مند سنوات عرفت منطقتنا أحداثًا مُلتهبة ، مُتسارعة غيّرت ثوابت دينية واجتماعية راسخة منذ أكثر من خمسة عقود شكلت عزة ومفخرة ، حتى دخلت علينا العولمة في عقر صدورنا ، واحتلت كل ما ضعف فينا ، أنتجت شريحة ممن يستهويها الامتطاء أو السير وراء الفكر الغربي وتجاربه ، بذريعة أنها أصبحت واقعًا في كل بلاد العالم ، وأن التقدم العلمي الهائل والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات من سمات الغرب وأن التخلف والتبعية صفة ملازمة لمجتمعاتنا الإسلامية ، وهذا انطباع سائد .
إن الأخذ عن ثقافة الغرب أو التفاعل معها لا يمكنه أن يكون سليمًا ، فهناك توازن رائع بين الانفتاح والخصوصية، ومثل هذا التزواج بين احترام القيم السائدة والانفتاح الواعي على ثقافات هذه الدنيا ، من الغرب والشرق ، يعني أن نأخذ ما يفيدنا ونترك ما لا يفيدنا .
ونحن نعيش في زمن عولمي صعب تتغيّر فيه الأخلاق و تتبدل القيم ، ورياح التغيير تهبّ من أكثر من اتجاه ، بحجة أن التغيير سمةُ العصر ، والمتحمسين للتغيير لا ينكفون على التحالف مع مكونات تلك الرياح التي تتعدّد اتجاهاً ، هذا التبدّل الجارف في القيم والأخلاق والعرف السائد ، كان له انعكاساته الطبيعية داخل المجتمعات الإسلامية ، والذي يعنينا هنا ما يجري على ساحتنا الإجتماعية من تناقضات وأفكار وكل الفلسفات والأيديولوجيات التي يحملها بعض الفئة المثقفة المتطلعة إلى الانفتاح على قيم الغرب الفاتنة ، فإذا فتحت جميع الأبواب باسم الحرية ، فإن عدوى المرض الغربي ستنتقل إلى مجتمعاتنا بسهولة .
وإذا كان في الدين بأحكامه الشرعية والموروث الأخلاقي ما يساعد على مواجهة التحديات في بعض المجتمعات ، فإن الحال في بعض المجتمعات يصل إلى مستوى الأزمة ، فرؤيتنا للعالم الغربي يجب أن تنطلق دائمًا من أسئلة : من نحن ؟ وإلى أين نسير؟ وكيف نسير ؟
وإذا كان الناس يعرفون أنفسهم من خلال النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم والعادات والمؤسسات الاجتماعية ، وإذا كانت العادات والتقاليد تشكل الهوية الثقافية لأيما مجتمع ، يبقى المجتمع ذاته مضطرب الهوية ما لم يأخذ موقفًا نقديًا صارمًا إزاء الثقافة الغربية ومعرفة مدى مطابقتها مع معطيات واقعنا التي تقوم على ركائز الأخلاق والاحترام والمسؤولية الوطنية الاجتماعية ، ونحن مع الثقافة التي لا تهمش المعتقد ولا تلغي الهوية ، ولا يمكن لمثقفينا أن يكونوا محايدين أو متقاعسين تجاه ما يرونه من إخلال بثوابت الدين والحشمة والأخلاق ، والخروج عن القيم والعادات والتقاليد تحت شعار مجتمع الحرية الفردية بكل أنواعها ومجتمع الحداثة والتحديث .
علينا أن نأخذ العبرة من تلك الشعوب التي أهملت أمور الدين ، وتحررت من قيود الأخلاق ، وارتكبت الخطايا ، وانغمست في الذنوب ، وراح جنون اللذة يستبد بألباب شبابها ، فكان مصيرها سوء العاقبة والمصير . نحن هنا ندق ناقوس الخطر ، فالمغريات تقابل الشاب والشابة أينما توجها ، ومحركات الغريزة ومثيراتها متوفرة وكثيرة ، لكن عقل الشباب إذا استعان بقوة الإيمان والتقوى استطاع بتوفيق الله وتسديد منه - تعالى - أن يغلب كل تلك المغريات والمحرّكات .
المجتمعات البشرية الهشة تنتقل إليها الأمراض المعدية كالجسد المريض ، عدوى الأفكار والقيم وأنماط الحياة ، وهناك من يقول الحل بالتحصين للمجتمع ويتم بالوعي والتربية وهذا حق ، ولكن من أصول التربية أيضًا توقي أسباب المرض وليس إعطاء اللقاح المضاد فقط ، فليس من العقل ولا الحكمة تعاطي أسباب الأمراض باسم الحرية الشخصية ، ومن ثم القول حصن نفسك بالمضادات ، إنها مغالطة مشبوهة ، فضلاً عن أنها تجافي المنطلق السليم .
فالتربية تقوم على أسباب ترسيخ المفاهيم والعادات الصحيحة ، وبنفس الوقت حظر ومنع ما يهددها ويدمرها ، وإلاَّ فإننا سنبني بيد ونهدم بالأخرى ، فمن التربية الصحيحة منع الأنماط الشاذة التي تذيب الشخصية والهوية ، والضابط في كل ذلك قيم الإسلام والتي تمثل قوام الحياة الإنسانية في كل زمان ومكان .
وللحديث بقية .
تعليقات
إرسال تعليق