((مابين الحزن والفرح إحساس والتباس)) / ا. غالية المحروس


((مابين  الحزن والفرح إحساس والتباس))

 حين تحمل النفس هموما ثقيلة وحين يسيطرالحزن على العقل, هنا  يحتاج المرء حينها للبوح, رغم إن للبوح مساحات وطقوس!والجميع يدرك بأن الأفراح إذا قسمت زادت, والأحزان إذا قسمت قلت! هكذا أنا أبوح بالكتابة لكوني بارعة بالتلويح والتلميح دون تصريح. وهنا أقف اليوم ولا أملك سوى ضميري وفكري وقلمي ! وتجول في خاطري بعض الهموم  والهواجس, أحملها معي في كل كتاباتي, و سؤال يتيم دوما يدور في رأسي, ولكن يستحوذ علي التحفظ  فلا أسأله, ونحن في بداية رمضان ولا يزال الجو منعشا, وضعت يدي على فمي لأكتم آهة خرجت رغما عني, ولا أعلم هل هي صرخة احتجاج أم إنها ردة فعل داخلية؟! ومع الأسف  يختفي ويخرس صوت القلم أحيانا لإختناقه بما يجري, وبعدها ينفجر ويكتب ما يحصل من بعض التجاوزات والإسقاطات من البعض وللبعض متسائلة إلى متى؟

 قرأت ذات يوم حكمة: (لا تثقل يومك بهموم غدك فقد لا تجيء هموم غدك وتكون قد انحرمت سرور يومك). وهنا تتضح أوجاع البشر المدفونة على شواطيء الحياة, وقد غمرتها أمواج القلق والهموم وسارت بها وحملتها على أكتاف السنين.  لندرك جميعا إن الإنسان لا يخلو من حواجز ذاتية أو ظروف اجتماعية, يتوجب احترامها من قبل الآخرين مهما كان قربهم منا, إنها تلك النكهة الخاصة بنا التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها, لكي نحيا بسعادة و بلحظات جميلة صادقة قد لا تتكرر.

 ليس سرا أو عيبا ما سأذكره هنا, ولكن صدقا إن عيني مخزن عجيب للدموع وأصعب ما يوجعني ويجعلني أتمزق, هو الكذب والنفاق والجحود والنكران والخذلان بشتى أنواعه ومع أي كائن يكون, البعض يقول لي إن أجمل شيء عندي هي دمعتي, كيف لا أبكي ولا تدمع عيني! وفي كتاب الله الكريم مواطن سجود لا يدركها البعض في كثير من العبارات التي ترد فيه, ومع الدمعة التي ذكرتها أشد ما يحزنني في الحياة هو: أن أرى وجه زوجة طيبة صالحة وقد نجدها محرومة من الأمان  العائلي والعاطفي,وعاجزة عن البوح وكشف المخبوء,  ولكني أهمس لتلك الزوجة  وأمثالها: سوف تجدن الأمان والحب والإحترام في حضرة الله, ولعل القارئ يدرك ما ذكرته وقلوب البعض في لحظة احتضار, وإن فسرها البعض غير ذلك لن يستوقفني هذا! ولست متشائمة أو متعجبة من هذا الشأن! فالمسافات بين البشر طويلة ومتباعدة وتكاد تكون متباينة, حيثما يكون الوجع والقهر بطعم الشهد يكون الصدق.

 ليس غريبا أن نعلن الفرح, والأجمل أن يعلن الفرح عن نفسه بشكل تلقائي ومباشر دون استئذان,احتفال الفرح يصاحبه عادة توهج قلوب البشر بالسعادة والسرور, ولكن لمن نبوح بهمومنا وأوجاعنا! وهل هناك بنوك نستودع فيها أسرارنا!؟  ومتى نفوز على سواد أحزاننا الذي يملئ الكون ويستأصل السعادة والسكون من أرواحنا !؟ متى نستبدل ثياب الحزن السوداء بالأبيض لباس الطهر الملائكي؟ ما المانع من حذف مساحة الحزن من ذاكرتنا لو استطعنا ؟ إلى متى يستحوذ و يستوطن الحزن على قلوبنا وأرواحنا و تتوارثها أجيالنا؟ لماذا يتجول الحزن في نفوسنا ودواخلنا, و نسمح للحزن أن يسرق فرحتنا ويصادر بهجتنا ويستولي على توازننا؟ يا لها من ذاكرة عجيبة تلك التي تتواطئ مع الحزن والوجع المباح! لنحتفل معا ونزيح كل الحزن والسواد الجاثم فوق صدورنا فقلوبنا تحتضر فهل هناك من ينعش تلك القلوب؟

 ليس سهلا  أن نفضح عن عجزنا , في الإستمرار مع من سمحنا للبعض برفقتنا, ولابد من عتاب أخير قبل الإكتفاء بسكينة الصمت, ولابد أيضا من الإغتسال بالأحاسيس حد التعفف, وأعتذر وأتساءل عما أشعر به وهل هناك أحد يهمه الإستماع لهكذا أحاسيس! كم يؤسفني من يظن إن القلوب والنفوس مسرحا للتلاعب والتطاول الغير عادل, ويجهل إنه بهذا لا يخدع إلا إنسانيته! وعذري إني اغتسلت البوح لا بل الصمت تحت لطف السماء, راجية أن يصفى وينقى احساسي, وللأسف إن المرء يرغم أحيانا على ما يشاء ولا يجد القدرة الذاتية على البقاء نقيا.

 أتذكر كنت في صغري, أرى النعوش المحمولة إلى مثواها الأخير تمر بجانب منزلنا في حي باب الشمال وأمشي خطوات خلفها, في وقت كان فيه الكثير يهابون مجرد الإقتراب منها, لم يكن هناك إحساسي بالخوف من الموت, ولم أكن أستوعب حقيقته ولا أفهم إن كان هناك عذابا وحسابا ينتظر الميت, حيث تشغلنا الدنيا والركض خلف هموم الحياة عن حقيقة الموت وفلسفته!! والآن كثيرآ ما يستهويني الحديث عن الموت والقريب إلى قلبي ولا زلت لا أخشاه فشوقي لرؤوية الله لا حدود له! فلقد كتبت بجرأة قوية مقالا  "همسة فوق كفني" والأكثر جرأة أن أرثي نفسي بنص قوي " شيئ ما يشبه الرثاء".  والجميع يدرك بأن الموت حق على الجميع, لابد أن نكون مستعدين له ولكن بالعمل الصالح.

 وأخيرا أفرغت مافي جعبتي هنا من أحاسيس, ملأت داخلي وتزاحمت بالخروج, حيث قريحتي لا تقبل  إلا أن تقف في مكانها! هكذا أحيا على قيد وصدق البوح.

تعليقات

  1. جمال كلماتك .. وصدق بوحك العميق
    يضفي على أيام العمر بهجة وألوان رائعة
    كل مشاعرنا لحظات نعيشها بكل تفاصيلها
    ندخل كهف الحزن تارة وما نلبث إلا ان نعود إلى سماء الشمس المشرقة ..
    دمت بخير وسعادة غاليتي ..
    ابنتك
    نورا ❤️

    ردحذف

إرسال تعليق