ا. غالية المحروس: ألتمس العذر منك يا سيدة اللغات

 

❗️ألتمس  العذر منك يا سيدة اللغات❗️

    أهدي باقة ورد لكل من يهتم ويفخر باللغة العربية!

عندما فكرت أن أكتب عن اللغة العربية ليومها العالمي, ارتأيت إنه من اللائق أدبيا وأخلاقيا التدقيق والتنسيق قبل عرضه ونشره, حيث إني بحاجة لجرأة استثنائية للبوح بما ينتابني من عزة وفخر بلغتي العربية. وبذات الوقت لا أدري لمَ انتابني هاجس الخوف, وأنا أكتب هذا النص بعد إن وجدت نفسي دون إيجاد الوقت لإنجازه أو حتى ترتيب سطوره, ومع هذا أشعر كإني أعد قلادة من اللؤلؤ مرصعة بكلمات عربية وأنقش حروفها بإحساسي, لا عليكم بممارستي الإنجليزية وكتاباتي في ذات الوقت بالعربية, هي محاولة مني في لملمة ذاتي ولغتي, لأستقر بمكان واحد وبروح واحدة مع تلك اللغة والهوية, فعلاقة روحي باللغة لم تتغير, وعلي أن أطرق أبواب ذاتي الداخلية وأبحث عن أسرار وأعماق لغتي العربية. وبين حين وآخر أحاول أن أختلس لأقوم بعمل كوبا من القهوة.

 لا أتجرأ مع عشقي للغة الإنجليزية أن اجعل قلمي ساخطا لأطرح مقالا عن اللغة العربية, وإن كان مجرد مسألة للنقاش فأنا احترم اللغة الإنجليزية , ولكن ليس على حساب لغتي الأم التي أعتز  وأفخر بها, دعوني أبحث عن الفكرة جيدا التي أدخل منها وأعرضها هنا, أعتذر مسبقا عن هذا النص الذي يبدو إنه غير قابل للنقاش بالنسبة للبعض, وحتما لم أكتبه من أجل الشهرة والتباهي ولن أعتبره مقالا مميزا اليوم, ولكن من يجرؤ على التأويل هنا,حيث لا استعذب الإختلاق وخلط الأوراق بعضها البعض, وأتساءل لماذا هذا التهافت على ما ليس لنا صلة به, حيث نرى الكثير من طمس لغتنا عند البعض.   

 اكتب هذا والألم يعتصرني لرؤية ما حل بنا وما يجري حولنا نحن العرب, وكأن اللغة العربية باتت لا تشرفنا أو إننا نخجل منها, لم يعد الوقت يسمح بالصمت أو التحفظ على هكذا شأن, ولقد حان الوقت لدق جرس الإنذار للعرب ونقول: عودوا يا عرب إلى هويتكم اللغة العربية دون تمزيق لهويتنا الراسخة, وهنا بدت ابتسامتي أكبر بكثير من ابتسامة القمر الذي انتصف بدره فارتعشت ابتسامتي, ونسيت نفسي بأنني ايضا أعشق اللغة الإنجليزية وأعطي دروسا إنسانية من خلالها, وقد أواجه انتقادات على طرحي هذا, ومن مظاهر هذا العشق إنني سأتغاضى عن الكثير من النقد إرضائا للغة العربية, ولن أكابر حيث هناك خصوصيات وخطوط لا يمكن تجاوزها.

 يستوقفني الفيلسوف فوسلر حين قال: (اللغة العربية القومية وطن روحي يأوي من حُرِم وطنه على الأرض). نحن بحاجة بالتمسك بلغة النور والبياض, ولست ادري لماذا يتملكني شعور يؤكد بإلزامنا نحن العرب, أن ننبض بلغة أهل السماء وأهل الجنة لغة الملائكة بل هي لغة الله في أقدس كتاب سماوي القرآن الكريم, وحديث نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه, ويا لفخري لا تتم صلاتي إلا بلغتي العربية, وعلي أن أنحني أمام الحقيقة والواقع فما أجمل شعوري الذي ينتابني حين أدرك تماما بأن اللغة العربية لن تنقرض وليست معرضة للزوال, لقد قال الفرنسي إرنست رينان عن اللغة العربية (ليس لها طفولة أو شيخوخة).

 فالحديث عن حبي للغتي العربية هذه كالحديث عن شخص أحبه, أحب لغتي كما لم يحبها أحد, فلا أرضى على طمسها أبدا وهذا ما يستفزني ويثير استيائي وقد يغضبني, وعندما اغضب أشعر إن لي قوة مجازية لتحطيم مابيدي, رغم دبلوماسيتي في التعامل مع كل شيء, آه يا قلمي لقد بح  صوتك أريد أن اكتب عن لغتي ولو بالفحم.  أتشرف أنا وغيري أن نحافظ على هويتنا ولغتنا العربية فهي رمز السيادة والقوة والنور وعلينا أن نعتز ونقدس لغتنا, ومن يجرأ على إهانتها, رغم عشقي للغة الإنجليزية والتي لا  أرددها كالببغاء واعتبرها ضرورة الانفتاح على الدول الأجنبية, و إنما نجهل إن هناك فرقا جوهريا بين التمكين من اللغات الحية , وللأسف نحن العرب نتمسك بكل ما هو مختلف في حياتنا ونهمل أصلنا وفخرنا المتمثل باللغة العربية, لماذا يا ترى ننسلخ من عربيتنا لنبدو أننا متحضرون ومتقدمون والأعظم نتقمص لغة الأجانب

 هناك الكثير من الناطقين باللغات الأجنبية ويعرفون لغتنا العربية, لكنهم حينما يخاطبونا يتحدثون بلغتهم, ويرغمونا على التحدث بلغاتهم لماذا؟ هذا هو الاعتزاز والفخر بهوياتهم أليس هذا غزوا ثقافيا! بينما البعض من العرب منذ مغادرتهم مطاراتنا العربية ينسوا كل ما يتصل بالعرب, وأصبحوا يتنافسون على إرضاع أطفالهم اللغات الأجنبية, وهنا يظهر التذبذب لهويتنا العربية, فبعض الأسر لا تهتم بتنمية اللغة العربية لدى أبنائها , وحينما نعتز نحن الكبار بلغتنا وهويتنا, سنجد أبنائنا يتقنون لغتنا لغة الضاد ولغة الإسلام.

 علينا اعتبار اللغة العربية في وظائفنا ومعارضنا وكل ثقافتنا, فهي لغة علم وعمل بل هي لغة الجمال والكمال. ليعمل المواطن العربي بأصله ولغته وانتمائه, حيث لا ينبغي أن تستهدف اللغة الإنجليزية من احتلال مكانتها إلى لغتنا الأم تلك اللغة الوطنية الرسمية, نحن العرب بحاجة لمصالحة واسعة للغتنا العربية وتأمينها من الأخطار والأخطاء التي تداهمها هنا وهناك, وحتما كل العالم يفكر في مستقبل لغاته, إذ بلغ القلق بالفرنسيين على لغتهم! وإذا كان الفرنسيون قلقين على لغتهم فماذا نحن فاعلون؟! أدرك وبصدق الكتابات والأعمال التي تحاول خلط الأوراق وإعطاء انطباع في حق اللغة العربية هذا هو واقع بعض  العرب المترهل.

 ليس من العدل أن نتقن لغة الغرب وننسى لغتنا فهي وسام على صدورنا, هل مجاراة العصر يعني أن أتخلى عن ذاتي وهويتي فاللغة ليست رداء للفكر وإنما الفكر ذاته, وهنا يحضرني قول الفيلسوف غوتة:يمكن للمرء أن يتكلم بلغات متعددة لكنه لا يعيش إلا بلغة واحدة, وأنا متأكدة تماما بما تحمل اللغة العربية من رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها وهذه معجزة الله الكبرى في كتابه الكريم, ولا أظن إن هناك من لم يسمع بإذاعة عربية بهولندا, تبث برنامجا يوميا منذ سنوات بعنوان "هنا أمستردام" لمن يسمع اللغة العربية وينطق بها, لنحمي لغتنا العربية يا عرب ولا بأس من ممارسة اللغات الأجنبية وتعلمها, دون أن تتأثر لغتنا بسهام موجه لقلب اللغة,فا لتاريخ غدا أيها العرب لن يرحم من ينكر لغته ويستخف بها أو يتنازل عنها, ومن لا يحترم هويته ولغته يصعب عليه احترام هوية ولغة الآخر.

أحلم من جديد أن نعود ونمتطي صهوة اللغة العربية لتبقى شاهدة على حضارتنا وثقافتنا وهويتنا وديننا وتراثنا, ومهما تحدثتُ بلغة أخرى تظل شمس لغتي تشرق أمامي, وأنهل من حروفها وكلماتها, ومهما حفظت من كلمات إنجليزية جديدة تظل العربية قوية وثرية وباقية, لذا ألتمس منك عذرا يا لغتي الغالية يا سيدة اللغات, أتيت هنا فقط لأهنئك, وهنيئا بهذا الجمال للغتي الذي ينساب دررا وهنيئا لنا بك أيتها اللغة الغنية العذبة.

  أخيرا  لعل نصي هذا يترجم إحساسي الصادق مع الاعتراف بتقصيري الغير مقصود للغتي, فقد تركت لنفسي فسحة لكل تجديد وكانت جملة عميد الأدب العربي طه حسين عن اللغة :(ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها). وفي ظني هنا  إنني قمت بذلك دليل على الغيرة اللغوية, ولن أغفل لحظة إن غايتي الأولى والأخيرة أن نفخر بك وننطق بكلماتك وبلسانك, وإنك من أجمل لغات العالم وإليك أجمل تحية ياسيدة اللغات.      

بنت القطيف:

غالية محروس المحروس

تعليقات