبراز المعنى كصورة شاخصة متحركة أمام المتلقي. وهناك البُعدُ الدلالي في وحدة الموضوع وشمولية الدعاء، وارتكاز الدعاء على الجانب المعنوي الروحي والفكري، والتأكيد على الأصول الأساسية للدين وبالخصوص المبدأ والمعاد، والكشف عن طبيعة النفس بما هي عليه من واقع، والتأثر الواضح بالقرآن الكريم في غايته وتنوع أسلوبه، وبيان الصفات السلبية التي يتصف بها العبد ويتنزه عنها الرب ومثاله:
« سَيِّدي أَنَا الصَغيرُ الَّذي رَبَّيتَهُ، وأنَا الجاهِلُ الَّذي عَلَّمتَهُ، وأنَا الضّالُّ الَّذي هَدَيتَهُ، وأنَا الوَضيعُ الَّذي رَفَعتَهُ، وأنَا الخائِفُ الَّذي آمَنتَهُ، وَالجائِعُ الَّذي أشبَعتَهُ، وَالعَطشانُ الَّذي أروَيتَهُ، وَالعارِي الَّذي كَسَوتَهُ، وَالفَقيرُ الَّذي أغنَيتَهُ، وَالضَّعيفُ الَّذي قَوَّيتَهُ، وَالذَّليلُ الَّذي أعزَزتَهُ ... »
-- الدعاء والمناجاة روضة آل محمد صلى الله عليه وآله التي كانوا فيها يرتعون، وإليها يأوون، ومنها يعرجون !! هذه المكانة العالية التي لا تضاهيها مكانة « يا مَوْلايَ بِذِكْرِكَ عاشَ قَلْبي، وَبِمُناجاتِكَ بَرَّدْتُ أَلَمَ الْخَوْفِ عَنّي »
-- عندما تشتدُّ عليَّ الكربة ويضيق بي الخناق، ويأخذ نفسي الحزن والغم، وتحاصرني الشدة تتطلع نفسي إليك - يارب - لأنك أنت المفزع والغياث، أطلب الفرج منك لا من غيرك، ومن يكون غيرك، وما هو إلا مفتقرٌ مثلي؟ وحدك القادر على الانتقال بالحزن إلى الفرح، وبالعسر إلى اليسر، وبالغم إلى الفرج « يا مَفْزَعِي عِنْدَ كُرْبَتي، وَيا غَوْثي عِنْدَ شِدَّتي اِلَيْكَ فَزِعْتُ، وَبِكَ اسْتَغَثْتُ، وَبِكَ لُذْتُ لا أَلُوذُ بِسِواكَ وَلا أَطْلُبُ الْفَرَجَ إِلَّا مِنْكَ، فَأَغِثْني وَفَرِّجْ عَنّي .. »
-- دعواتي لكم بقبول صيامكم وصالح اعمالكم ويغفر الله لي ولكم .. وأن يحفظكم ويشافي مرضاكم ويرحم موتاكم .. ياواسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يارب العالمين .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
--- لا تزال هذه الأدعية تزخر بالكثير من المعاني المتعالية التي تنتظر موهبة فنان مبدع، وفيلسوف حصيف ، ومفكر متألق ؛ ليجلي لنا بعض معانيها المكتنزة، وخزائنها المكنونة.
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق