(وسيبقى الماضي سيد المستقبل)

 


(وسيبقى الماضي سيد المستقبل)

 عندما بلغت الثامنة من عمري,  بدأت و قررت أن أتنازل عن طفولتي من حيث لا أدري. حيث أنهك جسدي الضعيف بسالة الإنحناء بالمسؤولية, فقد كنت أتكأ على قبضة صمتي والذي كان شاهدا ومتوهجا بالمعاناة الطويلة.  حيث أتذكر ذلك تماما نعم أتذكره جيدا, واليوم, يبدو من المستهجن أن أكشف النقاب, لقد كنت موهوبة آنئذ في الكتابة, و كنت في ظروف وملابسات تتخللها مسؤوليات أخرى مبكرة أكبر من عمري. لعلني أضحك على نفسي عندما أتذكر كيف كنت أكتب, وأنا طفلة بفكر فتاة شابة بين حين وحين أتوقف عن الكتابة. السبب في منتهى البساطة, لم أملك قدراً من الوقت يتيح لي إمكانية أن أكتب ما أحتاجه من مشاعري وعذاباتي. لقد زودت نفسي بدفتر للكتابة بشق النفس, وأنا أكتب الآن نعم هذه اللحظة داهمتني الفكرة وآلمني ذلك كثيراً, فبكيت بحرقة! كنت أكبر من طاقتي في تلك السن, ولقد شجعتني معلمة اللغة العربية للمرحلة المتوسطة على الكتابة, ولا أزال حتى اليوم مدينة لها. ما أردت قوله هنا, كنت أحتضن يومي بكل تفاصيله يوم بيوم ولم أتطلع أبدا إلى المستقبل.

 سنوات حياتي لم تأتي دفعةً واحدة, بل كنت أستقبلها يومًا بعد يوم. مع غروب كل شمس, أستريح قليلا وأترك مسؤوليتي ومن أعني وأقصد لأدبّر الأمر لبعض الوقت. قد أطمئن بعض من الليل, مدركة أن الفجر سيحمل معه فرصةً لبداية حياتي من جديد, بآفاقٍ جديدة وآمالٍ مُلهمة بالأحلام. الساعات التي تلي ذلك، قبل أن أعود إلى النوم مجددًا, هي لي أقرر كيف أريد أن أعيش يومي لو كان ممكنا لي, أخدم وأساعد والدتي , وأضحك وأبكي وأخفي تعبي, هذه هي كانت حياتي الطفولية كنت أقضيها بهذه الطريقة يومًا بعد يوم.

 تخيّل  أيها القارئ الكريم كيف يمتد المستقبل أمامك, وحاول أن تلاحظ إن كنت تشعر بأي توتر أو ضغط تجاه رحلتك  الحياتية القادمة. ربما غيّرت نمط حياتك مؤخرًا  بطريقة أو أخرى, وتبدو فكرة الاستمرار التي كنت أعيشها  في هذا السلوك لسنوات عديدة أمرًا مستنزفا. ربما  تنفست الصعداء  بعد أن بدأت وظيفتي بأرامكو وبعد أن  تزوجت ممن أحب والذي قضيت معه أجمل سنين عمري والذي يصادف غدا التاسع من July الذكرى ال 48 عاما من زواجنا,  والذي لم أرى منه  وفيه ومعه إلا جميلا.  لا أخفيك  كنت أشعر بقلق خفي  بشأن قدرتي على النجاح والتحدي. ولكني استطعت ,وبإصرار شديد تحويل تركيزي عما قد حدث وسيحدث بعد سنوات, والعودة به إلى اليوم الذي أمامك الآن,  فقد وجدت قدرًا من الهدوء والرضا والثقة المتجددة بقدراتي. وقد إكتشفت أيضًا إيمانًا داخليًا بأن المستقبل سيُدبّر أمره بنفسه.

 مازلت اتمسك بضميري الذي يحتم علي التمسك بالكثير من مبادئي, أولها احترام نفسي وغيري و محبة أسرتي وبعض من صديقاتي بمختلف مكانتهن داخلي,  فقد بدأتُ أستاذًة لنفسي وما زلت كذلك في كثرة مطالعتي وقراءاتي. أنا لا أكفّ عن القراءة, تجوع نفسي مثل جسدي, ولعلني اعترف,  تبقى أوراقي وقلمي هكذا مبعثرة في أماكن عدّة من منزلي، فالمكتبة التي أٌقتنيها ,أفخر بها  ليست تحفة للزينة, وإن كانت تصلح لذلك, لكنّها تبقى شفائي ودوائي كلّما توجّعت روحي تجولت فيها, والتي أعدها ركنا  شافيا لي.                     
  لا تعجب أيها القارئ من شجاعتي الأدبية في الكتابة, حيث حملتني المسؤولية على حمل و تحمل مسؤولية الكلمة الأدبيّة بكاملها وصدقها. لذلك اخترت لنفسي أن أكون أنا وحدي لنفسي بفكري وإيماني. وكإن ما أكتبه هنا الآن نصا مفتوحا, ولعله يجعل بعض القراء شركاء في إحساسي الأدبي, ولا بأس لو اعترفت قائلة إن في روحي غصة !! ولزوجي وتوأم روحي  له فيها حصة! كنت أتوجع عندما أتخيله كيف كان طفلا صغيرا ينام بلا أم, كان يقول لي دائما أتمنى لو أتمكن أن ألمح تفاصيل وجه أمي لأتخيل ملامحها والتي فقدها في عمر ست سنوت, هذه اللقطة أو الفكرة بحذاتها, عندما تداهمني لا أحتاج لكوب قهوة ينعشني بل لضمير إنساني, يجعلني أن أتذكر كيف كنت أما لأخواني وأنا طفلة صغيرة أدرك إن البعض لم يفهم ما أعنيه،ولم تكن بي رغبة في التفسير أكثر!                                                                                          

  وخلاصة فكرة النص,إن طريقة تعاملنا مع حياتنا بالأمس واليوم والغد,  تؤثر تأثيرًا بالغًا على هويتنا المستقبلية وما سنختبره بعد سنوات. فإذا استطعنا أن ننغمس تمامًا في يومنا هذا, مستمتعين بكل ما فيه, ومستثمرين طاقتنا في استغلاله على أكمل وجه, سنجد أنفسنا مستعدين تمامًا وقادرين على مواجهة أي  ظروف مستقبلية عندما تحين.

 وأخيرا وبعد أن مضت ودارت الأيام والأعوام وأخذ العمر أجمل الذكريات والآهات, ولكن تجربتي وخبرتي العميقة أحملها معي حتى آخر نفس من عمري, كم نحن بحاجة للذكرى والخبرة, وكم نتمنى أن نوثق مواقفنا وتجاربنا لأجيالنا القادمة الواعدة ! 

 غالية محروس المحروس

تعليقات