#خاطرة_الجمعة « .. وتلك الأيام نداولها بين الناس .. »
✍️ يقال عمومًا إن الحاضر مؤلم، وإن المستقبل مصدر قلق، وإن الماضي هو المرحلة الزمنية الوحيدة الخالية من الألم والقلق، ولذا فهو دائمًا مثير للحنين .
لا يلحظ المرء تبدل أحوال الحياة اليومية من حوله، إلا عندما يستذكر ماضيه وطفولته، أو عندما يتطلع جيل معين إلى الجيل اللاحق به.
من الطريف أن ما يمحى من الذاكرة هو الحوادث والانطباعات القريبة العهد، بينما تبقى الذكريات القديمة، وهو ما نراه عند كبار السن، فهم لا يتذكرون ما حصل منذ عهد قريب ويتذكرون جيدًا ما حصل معهم أيام الشباب، ومن هنا تأتي حكاياتهم الطريفة والمشوقة والجميلة التي يكررونها دائمًا " أيه .. في أيامنا كان كذا وكذا .." أو القول " أيه .. رحم الله أيام زمان " فهم يتحسرون على تلك الأيام ..
والواقع أن الحياة حلوة لا تمل ولا يزهد فيها أحد رغم ما فيها من منغصات، وإذا كان الإنسان في شيخوخته يملّها ويزهدها حتى يقول " أف" للحياة منها، فإن ذلك الشيخ لا يمل الحياة ولا يكرهها، بل يكره ما يلقي من الوهن والضعف، لقد خلق الله في نفسه حب الحياة والحرص عليها. فكيف ينظر رجل بلغ الخمسين من العمر إلى الحياة ؟ في هذه السن يكون غالبية الرجال والنساء قد حددوا طريق حياتهم واستقرت أحوالهم وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أحلامهم وأمانيهم .. سواء في العمل أو في الحياة الاجتماعية، فالغالبية منهم أصبحوا خبراء، وربما مديرين أو ذوي مكانة اجتماعية مرموقة، وربما أصبح منهم التجار والصناع، كما أن جلهم أصبحوا آباء وأمهات .. وكلهم قد عرك من الحياة ما تعلمه في زهرة شبابه، إنها سن التميز والرشد .. ولكن ..
ولكن رغم ذلك فهي سن القلق والتوتر والهموم .. وهي سن الحصاد، وهي عند أناس زمن الجلوس على القمة أو الاقتراب منها .. لذا فهي زمن الخوف من السقوط .. أو الإخفاق والهزيمة .. وهي عند البعض سن الحساسية المفرطة .. والحزن أحيانًا .. والخوف كل الخوف من الاقتراب من الشيخوخة التي ما يفتأ هاجسها وشبحها لا يفارق خيالهم .. ورغم هذا - أيضًا - فهي عند البعض سن الاستقرار الذهني والعاطفي وزيادة الشكر لله تعالى على نعمائه. { حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }سورة الأحقاف، آية ١٥.
هذه المفارقات لها ضرائب وأثمان يدفعها الإنسان جهدًا ذهنيًا وبدنيًا لن تتركه إلا بانعكاسات تظهر في صحته سلبًا أو إيجابًا .
ليس من شك في أن كبار السن يتمتعون بالهدوء النفسي العميق والتحرر من الشهوات، والواحد منهم عندما يشعر باقتراب منيته يهتم بأمور ما كانت لتؤثر فيه من قبل، ويحاسب نفسه على ما ارتكب من أخطاء، فإن وجد حياته مليئة بما ارتكب من ظلم أقض هذا الشعور مضجعه، وطارده شبح المصير الذي ينتظره، وإذا لم يؤنبه ضميره فإنه يستمتع بالأمل الحلو الذي يداعب نفسه.
- اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصارواإليه .
~ اللهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد ~
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
- طالما أن المرء منا يملك شفافية الحسّ وحضور العقل، فعمره ربيع دائم، وإن زاد رصيد العمر من السنين، والقلب النابض بالحب والتسامح والنقاء لا يدركه الخريف أبدًا !!
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق