للسعادة عدة معانٍ على المستوى الفلسفي، يراها «سيدوني غابرييل» أنها الرغبة في أن تكون سعيدا، فيما يقول «فردريك كيونغ»: لقد نسينا أن السعادة ليست الحصول على ما لا نملك، بل هي أن نفهم وندرك قيمة ما نملك، و«أينشتاين» يقدمها للآخرين بلغة الناصح فيقول: لو أردت أن تكون سعيدا، قم بربطها بهدف وليس بشخص أو بشيء، ويتساءل أيضا: طاولة، كرسي، وعاء من الفاكهة والكمان، ماذا يريد الرجل أكثر من ذلك ليكون سعيدا؟ «جورج ساند» يقول: هناك سعادة واحدة فقط في العالم، أن تحب وأن تكون محبوبا.
على المستوى الشخصي، أجد أنَّ الاطمئنان هو مفهوم أكثر شمولية للسعادة، هكذا أظن أنَّ الإنسان كلما تحقق له هذا العنوان كان أكثر سعادةً، وهكذا يمكن أن ندعي أنَّ أكثر ما يمكن أن يكون مدعاةً للحزن والتعاسة هو القلق المستمر والخوف، القلق والخوف يملكان القدرة لجعل أكثر الناس ثراءً وقدرةً على امتلاك كل شيء تعيسا حقيقيا، لأنه باختصار خائف ويعيش القلق.
يحيلنا هذا الحديث قسرا إلى شريحة طالما اعتقدت أنها تعيش التمييز العنصري في بعض بلاد الغرب، إنها شريحة السود أو أصحاب البشرة السمراء، هذه الشريحة يمكن بالتأمل في تاريخها ملاحظة ذلك الكم الهائل من الاحتقار لها ومعاملتها معاملة دونية لا ترقى مع مكانة بلاد تتبوأ مكانة عالية في قمة الهرم الإنساني في القوة والعلم.
تبدو حادثة مقتل جورج فلويد في مينيابوليس هي الحادثة الأبرز أخيرا، التي أشعلت فتيل أزمة حقيقية في الولايات المتحدة، وهي في حقيقتها حلقة ضمن مسلسل طويل وقديم من امتهان كرامة هذه الشريحة، بعيدا عن ذلك فإنَّ الدروس التي يجب معرفتها من حادثة مينيابوليس أنَّ العنصرية بأشكالها الواسعة، التي تؤدي في نتيجتها إلى سلب شريحة من المجتمع كرامتها واطمئنانها، هي سبب مهم من أسباب تعاستها ونفورها الدائم من المجتمع.
العنصرية هنا هي مرض لا يمكن إزالته إلا بصناعة القانون الصارم أولا، وثقافة المجتمع التي تبني التعامل مع الإنسان على أساس الإنسانية أولا، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى لها علاقة بالعرق واللون والمعتقد وغيرها، هذه الخلق الإنساني هو ما تحتاجه جميع المجتمعات البشرية لتصنع مناعة حقيقية ضد أي مستوى من مستويات العنف وامتهان كرامة الإنسان.
أن ننتقد عنصرية بعض التصرفات في الغرب، فيما نحتفظ نحن في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية بأشكال مختلفة منها، يجعلنا أكثر ازدواجية في التعامل، فمثلما لديهم عنصرية الألوان فلدينا في أذهان الكثيرين عنصرية أديان ومذاهب وقبائل وحتى ألوان، وحالما ننتقد الغرب في سلوكياته، ينبغي أن نكون -كشعوب إسلامية وعربية- أكثر قدرة على تنقية أدمغتنا وأفكارنا من هذه العنصرية وبكل أشكالها، وإلا لن نكون أبعد بكثير ممن ننتقدهم.
تعليقات
إرسال تعليق