عندما تتحول العبادة والعلاقة مع الله الى انس معه "يا مَنْ اَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْر" (2) / الشيخ حسين البيات
عندما تتحول العبادة والعلاقة مع الله الى انس معه "يا مَنْ اَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْر" (2)
مدخل: ما لم تتحول
العبادة والعلاقة مع الله الى انس بالحديث معه وعبادته فان الامل لا يتحول الى
قيمة عملية تؤدي دورا اصلاحيا لمسيرة الانسان وتحليقه في سماء الطاعة لان الغاية
والعمل والإرادة يصنعون منظومة قوية لمواجهة حالة النكوص والتراجع عن طاعة الله.
وما لم تشحن النفس
بطاقة كافية من الامل والرجاء للوصول الى الهدف الأسمى فانه يتأرجح بين الذنب
والطاعة النسبية.
الرجاء والقنوط
الرجاء هو الامل والاسترحام ويضاده القنوط والياس، فلقد رجوتُ الكثيرين غيرك ولم
يوفوا لي رجائي ويكفي يا رب أنك رجائي لكل خير احتاجه في حياتي ومماتي، فقد فتحتَ
ابوابك لكل عبادك،
ومن أجمل ما تجده في هذه الفقرة هو عنوانان
متناسقان وهما "الرجاء والخير" فان الرجاء هو توقع المطلوب مما يسر
ويضاده الخوف مما يضر، فناسب لفظ الرجاء بلفظ "الخير" وهو مضاد للشر
ومعنى الخير الإلهي هو الثواب والرضى وهو أكملها ثم لطفه بعباده من النعم وحفظ
النفس والحياة والامن من النوائب ويجمعها الاستقرار النفسي والامن الحياتي.
الخير من المطلق لا حدود له ومن المحدود حسب قدرته
وامكانه الزماني والمكاني؛ فانت تطلب من شخص مالا او حاجة هي بحدود قدراته ولكنك
امام الله لا تجد لطلبك حدودا ولا لحاجتك وقتا "وبابك مفتوح لطالبيك"
وقد نستكثر طلب عفوه لسنين من الذنوب والمعاصي فنقع في دائرة القنوط واليأس من
مغفرته سبحانه، ولمَ القنوط وهو يقول: "إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ".
ولعلنا نواجه اشكالا في حصر الخير منه سبحانه
حينما يتعلق عموم الجار والمجرور بالرجاء وكأنه لا يوجد اي خير من غيره سبحانه
بينما نجد خيرات كثيرة من الناس في عطائهم ونفعهم؟
وان نظرنا
الى سلسلة العطاء فإنها مهما امتدت فإنها تنتهي الى موجد الكون ومالكه ومفيض النعم
ولا يوجد مصدر للخير حقيقة الا هو سبحانه والا فكل أطراف الخير هي إضافات تنتهي اليه
سبحانه واهب الخير والحياة.
نعم قد يجد الاشكال مكانا له لو كان التعبير
"لا ارجو الخير الا منه" فيكون حصرا خاصا به ومع ذلك فإننا امام خير
سببي ومسببي،
والخير السببي الحقيقي الذي ينتهي له كل سبب
لا يكون الا منه سبحانه لأنه هو فيض الخير والنعم والحياة واقعا، وما يأتي في
سلسلة الأسباب والمسببات تنتهي اليه سبحانه لأنه هو مفيض الحياة والنعم ومهما كان
الممكن سببا في خير فانه يرجع في الأخير اليه سبحانه وتعالى، ومهما كان نوع
المنعمين فان الممكن في وجوده وعطائه هو بفيض المنعم المطلق سبحانه وتعالى واهب
الحياة والوجود.
تعليقات
إرسال تعليق