« #خاطرة_الجمعة « صدقة السرّ في منهج زين العابدين (ع) »
✍️ توالت الإحياءات والإحتفالات بمناسبة مواليد المعصومين عليهم السلام، أيام مباركة نعيشها بعطاءات تصب في صالح الإنسان في دنياه وآخرته، وتملأ النفس الإنساني بالفرحة والبهجة والسرور، إحياء ذكرى العظماء موجب للأجر والثواب والخيرات، يزداد فيه إقبال المؤمن على ربه، واتصاله بمجتمعه، ينبغي أن يتحقق فيها أكبر قدر من الاهتمام بالفقراء والمساكين لتعم بركة هذه الأيام عليهم، وليشعروا بتعاطف المجتمع معهم، وأنهم جزء غير مهمل من مجتمعهم .. فأكثروا العطاء والصدقة فيه .
- الله هو المعطي الرازق المثيب، وهو الذي يدعوك إلى الإنفاق والتصدق والعطاء .. وإذا كان للعطاء والصدقة فضل عظيم عند الله عز وجل، فإن إخفائها عن أعين الناس يعني إحراز الأجر الدائم والثواب غير المنقطع من الله سبحانه.
من وصايا الإمام جعفر الصادق عليه السلام: « لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك، فإنك إن فعلت ذلك، فقد استوفيت أجرك، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك، فإن الذي تتصدق له سرًا يجزيك علانية على رؤوس الأشهاد في اليوم الذي لا يضرك أن لا يطلع الناس على صدقتك » (تحف العقول ص٢٠٧ ).
- في الإسلام لا يجوز للشخص أن يريق ماء وجه أخيه المسلم، لأن كرامة المحتاج ليست ملكًا من أملاك أي شخص، بل هي ملك الله ولا يجوز لأي شخص التنازل عنها؛ مراعاةً للمشاعر الإنسانية.
- من ألزم شروط العطاء الإخلاص لله تعالى في النية والعمل، لأن القلب المبتلى بالرياء وحب الظهور قلبٌ ملوثٌ بأوساخ الغفلة، ومحجوب بظلمات حُبِّ الذات، الذي يقود صاحبه إلى غير سبيل الصالحين، فيتحرك صاحبه في الساحة الاجتماعية من موقع تحقيق مصالحه الشخصية، واشباع رغباته، لذا أكد الإسلام على خلوص النية لله تعالى، والإنسان مهما حاول إخفاء الوجه الحقيقي لدوافعه، سيظهر في لحظة ضعف أو تعارض مصالح، فيتبين أن ما كان ظاهره لله هو في حقيقته للنفس والهوى.
يستحسن أن يمارس المؤمن عمل الخير ويربّي نفسه على العطاء والسخاء، وتحمّل المسؤولية الاجتماعية، فأفضل الصدقات هي الصدقة التي تكون النية صادقة وعامرة بالحب من دون تمنن أو انتظار مقابل من الذي نعطيه، يقول سبحانه وتعالى: { الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة البقرة، الآية ٢٦٢ .
- أهل البيت عليهم السلام يتبوؤون المواقع المتقدمة في صدقة السر وثراء عطائهم بكل جدارة واقتدار مقارنة بما يؤديه بقية البشر.
في هذه الليلة المباركة .. مناسبة عظيمة، هي ذكرى ولادة رائد العرفان ومعلم السير والسلوك الإمام علي بن الحسين - زين العابدين وسيد الساجدين صلوات الله عليه، فقد كان جوادًا سخيًا، ورعًا تقيًا ذا مهابةٍ ووقار .. أمَّا عن سَخَائِهِ وجُودِهِ فُيروى أنَّ بُيوتًا في المدينةِ، كانتْ تَعيشُ على صَدَقاتِ الإمامِ عليه السَّلامُ ولا تدري من أين تَعيشُ، فلمَّا ماتَ عليه السَّلامُ فَقَدُوا ما كانَ يَأتِيهِمْ، فعَلِمُوا بِأنَّهُ هوَ الَّذي كانَ يُعيلُهُمْ وقالُوا: ما فَقَدْنَا صَدقَةَ السِّرِّ حتَّى فَقَدْنا عليَّ بن الحُسين زين العابدينَ .
لا عَجبَ في كُلِّ ما تقدَّم، فزينُ العابِدينَ عليهِ السلام، هو رابعُ الأئِمةِ الأطهارِ المُجتَبينَ، ورثةِ العلمِ عن رسولِ ربِّ العالمينَ، مَشاعِلِ نورٍ تُضيءُ للأجيالِ طريقَها إلى الخيرِ والصَّلاحِ، فأحْر بِنا أن ننهجَ منهجهم، ونسلكَ مسالِكَهم، ونتخلق بأخلاقهم، ومع القرآنِ نتبِعهم " وأنَّهما لن يفترِقا حتى يَرِدا عليه الحَوضَ .
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَيِّدَ الْعابِدينَ وَسُلالَةَ الْوَصِيّينَ.
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والتوفيق لعمل الخيرات وكسب الحسنات .. نسأله سبحانه وتعالى أن يشافي مرضانا ومرضاكم ومرضى المؤمنين والمؤمنات وأن يقضي حوائج الجميع وأن يرحم موتى المؤمنين والمؤمنات بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين .
تهانينا وتبريكاتنا للجميع
وكل عام وأنتم بخير
_________
- مما ينسب إلى الإمام زين العابدين عليه السلام وهو يتحدث كما هو الحال في كُلِّ أدعية الاعتراف بلسان الإنسان بما هو إنسان الذي يتعرض للخطايا والزلل والتقصير في جنب الله، لا بلسانه كإمام معصوم من الزلل والدنس والدنوب، وهو بهذا يعلمنا كيف نلجأ إلى الله تعالى ونعترف عنده. « ويلي كلما طال عمري كثُرتْ خطايايَ أما آن لي أن أستحي من ربي ».
نشارككم الأفراح والمسرات/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق