لا أرى أي سبب للإعتذار عن تقدمي في السن / ا. غالية المحروس

 


لا أرى أي سبب للإعتذار عن تقدمي في السن

 أخيرا، بدأت أكتب عن كوني امرأة أكبر سنا، وعن السكون في كتاباتي، وسأكتب عن المشاعر الخام التي بداخلي، والحاجة إلى الإنتقال، والرغبة في تبسيط الحياة إلى معنى جديد غير مألوف عن الشيخوخة!  الشيخوخة ليست كلمة سيئة و ليست مرضا. لقد أمضيت وقتًا طويلًا وعملت كثيرًا لأكون هنا, ولا أرى أي سبب للإعتذار عن تقدمي في السن. العمرالطويل  يجلب الخبرة والحكمة والاحترام والسلام والجمال. فلماذا نحن قلقون جدا منه؟!  نعم لست قلقة أبدا بشأن تقدمي في السن! أنا نشيطة جدًا وبصحة جيدة. ومازلت أتابع الأخبار والثقافة وأمارس القراءة والكتابة وأرسل يومياتي الهادفة لمن يستحق فكري . فلا أهتم حقًا إذا كان الناس يعتقدون أنني كبرت في السن! في رأيي فأنا لست كذلك ولا اشعر بذلك, لا تزال روحي شابة إنه مجرد رقم ليس إلا.  

عذرا ماذا تقول عندما يسألك شخص عن عمرك؟! إذا كان العمر مجرد رقم، فما هو الرقم الذي يشير إلى الشيخوخة؟! إذا كنت لا تصدق أرقام عمرك،إذا آمن بروحك وعش حياتك وأنسى عمرك الرقمي، البعض يحسدنا أقصد يغبطنا نحن النساء المتقدمات في السن,وذلك بما لدينا الرغبة في العيش كل هذه المدة، وليس لأننا نريد أن نكون بهذا العمر. ولعل شيخوختنا بطريقة ما أسعد فترة في الحياة. فالشيخوخة شيء! يجعلك تتذكر الأمس دائمًا.

 في كل مرحلة من مراحل الحياة، هناك تجارب رائعة يمكن للمرء أن يستمتع بها, ورؤى قيمة يمكن للمرء أن يستوعبها.  كل عقد جديد، وفي الواقع، كل عام جديد يحمل معه الحكمة والتحول والنمو, فضلاً عن النهايات والبدايات. ومع ذلك, يعتقد الكثير من الناس, أن هناك عمرًا واحدًا يتفوق على الأعمار الأخرى.  في الواقع إنهم يستهلكون طاقتهم في محاولة الوصول إليه, وبمجرد مروره يحاولون الإحتفاظ به! لكن الرغبة في أن تكون أصغر أو أكبر هو إنكار للواقع والمنطق. نعم إن التمسك بعمر واحد, قد يجعل من الصعب تقدير كل عمر جديد تصل إليه!  حيث إن الاستمتاع بمباهج ومراحل عمرك، سواء كنت في العشرينات أو الأربعينيات أو الستينيات وحتى  الثمانينات من العمر، يمكن أن يساعدك على رؤية رائعة وفائدة الفصول المعقدة في حياتك.

 كل عام جديد يهديه لنا رب وخالق الكون, مليء بالتجارب المثيرة وغير المألوفة. في العشرينات من عمرنا، يمكننا احتضان طاقة الشباب وعملية التعلم والتعليم، مع العلم أنه من الطبيعي ألا يكون لدينا كل الإجابات! بينما ننتقل إلى العقد الثالث من عمرنا، نصبح أكثر ثقة بالنفس, مع تجاوز الإرتباك والحرج والتردد الذي اجتاحنا في مرحلة البلوغ.  حينها يمكننا تكريم هذه السنوات من خلال وضع مخاوفنا من الشيخوخة جانبًا, والتركيز بدلاً من ذلك على ترسيخ قيمنا والإستمتاع بنضجنا العاطفي المتزايد.  في الأربعينيات من عمرنا, ندرك الحكمة التي اكتسبناها من خلال تجربة الحياة وننعم بالقدرة على استغلالها بشكل إيجابي. في الخمسينيات من عمرنا, نميل إلى النجاح في إعادة تقييم منتصف العمر وإعطاء الأولوية لحياتنا. وفي العقود التالية, نكتشف إحساسا بالحرية أكبر مما عرفناه من قبل, ويمكننا حقًا الإستمتاع بذكرى كل ما رأيناه وفعلناه.  ومع تقدم العمر  تأتي الحكمة والوضوح، ولكنها يمكن أن تجلب الخوف أيضًا للبعض، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقدرة على الإستمرار في القيام بالأشياء التي تستهويه ويفضلها  مع التقدم في السن. لنحاول أن نستمتع بالعمر الذي نحن فيه الآن، فكل عصر وعمر يقدم حكمته الفريدة التي يجب تذوقها.                ا                                         
بعض النساء اللاتي أتحدث إليهن يشعرن بالخوف الشديد من التقدم في السن. أشعر بخيبة أمل داخلهن. يقولون أشياء لأنفسهن مثل أنني لن أعيش لأكون عجوزا. رسالتي للبعض قائلة: أنني أعيش حياة أجمل بكثير. لا أفكر أبداً في العمر. أعتقد أن عمري هو ما أشعر به تماما. لقد رأيت نساء في الأربعين من العمر ونساء في السبعين من العمر شابات. طالما يعتنين بأنفسهن جسديا وعقليا وعاطفيًا، حتما سيبقين شابات روحيا.

أعتقد من وجهة نظري, أننا نعيش في ثقافة مجتمع يقدر الشباب أكثر من العمر، وأكثر من ذلك عند النساء. ليس كل النساء يكشفن عن أعمارهن. لكنني لا أرى العمر أمر أحتاج إلى إخفائه. سنوات عمري هي جزء مما أنا عليه. واعتبر ذلك ليست مشكلة ما فالعمر يخصني أنا. تعلمت ذلك من صديقتي العزيزة الراحلة "سلوى عبد الحي|"  قبل سنوات من رحيلها,  وأنا أشعر بكل لحظة من حياتي وعمري معها. لذلك العمر,  بالنسبة للعديد من النساء,  يمكنها أن تتحدث عن عظمتها بتواضعها بجمالها بقصة حياتها ,  ولكن ليس بعدد السنوات. قد تشعر بالسلام عندما تخبر الجميع بعمرك,  ولكن قد لا يشعر البعض بنفس الشعور الذي نشعر به.  خلال تلك الأوقات القليلة الماضية, تذكرت مراحل حياتي, التي تتضمن تلك العقود من الحياة الزوجية السعيدة الهادئة, والعقود من الأمومة! ألم أكن بالأمس عروسًا شابة أحاول معرفة كيفية التخطيط لأكون زوجة صالحة, أو أفضل أم, أوأمسك لساني للرد على شخص ما بلطف! أعلم أنه لا يزال أمامي طريق طويل لأقطعه, لكنني قطعت طريقًا طويلًا أيضًا. أتوقف وأفكر في مدى ما أفعله, بالتأكيد أكثر مما كنت أفعله في العشرينات من عمري.

 لي سؤالا خاطفا غير مغرضا للبعض, هل أنت ممتن لأنك لست صغيرا؟ بالنسبة لي قد أقول, من الجيد أنني تقدمت في السن، وإلا لكنت ميتة. ولكن الحمدلله فالجو دافئ  وأنا لا زلت على قيد الحياة، والأجمل أنا هادئة وسعيدة  بالكاد أعرف السبب. إذن يحمل عمري اليوم عددا من العقود الطويلة ولن يفيدك الرقم وكإنك تمارس فضولك الغير حضاري لتسأل شخصا ثريا كم تملك من المال! لربما يرد عليك الحمدلله لدي الخير الكثير ! نعم لا زلت استيقظ مبكرا ولازلت أتواصل مع صديقاتي, ولا تزال لدي قوتي وطاقتي,  ولازلت بإمكاني القيام بكل الأشياء التي ألتزم بها, و مازلت أبدو بحالة جيدة وذاكرة قوية.  إذا أنا لا زلت قادرة لأستمتع بعمري.ولا زلت مندهشة ممن يقاوم الكثير من الأشخاص التحول ولن أتطرق لعمليات التجميل أبدا، وبالتالي لا يسمحون لأنفسهم أبدًا بالاستمتاع بما هم عليه. لنحتضن التغيير الطبيعي الكوني مهما كان وبمجرد القيام بذلك, يمكننا التعرف على العالم الجديد الذي نعيش فيه والاستفادة منه. لا يزال لدينا كل ما نبذله من الخبرة الجيدة بفضل السنوات الطويلة التي وهبنا الله إياها وأنعم الله علينا بها.

اعتذر ثانية  لقد داهمني سؤالا آخر: ماذا يعني أن تكبر؟ كلما كبرت، أدركت أن النضوج هو في حد ذاته مغالطة, لأنه في أي عمر، يتمتع كل شخص بالوجه الذي يستحقه. اسأل نفسك الآن إذا كنت تشعر حقًا بإختلاف كبير عما كنت تشعر به قبل سنوات قليلة, نعم من بضع سنوات! 

من فضلك لا تحرمني من  التحدث عن عمري الذي  أتمتع وأتباهى به دوما, لقد كسبت ذلك من أمي الراحلة كانت  جميلة بصبرها بتوازنها بأوجاعها, أتمنى أن أكبر أكثر وأكون مثلها. رغم إنني منذ صغري وأنا أحمل الكثير عنها ومنها, وكانت لدي فكرة مختلفة تماماً عما سيبدو عليه مستقبلي على المدى الطويل. كنت مسؤولة ولدي عدد كبير من المسؤوليات التي فاقت سنين عمري. لا أزال لدي نفس الاهتمامات, ونفس الشخصية, وما زلت أتمتع بجمالي الداخلي وصدقي الحقيقي وبثقة كاملة في نفسي وفي قدراتي. ولكن هل كنت حقًا استئثنائية ومختلفة إلى هذا الحد؟ لم اكن أتخيل أن يكون لدي مسؤوليات الكبار! وكان علي أن أكون  ناضجة و كنت ملتزمة بتحسين نفسي وأتحسن يوما بعد يوم.

 من بين العديد من صديقاتي، شجعتني رؤية الخيارات الجيدة التي يتم اتخاذها. من الممكن أن نعيش حياة تكون بمثابة أمثلة جيدة وتقف بقوة في مواجهة الأنانية العالية.

ربما أحكي شيئاً عن إحدى صديقاتي  والتي أخبرتني بذلك, كانت  تعتقد أن التقدم في السن كان أكبر مفاجأة في حياتها. وكانت تعتقد أنها قد تضطر إلى أن تكبر دون أن تدرك .  أتذكر أنني أخبرتها أن هذه ليست مأساة النضوج رغم ذلك! عندما تنظر إلى تلك المرآة وترى نفس الشخص الذي كانت تراه دائمًا، فهذا يعني أنك مازلت أنت!  لقد كنت دائما أنت و سوف تكوني دائما أنت! ولا شيء يجب أن يتغير, بما يخص عدم التقدم في  السن والشعور بالضغط من أجل النمو. لذلك أخبرتها أيضا في يوم من الأيام عندما تستيقظ وتدرك أن كل ما هي عليه وكل ما تشعر به لا يختلف كثيرًا عما يشعر به الآخرون. وأخبرتها أيضًا أنك تكبرين كل عام، وكل يوم، وكل ساعة. وفجأة أجد نفسي متسائلة: ما الذي كنت أفعله بالضبط بكل هذا الوقت الذي أمضيته قبل أن أعتقد أن حياتي ستبدأ أجمل وأهدأ ؟ هذا هو الواقع، لو كشفت جميع النساء عن أعمارهن، فلن يكون لدى  بعض الرجال ما يخفونه عن بعضهم البعض.ولكني اقول بإختصار: العمر ليس له حقيقة إلا في العالم المادي. حياتنا الداخلية أبدية، وهذا يعني أن أرواحنا تظل شابة كما كانت عندما كنا صغارًا. لنفكر في الحياة على أنها نعمة، وليست وسيلة لتحقيق أي شيء.

 غالية محروس المحروس

تعليقات