#خاطرة_الجمعة « معركة الكفاح لا تنتهي إلا بتحقيق الأمل »
-- من المؤكد أن الخطأ مظهر من مظاهر التفكير، وأن التفكير قرينة من قرائن الوجود، ولكن الخطأ أيضًا ظاهرة مصاحبة للعمل، لأن الذين يخطئون هم أولئك الذين يعملون، وأما الذين لا يعملون فإنهم لا يخطئون، ولكنهم أيضًا لا يصيبون.
ويطلق علماء النفس على المرتابين والمترددين إسم " مرضى الفعل " ، وهؤلاء يحرصون على الطمأنينة، ويسعون وراء السكينة، فهم يرفضون العمل لأنه ينطوي بالضرورة على ضرب من المخاطرة، وهم إذا كانوا يخشون الفعل، فما ذلك إلا لأنهم يخافون أن يؤدي بهم إلى الفشل .. والفشل أمر شديد على النفس، إذ يضعف الثقة بها، والإيمان بقدراتها . وهكذا نراهم يؤثرون البقاء في قواقعهم الآمنة، على مجابهة المصاعب والمشاق في معترك الحياة، والمرء حين يخرج إلى ميدان الحياة الفسيح يكون قد آلى على نفسه عندئذ أن يتقبل كل ما يترتب على نشاطه من نتائج، سواء أكان ذلك بالنجاح أم الفشل وتبعًا لذلك، فإنه يكون قد ارتضى لنفسه أن يقترن اسمه بهذا الفعل أو ذاك .
-- مأ هو النجاح ؟ كيف تنجح في حياتك ؟ لكي تحقق وجودك فوق هذه الأرض، تحرّك، قم بفعل أي شيء .. ولكن كن سليم العقل لا تبدد وقتك، خذ مكانك أينما كنت وكن شخصًا آخر، تحرّك !! سرّ النجاح يعتمد على مدى تفكيرك في الحياة، أفعالنا هي الأشياء الوحيدة التي نستطيع أن نقول عنها إنها من ممتلكاتنا .. وقد تكون أفكارنا سيئة لكنها لا تَسُمّ .. وقد تكون صالحة لكنها لا تؤتي ثمارها .. وقد نستمدّ صحّتنا من المرضى .. ومن الموت ؛ لكنَّ أفعالنا تلحق بنا إلى القبر، فالله سبحانه وتعالى لن ينظر إليك بسبب ميدالياتك ونياشينك أو شهاداتك .. بل ينظر إليك بسبب الندوب التي تملأ جسدك .. من دون المصاعب لن تجد النجاح، فساحة الحياة مليئة بالتجارب والمصاعب، فمنها نتعلّم ونفكر ونتجنب الأخطاء .
-- قسّم الفيلسوف " جون لوك " الناس من حيث مستوى التفكير وأخطائه إلى أقسام ثلاثة هي: فريق لا يحب أن يجهد نفسه في التفكير والتعليل فيكتفي بقبول أفكار الغير وآراءهم فيقلدهم . فإذا عبّر قلّد، وإذا ناقش اقتبس دون أن يكون له رأي خاص أو شخصية مستقلة . وفريق يخضع العقل للعاطفة ويصبغ تفكيره بلون مزاجه وهواه، فلا يقبل رأيًا معارضًا لا يتفق هواه، ولا يستمع لقول ينفر منه مزاجه . وفريق يفكر لنفسه ولكن تفكيره محدود لقلة اطلاعه وخبرته وعدم اتصاله بالناس، فيكون محصول عقله ضئيلًا ومدى تفكيره ضيقًا، وهو يعتمد في الغالب على ما تلقنه وحفظه وهو صغير وتقبله دون مناقشة أو تفكير، ويتحول حتى بعد بلوغ رشده ونضجه تراثًا يحتفظ به ولا يقبل فيه جدلًا، ويصير في نظره فاصلًا بين الحق والباطل لا يخطىء، وقاضيًا عادلًا يحتكم إليه في كل خلاف، ومقياسًا يقيس به كل الأمور والمواقف، وأصحاب هذا الفريق هم ذوو العقول الضيقة أو المحدودة الذكاء، وهؤلاء يقف مستوى تفكيرهم عند حد ثابت لا يتعداه مهما أصابوا من تعليم وتثقيف .
-- مفهوم النجاح مرتبط بالعمل الذي نقوم به، فالإنسان الجادّ لا يرضى لنفسه حالة التردد والتهيب محاولة الابتعاد عن تحمل المسئولية، بل يُقبل على كل عمل صغيرًا كان أو كبيرًا باهتمام وتركيز وتهيؤ واستعداد، وقد يخطىء لكنه يتعلّم، ويصيب وينجح في خاتمة المطاف، وهذا السلوك يعتبر مؤشرًا من مؤشرات النجاح، بينما ضعف الثقة بالنفس وعدم الإيمان بقدراتها ينتج حالة من التردد وعدم الاستقرار، مثل هذا السلوك لا يحقق الأمل والنجاح . فعلى الشباب أن يشمروا عن ساعد الجد، فالميدان يريد رجالًا تحمل ألبابًا وعقولًا وأفكارًا تخدم مستقبلها وأحبتها ومجتمعها ودينها وبلدها المعطاء .
-- وأخيرًا ، إذا كانت الحياة ميدان معركة لا تنتهي من مشرق العمر إلى مغربه، فإنها معركة النضال المستمر من أجل السعادة، وما تكون هذه السعادة في تحقيق الأمل، قدر ما تكون بأن نجعل من حياتنا قيمة إنسانية، وفلسفة عميقة، ونحس من خلال الكفاح والنضال المستمر، وحشد القوى الذهنية والبدنية .. بجمالها وقيمتها . وإننا نتعلم منها ونتعظ بدروسها الصالحات ونحيا كل يوم حياة جديدة مستمدين من هذه الفلسفة الرائعة إيمانًا بأنفسنا وقوة على أن نحتمل فيها المكاره ونصمد أمام النائبات، وأن نوطن أنفسنا على تلقي الخسارة كما نتلقى الربح، وأن نثابر على النضال ويظل لنا إيماننا في أحرج الأوقات ولا ننهزم، وأن يبقى لنا الأمل !!
-- اللهم احفظ الحجاج والزائرين وتقبل أعمالهم . اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان، وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه بحق الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- إن قيمة الإنسان هو ما يقدِّمه من جهد وخيرٍ لأهله ومجتمعه وللإنسانية جمعاء، مخلصًا لله في جميع أقواله وأعماله، صابرًا محتسبًا جهده وعمله عند خالق هذا الكون عز وجل، وإلا كان في خسارة في دنياه وآخرته، ولذلك خاطبه الله تعالى بقسم عظيم فقال:{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .
تعليقات
إرسال تعليق