تجربة الحب السنغافورية (1/ 2) / ا. كاظم الشبيب

 


تجربة الحب السنغافورية (1/ 2)

يمكننا اعتبار التجربة السنغافورية أنموذجاً رائعاً لمواجهة الكراهية بالحب. تقوم التجربة على قاعدة أن التواصل بين الناس يساهم في تعارفهم، تقاربهم، تفاهمهم، تزاوجهم، ومن ثم تبادلهم للمصالح والعمل المشترك على حماية أنفسهم. بينما منهج القطيعة يبدأ بالتباعد، ثم سوء الفهم والتفاهم، وبالتالي التنافر والخشية على الذات من الأخر. يحدث ذلك على مستوى الأفراد وكذلك على مستوى الجماعات.

لقد كانت سنغافورة حتى العام 1965 مستعمرة إنكليزية، وكما في كل المستعمرات، كانت مختلف التجمعات المتعددة ثقافياً، منطوية على نفسها، وتمارس كل منها، بصورة مستقلة، عاداتها، ونظامها الداخلي، وآلية رقابتها وتماسك التجمع، ولكن دون أن يكون في داخلها أي تجديد ممكن. "إن تأسيس دولة سنغافورة، عام 1965، أدى إلى دينامية تاريخية حركت تجمعاتها كلها، كما أدى إلى تطورات جديدة على مستوى الهوية، يرافقها نظام اقتصادي منفتح على الخارج، ومبدأ الاستحقاق الفردي من خلال الترقية الثقافية والجماعية، بعدما تتحول الجماعة إلى خلاصة للتجمعات التي تعمل من أجل مصير تاريخي واحد، قائم على التضامن. ويسوغ هذا المصير التاريخي النجاح الاقتصادي، والفعالية السياسية، والحرية التعاقدية (Contractuelle)، بالإضافة إلى نظام تربوي يعترف بتعددية الجماعات، ويفرض لغة رسمية مشتركة تسمح بالانفتاح على العالم الخارجي الحديث، واللغة المقصودة هي الإنكليزية.*1

 رغم أنها كانت محسوبة على دول العالم الثالث إلا أنها استطاعت أن تتجاوز عقبات التنمية التي تعاني منها أغلب دول العالم الثالث، بل هي من البلدان التي تمتاز بالحياة العصرية وأصبحت وجهة لسياحة جميع شعوب العالم. وهي رغم أن عدد سكانها يبلغ 4.680.600 نسمة، فهي متعددة الديانات: الديانة البوذية تبلغ 51%، والديانة المسيحية تبلغ 15%، والديانة الإسلامية تبلغ 14%.

وتعتبر سنغافورة متعددة الثقافات بحكم تنوع الجنسيات - الأعراق- فيها، فـ 75% من سكانها ينتمون للعقيدة الصينية، و15%ماليزيون، و7% من الهنود. رغم كل ذلك لا تعرف سنغافورة المشاكل الطائفية والصراعات المذهبية، بل استفادت من هذا التنوع الديني والمذهبي والثقافي لرفد التنمية فيها وبالتالي رفاهية المواطن.

أثبتت التجربة السنغافورية أن من تداعيات الكراهية بين الجماعات أنها تمسي دوامة تتضاعف قوتها، لا تتوقف ولا تنتهي، فكل كراهية تجلب أختها، وكل شتيمة تجلب أخواتها، وكل عنف لا يولد إلا عنف أشد منه. حينها لا يمكن أن يُصدق المتكارهون بوجود فرصة لحب بعضهم. لأن "الحب يلهينا عن الاخطاء، أما الكراهية فتعمينا عن الحقائق" كما يقول إيبا عزرا وهو أحد الأنبياء الإسرائيليين (480-440 ق.م).*2 لذا يمكننا أخذ التجربة السنغافورية كنموذج لتحول التكاره إلى تعايش، ثم إلى محبة بين أهل الهويات المختلفة.

في المقطع المرفق تأكيد للفكرة بعنوان "سنغافورة نموذج للتعايش الديني والعرقي":

https://www.youtube.com/watch?v=S4Xru3K2CqM

مع خالص تحياتي

أخوكم: كاظم الشبيب/ أبو أحمد

13/ 1/ 2024


*1 كتاب تساؤلات حول الهوية العربية، مجموعة من الكتاب ص ٥-٦.

*2 موقع حكم نت.

تعليقات