كان موعدنا عند الساعة الثانية عشر من ليلة رأس السنة. كنت لا أرى شيئا من زجاج النافذة بسبب الصقيع الذي غطاه، وحين جلبت فانوسا لعلي أرى ما خلف الصقيع شاهدت شبح جسد واقف غير بعيد يرتجف من البرد. كان يفرك يديه بقوة وتلمع منها نار ثم تنطفئ.
إنه هو، هذا مؤكد، لماذا لم يتقدم أكثر ويطرق الباب؟
كنت قد أعددت عشاء لكلينا، وتزينت له، ووضعت على كتفي دثارا شتائيا جلبه لي العام الماضي.
نحن لا نرى بعضا إلا بداية العام. نعيش لأيام ثم يرحل بعد أن يعرض علي السفر معه، فأرفض، فيلقي تحيته الباردة "ويقول العام القادم".
لم يخطئ العودة مرة واحدة، وطوال عام أنسج له دراعتين، صيفيةوشتوية. ولكنه هذه المرة لم يحسم هذه الخطوات. كان علي فعل شيء. فتحت الباب فصفعتني لفحة برد شديدة. لم أبال وسرت نحو حيث كان. لم يكن هناك من أحد. درت في الاتجاهات الأربع لم أظفر له بشخص. رجعت القهقرى لأحافظ على كل لحظة يمكن أن ترصده عيني. لم يكن هناك من شيء.
قبل دخولي الباب تعثرت قدماي بجسد متصلب. وارتميت على الأرض ووجهي لوجهه، كان هو. وقد علت وجهه ابتسامة واسعة، ولكنه صامت. نعم حتى دفء صدري لم يعده لي. واصلت المبيت معه. في الصباح كنا جثمانين يحملان على أيدي أناس لا أعرفهم. فقط شعرت به يضمني ويقول لنذهب من هنا. امسك بي وسرنا بعيدا، كنا قد تجاوزنا الأرض، ودخلنا أخرى.
وقبل أن نواصل المسير أوقفنا شخص، وقال إلى هناك. كان معنا كثيرون كلهم يقولوا أنهم ماتوا البارحة. وينتظرون أحدا ما. صمت وأنا أتحسس يده، كانت قد تملصت. ولم أعد أراه. كان المكان مزدحما والوجوه متعبة. وهناك صوت يهتم بي: نادية.. نادية.. كانت جارتنا العرجاء القصيرة.
أقبلت خائفة: إنهم يسألون عن كل شيء!
هاقد صدق رجل الدين الذي يعظنا. أخبرنا أن هناك حسابا، وعقابا، وثوابا، ولم نكذبه ولكننا لم نبال كثيرا.
في الأثناء سمعت شخصا يقول على نادية خياطة الأذرعة أن تأتي.
سرت نحوه والخوف يقضم كل شيء فيني، وعندما اقتربت كان هناك حوار يجري بين شخصين. سمعت أحدهما يقول: إنها ناجية، فلتذهب.
دفعتني يد من الخلف لم أراها، ودخلت بابا كبيرا بعد أن قدمت لي تحايا كثيرة.
كنت أثناءها أتساءل أين هو الآن؟
سمعت صوتا يشبه صوته يأتي من أمامي. كان قلبي يتبع جهته. كان هو بثياب بيضاء وبيده ثياب بيضاء واسعة لي. وهو من ألبسني إياها ثم أمسك بيدي وسرنا، وهو يقول: هل ستأتين معي؟ بالطبع، كان هذا جوابي.
لأول مرة أعطيه موافقة. فشد على يدي ومضينا معا.
جهاد عبد الإله الخنيزي
تعليقات
إرسال تعليق