# خاطرة_الجمعة « مَنِ الأولَى بالعفو؟ » / ا. منصور الصلبوخ


# خاطرة
_
الجمعة « مَنِ الأولَى بالعفو؟ »

✍️ إن المؤمنين يأنسون بهذه الأشهر المباركة، لأنها أفضل فرصة لهم للقاء الله ولمناجاته، ولحطّ الدنوب، ولتجاوز العيوب، وللقرب من الله سبحانه وتعالى، وللفوز برضاه وجنته.

في هذه الليلة المباركة ليلة الرغائب من أيام الله يرغب بها العبد إلى الله عز وجل ويطلب منه، ويُلح في طلبه، والطلب من الله من غير يأسٍ من بطء الإجابة، ولا ملل من الدعاء، وكيف ييأسُ من داق حلاوة الدعاء؟ فما استمراره في هذا التوفيق العظيم إلا إجابة. يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله: { إنَّ الله يُحِبُّ الملحِّين بالدعاء }.

يقال: إن الأخلاق كلها ترجع إلى القوة، فلا يرحم إلا القوي، ولا يملك العطاء إلا القوي، ولا يعفو إلا القوي، وهكذا، فكل خلق حميد دليل على قوة ..

من صفات الله عز وجل العفو عن عباده رغم قدرته على عقابهم، فالله العفو القدير، { إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوٓءٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } [ سورة النساء ، الآية: ١٤٩] .

هناك من الناس حينما تقول له: " اصفح عن أخيك "، " اغفر لزميلك"، يقول:" لا تدري أنت ماذا عمل"؟ وماذا فعل بي؟ وكيف سمحت له نفسه بذلك؟.. ولكنك ماذا عملت أنت أيضًا تجاه الله !! إنك تريد من الله أن يغفر لك دنوبك مهما كانت كبيرة وعظيمة، وما قدر هذه الذنوب التي تتعلق بقضايا الحياة أمام الذنوب التي تريد عفو الله تعالى عنها؟ يقول الله تعالى:{ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[ سورة النور، الآية، ٢٢].

على الإنسان إذا أراد عفو الله سبحانه وتعالى، أن يسعى إلى عفوه بالعفو عن الناس، وخاصة من الأرحام والأقرباء، والجيران والزملاء، هؤلاء الذين قد يكونون أساؤوا إليك، وفي قلبك عليهم أو على أحدهم موجدة، بادر للعفو عنهم .

إن صديقك ليس ملكًا، ولا نبيًا وإنما هو بشر .. يصيب ويخطىء، ومن حقه عليك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله أن تغفر له زلته وتتجاوز عن خطيئته، ولا يجوز لك أن تحتفظ بزلته، لتستعملها كسلاح ضده حينما تشاء.

يصعب على النفس الإنسانية أن تسامح أو تعفو عمن ظلمها، لأن هذه النفس تتصف بالضعف والجهل، وبالتالي تميل إلى استنكار تلك الإساءة وتتمنى لو أنها لم تحدث، فتفكر فيها كثيرًا وقد تسيطر على تفكيرها، وقد يقودها ذلك إلى الرغبة في الانتقام ..

عندما نرفض العفو عمن ظلمنا فإننا نغذي الغضب والألم بداخلنا، وقد تبقى الجراح مفتوحة .. لا تغضب الناس كما لا تتأثر منهم وتحقد عليهم لأن نفسك شديدة الانفعال، وتميل إلى التشاؤم، ولا تطلب من الناس أكثر مما يستطيعون .. هناك فرقًا كبيرًا بين الحسنة والسيئة، فإذا من أساء إليك دفعته عنك بالعفو عنه والإحسان إليه، سوف تقوده مصافاتك له وحنوك عليه إلى أن يصبح قريبًا إليك .

لا يعني أن تسامح من أساء إليك أن تكبت غضبك، ولا يعني أنك قبلت الإساءة أو أنك قللت من شأنها، بل يعني أنك وصلت إلى مرحلة من النصج والحكمة مما جعلك تفهم أن القوة في التسامح .

من صبر على الإساءة، وتحمل مسؤولية ما يشعر به من معاناة؛ ربح نفسه، ونَعِم بالسكينة والأمان المرتبطين بصفاء العقل .. بالتسامح نساعد أنفسنا على التخلص من تراكمات المشاعر المرضية، وسوف تقودنا إلى الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة.

فمن كان يحبّ ويريد مغفرة الله وعفوه، فأفضل طريق لذلك هو العفو عمّن أساء إليه مهما كانت إساءته، تقرّب إلى الله تعالى بالعفو عمن أساء إليك، وبالصفح عن إساءته، وخاصة إذا كان من الأرحام والاقرباء، فهذا أفضل الطرق، وخير دواء تقوم به بين الناس، فالشخصية المتسامحة حينما تتقبّل ذاتها، وتحكم على ذاتها بالتسامح والعفو، ستتقبّل الآخرين أيضًا، وتحكم على ذواتهم بالتسامح من خلال نظرتها عن ذاتها، والعكس هو الصحيح أيضًا .

- أسأل رب السماء أن يمتعكم بخصال حميدة وطباع كريمة هي في الكفة الراجحة من ميزان الأخلاق، وأن يرحم موتانا وموتاكم وموتى المؤمنين والمؤمنات بحق النبي وآله صلى الله عليهم أجمعين.


*طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.*

___________________________

علمتني الحياة أن ألتمس العذر وأصفح عند المقدرة، فالناس جميعًا - وأنا معهم - يخطئون في ساعة غضب أو في فورة حماسة أو في حالة استفزاز، وإذا كنت أتوقع من الناس أن تعذر ما لا يروق لهم من تصرفاتي، فلا أقل من أن أكون لهم عذيرًا صفوحًا، فالصفح من الشمائل الإنسانية السامية التي يصح للمرء أن يتجمل بها .

- « اللّهُمَّ إِنَّكَ أَنْزَلْتَ فِي كِتابِكَ أَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنا وَقْدْ ظَلَمْنا أَنْفُسَنا، فَاعْفُ عَنّا فَإِنَّكَ أَوْلى بِذلِكَ مِنّا .. » (دعاء أبي حمزة الثمالي).

محبكم/ منصور الصلبوخ.

تعليقات