(حين يكون صدق الإحساس هوية يبدأ حينها الهاجس عند الكاتب)
عندما استيقظت لصلاة الفجر , ارتأيت أن أكف عن التلفت للوراء, ولا أكف عن التأمل في صمتي دون عزلة, رغم إن العزلة والتواري عن الأنظار لفترة ما, ليست صعبة مهما كانت قاسية في بعض الأحيان ! بل هي فسحة الروح الحقيقية وملاذها! ولكني ما زلت أرتكب وأطارد الكتابة بمزاجي! لعلني أتمكن أن أكتب نصا يشبهني, وما زلت أطارد نفسي لأكتب لذاتي وعن ذاتي وإن كنت سأكتب على ورقة صامتة لاتستوقف البعض, أكتب وأنا أستحلف الشتاء الواعد بأمطاره وبرودته التي طال انتظارها, أن تهدأ النفوس المريضة وأنا مضطرة بقول ذلك, لأني ما زلت أرتدي الحياة متفائلة.
أكتب وأنا أقرأ بصوت أقرب إلى الهمس, قد يلفني الصمت بحضور قلمي وورقتي, وأنا أحمل في فكري كنزا من التجارب و الذكريات وتدعمني جرأتي الأدبية, أدرك أسماء تصعد وأخرى تتعثر, ولم تبدل أو تغير معدني الأوسمة والشهادات التقديرية التي فاق عددها ذاكرتي, أعيش بضمير حي وقلب أبيض وحب واحترام للناس , هناك قصص وأسماء وأحداث وهناك كلام يباح وسر يكتم, وحديث مفتوح قد أعود لأكتبه ذات يوم, و أشعر بأن العالم أسرة واحدة والكلمة بيت دافئ !وفي كل مرة أكتشف فيه مخاضا إنسانيا وهالة فكرية تتربع في ثنايا هاجسي.
لقد علمتني الكتابة إنها ليست موجهة للنخبة فقط! حيث هناك نمط من القراء يحتاج أن يقرأ مايريد قراءته! وهنا أتساءل ماذا بقي لنا نحن أصحاب الأقلام!عندما يعتقد البعض إن الصدق والبوح والوفاء استثنائا! نعم لم يبقى غير الصدق الذي يتجسد الطهر! المعذرة لحاجتي لشهيق الإعتراف والبوح! وإن الكتابة لا تنفصل انفصالا تاما عن حياة الكاتب! وهنا يحاصرني قلبي قبل قلمي بسؤال عفوي: أيهما يربكني أكثر! رحيل وغياب صديقتي "سلوى عبد الحي",أم بقايا قهوتي التي أصبحت باردة! وكإنني أنتظر سلوى وهي تخبرني بأنها هناك بخير وهذا مايسعد قلبي! وهنا استجمع جرأتي وقواي لأضمك ياسلوى بين سطوري وأناملي!
كم يؤسفني من يظن إن القلوب والنفوس مسرحا للتلاعب, ويجهل إنه بهذا الظن لا يخدع إلا إنسانيته, وكيف يمكن أن نعبث بأغلى ما منحتنا إياه الطبيعة من مشاعر وأحاسيس هكذا على الطريق, ربما ليس من السهل أن نفضح ونكشف عن عجزنا في الإستمرار بعد إن سمحنا للبعض برفقتنا! لابد أحيانا من الإغتسال بالمشاعر والأحاسيس حد التعفف والتحفظ, ولابد أيضا من عتاب أخير قبل الإكتفاء بسكينة الصمت , أتساءل على سبيل المثال عما أشعر به وهل هناك شخص يهمه الإستماع لمشاعرالغير !؟ اغتسلت البوح لا بل الصمت تحت لطف السماء, عسى أن يتتطهر إحساسي ويصفو! جميل أن نحيا دون زيف وهذا يوفر لنا السكينة والسكون, وللأسف إن المرء يرغم أحيانا على ما يشاء ولا يجد القدرة الذاتية على البقاء نقيا.
أنا أسفة, لا أدري ما الذي يختبئ وراء نصي هذا! ولكن لسبب ما أشعر بالحاجة للكتابة عن هذا الموضوع ! لأنني متأكدة من إننا جميعا ننسجم جيدا مع حياتنا! ولعل فكرة ومحتوى النص يستفز البعض ويستنفر منه البعض الآخر ! أعلم الآن إن هذا عبئ كبير من الحياة, لكن لا يمكن التحرر من هذا الشعوربأنني بحاجة إلى أن أقول الكثير عن هذا الأمر. لقد كانت لدى معظمنا صداقات ساءت, سواء كان الأمر على شكل صداقة بسيطة أو قوية, فإن الصداقة الفاشلة يمكن أن تجعل حياة البعض بائسة, وتهدد النجاح والتقدم في العمل والمنزل أو الحياة, بل وتدمر العلاقات الشخصية وقد تصادر هدوء البعض مع ذاته.
قرأتُ ذات مرة أن كثيرين يعتقدون أنّ البريطاني «مالكوم ميت» ربما يكون أسعد إنسان في الكون، والسبب أن «مالكوم» أُصيب بسكتةٍ دماغية تعافى منها عام 2004. ولكن هذه السكتة الدماغية تركت أثرها بمضاعفات أبرزها أن مالكوم لم يعد يشعر بالحزن أبداً، وحالته أشبه ما تكون بالكفيف الذي لا ينزعج من الأضواء الساطعة إذا سُلطت عليه لأنه ببساطة لا يراها، وهكذا «مالكوم» إن الأجزاء المسؤولة على التقاط الحزن في دماغه فد توقفت واصبحت معطلة! حيث لا يستطيع أن يتفاعل مع الحدث ويحزن وكان الحظ حليفا له كما يعتقد الكثير ! لا أعرف إن كان أحداً منكم يوافق على تصنيف «مالكوم» من السعداء، كونه غير قادرا على الحزن ! أنا شخصياً أراه إنساناً تعيساً جداً!! وعزائي إن الحزن عنصر ضروري لنكون بشراً، أما السعادة فشيء استثنائي، وجوده أو عدمه لا يؤثر في إنسايتنا! أيتها المعاجم اسعفيني بأية مفردة تحرر نبضي وإحساسي تجاه حالة هذا الشخص دون أن يلومني أحد! وما أكثر الأحاسيس التي تنتظر المفردات لتطبعها وتنقشها وتحفرها في ذاكرة ما!
لعل البعض من القراء يدرك إنني أكتب هنا من الإيحاءات أكثر مما أقدم من المعاني الثابتة, و هنا أدعوك بل أرجوك أن تجرب استيعابها,و هنا تراني استلهم مفردات وأفكار جال بعضها في صدور البعض , وعذري في ذلك إنني أؤمن بعقلية القارئ وألتمس فيه سعة الخيال, أقول ذلك وذاكرتي تعج بالكثير من البهاء الثقافي,أحاول أن يعتلي مقالي سحب السماء بغية نزول قطرات من المطر لتغرقنا معها في تفاصيل النص, وقد تلهم البعض مما أشير إليه من هواجس!
وأخيرا لي الحق في الحديث المنفرد وللبعض الحق في الإنصات أو الصمت, حينما نضع نصب أعيننا هذه الأحاسيس والهواجس من خلال الكتابة التي أعتبرها إلزام روحي ووجداني شخصي, قد يمنح حقيقة النص وقد يتجاوز العلاقة بين القارئ والكاتب.
بنت القطيف:ِ غالية محروس المحروس
تعليقات
إرسال تعليق