لست من الفلزات الصلدة، ولا أنا ممن أُتيت صبراً لا ينفد، أو بصيرة متقدة. إنما أنا بشر، أسقط أحيانا، وأنهض. تعود ثيابي ترفل بالغبار، وتطبع عليها حجارة الدرب آثار الوجع. إلا أنني لا أكف عن المسير. قدماي المتشققتان، والقطرات التي تسيلُ حمراء من جروح الروح، أداويها بمواصلة المسير. كلما ثقلت روحي عن المضي قُدماً، داويتها بمزيد منه. أتذكر قول مجنون بني عامر:
تداويت من ليلى، بليلى عن الهوى
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
الطريق هو الوجع، وهو الشفاء. وقديما همسَ حكيمٌ "ساقي يا ساقي، أنت سُمي وترياقي".
الترياق لأرواحنا، خلال هذه الفترات العصيبة، أن نمعن في التشبث بالحياة. ألا نجعل الوديان الموحشة تبتلعنا. أن نصعد المفازات، ولا نبالي إن كان هنالك قبس نور، أو قدح يبسٌ من شدة ما اشتاق للماء الذي لم يذقه من أمد.
الحياة يجب أن نكملها حتى آخر رشفة منها. لا يصح أن نقذف بها جانباً، أو ندعي أنها الحسناء التي لا تقبل وصالنا. فيما البعض من غضبه، والأصح قلة حيلته، يشتمها، ويعتبرها عجوزاً شمطاء لا تستحق ابتسامة!
يقول فريد الدين العطار: "لا روح تسلو من دون أحبة، إن كنت رجلاً، لا تدع روحك دون أحبة". والحياة هي كذلك، لا تطيبُ إلا لمن عانقها، وعرف كيف يراقصها، بكل ما فيها من فرح وحزن، انتصارات وانكسارات.
كثرٌ هي السماوات التي أقفلت أمام ملايين على سطح هذا الكوكب. من رجع خالي الوفاض، أو وجد ذاته وحيداً في غرفة رطبة، أو مختنقاً بعدد متراكم من البشر في دارٍ هي أقرب إلى علبة السردين من كونها مساحة لائقة بالحياة.
رغم ذلك، علينا ألا نرمي رايتنا، أن نبقيها شامخة مثل رمح يصل بين الأرض والسماء. أن نجعل صدرنا العاري يعانق أشعة الشمس ويعاهدها على اللقاء كل صباح.
هكذا نهزم خطر القلق الذي تسبب به الوباء، ونخرج من سجنه الذي استحوذ على كل خلية منا.
وحدها النفوس المقدامة من تقدر على ذلك. ووحدهم البحارة الشجعان من يشقون غمار المحيط، يدخلون في صراع مع الموج الهادر وهو يصفعهم بملوحته الجارحة، وهم يلكمونه بالدعاء والغناء والأمل.
لذا، تجدني أنفر من الأرواح الضعيفة، تلك التي تغرق في بحر من الدموع والوهن الذي يولد وهناً، تتناسل منه أوهانٌ لا تنتهي!
الأرواح الضعيفة مثل رمح مسموم، تقتل من ترميه بيأسها، وتكبله بأفاعي خانقة.
إذا كُنا سنستلم أمام فيروس كورونا، ونعتبر أن الوجود انتهى، فأي فلسفة تلك التي ندعي أننا كنا نقرأ، ونفاخر بها أمام الصحب.
أنسينا نيتشه، وإرادة القوة، وكل ما سطرهُ عن العنفوان؟
ها نحن معاشر البشر أمام الريح العاتية، فلتكن صاريتنا عالية، وحبلنا مشدودة، وليكن البحارة الأشداء على أهبة الاستعداد، لأننا لن نرجع إلا محملين بالكنز والصيد الثمين.
تداويت من ليلى، بليلى عن الهوى
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
الطريق هو الوجع، وهو الشفاء. وقديما همسَ حكيمٌ "ساقي يا ساقي، أنت سُمي وترياقي".
الترياق لأرواحنا، خلال هذه الفترات العصيبة، أن نمعن في التشبث بالحياة. ألا نجعل الوديان الموحشة تبتلعنا. أن نصعد المفازات، ولا نبالي إن كان هنالك قبس نور، أو قدح يبسٌ من شدة ما اشتاق للماء الذي لم يذقه من أمد.
الحياة يجب أن نكملها حتى آخر رشفة منها. لا يصح أن نقذف بها جانباً، أو ندعي أنها الحسناء التي لا تقبل وصالنا. فيما البعض من غضبه، والأصح قلة حيلته، يشتمها، ويعتبرها عجوزاً شمطاء لا تستحق ابتسامة!
يقول فريد الدين العطار: "لا روح تسلو من دون أحبة، إن كنت رجلاً، لا تدع روحك دون أحبة". والحياة هي كذلك، لا تطيبُ إلا لمن عانقها، وعرف كيف يراقصها، بكل ما فيها من فرح وحزن، انتصارات وانكسارات.
كثرٌ هي السماوات التي أقفلت أمام ملايين على سطح هذا الكوكب. من رجع خالي الوفاض، أو وجد ذاته وحيداً في غرفة رطبة، أو مختنقاً بعدد متراكم من البشر في دارٍ هي أقرب إلى علبة السردين من كونها مساحة لائقة بالحياة.
رغم ذلك، علينا ألا نرمي رايتنا، أن نبقيها شامخة مثل رمح يصل بين الأرض والسماء. أن نجعل صدرنا العاري يعانق أشعة الشمس ويعاهدها على اللقاء كل صباح.
هكذا نهزم خطر القلق الذي تسبب به الوباء، ونخرج من سجنه الذي استحوذ على كل خلية منا.
وحدها النفوس المقدامة من تقدر على ذلك. ووحدهم البحارة الشجعان من يشقون غمار المحيط، يدخلون في صراع مع الموج الهادر وهو يصفعهم بملوحته الجارحة، وهم يلكمونه بالدعاء والغناء والأمل.
لذا، تجدني أنفر من الأرواح الضعيفة، تلك التي تغرق في بحر من الدموع والوهن الذي يولد وهناً، تتناسل منه أوهانٌ لا تنتهي!
الأرواح الضعيفة مثل رمح مسموم، تقتل من ترميه بيأسها، وتكبله بأفاعي خانقة.
إذا كُنا سنستلم أمام فيروس كورونا، ونعتبر أن الوجود انتهى، فأي فلسفة تلك التي ندعي أننا كنا نقرأ، ونفاخر بها أمام الصحب.
أنسينا نيتشه، وإرادة القوة، وكل ما سطرهُ عن العنفوان؟
ها نحن معاشر البشر أمام الريح العاتية، فلتكن صاريتنا عالية، وحبلنا مشدودة، وليكن البحارة الأشداء على أهبة الاستعداد، لأننا لن نرجع إلا محملين بالكنز والصيد الثمين.
تعليقات
إرسال تعليق