#خاطرة_الجمعة « العيش في الآخرين »
أهكذا أنت .! لقد رأيتك وسمعتك .. سمعتك أمس تشكو وتتأفف .. وليس هذا جديدًا عليك .. لقد عشت حياتك في هذا البرم .. عشت تشكو سوء الحظ .. وتندب قلة التقدير .. وتنعي كفاءاتك الضائعة .. وتطلق آهاتك حسرات على دنيا لم تعطيك لكي ترضيك، وتعاند الأكفاء من أمثالك فتضع العثرات في سبيلهم .. لا يا صاحبي .. ليست هناك ممالأة وليس هناك عناد، بل شخصيتك المغايرة للآخرين ..
بعض الناس لا يحبون الخير لغيرهم، وهم أشبه بأولئك الذين يريدون أن يختلسوا من الآخرين ما يمتازون به، فلماذا النظر أو البحث دائمًا عن ما لدى الآخرين ؟! نحن نصنع المنغصات لحياتنا .. لا بد أن ندرك أن النقص شيئًا طبيعي، فالحياة ليست كاملة .. فكل إنسان ناقص، فلا كمال مطلق عند البشر، الكمال لله وحده عز وجل . عوّد نفسك على التسليم بالاختلاف بين بني البشر عمومًا، غضّ النظر عن كيف يعيش الناس، ولا يصبح الأمر شغلك الشاغل . ولعل الحكمة القائلة « إِذَا أَرَدْتَ أَنْ يحبك الناس فَغَمِّضْ عَيْنَيْكَ عن مافي أيدي الناس » وتعني كيف تتعامل مع الناس، وهناك مقولة للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام:« من غض طرفه أراح قلبه » . نتعلم من هذه الحكم دروسًا لا حصر لها نداوي بها منهجنا المنحرف .. دومًا أغمض عينيك عن ما عند الناس، ودع عنك الحقد والكراهية !!
إن الكثير من الناس قد أوصل نفسه إلى مراحل لا تخصه، ولا تعطيه خيرًا أبدًا، فإن سبب الهموم في الحياة هو العيش في الآخرين، هذا عمل مذموم، ويؤدي إلى الكراهية والحقد والأنانية والغيرة، كلها مشاعر مذمومة تنشر العداوة بين الناس وتفسد العلاقات الاجتماعية، فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه .. فالله سبحانه وتعالى هو الرازق والملهم والرحيم والشافي، فكل شيء بقضاء وقدر، فإذا قدّر الخالق شيئًا كان، وهو تعالى لا يظلم، كما لا يعطي شيئًا غير النعمة وما فيه مصلحة المؤمن، فعلى العاقل أن يستفيد من حالة الرخاء والشدة والعسر واليسر، والنظر إلى ما عند الناس من الأمور المذمومة. علينا أن نأخذ بالأسباب، ونتوكل على الله . { وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ} لا تعيشون الآخرين، عيشوا ذواتكم .. عيشوا وفق امكانياتكم المادية ..
نرى بعض الناس يتأمل ويتنهد في حسرة، عينيه مفتوحة، شغله النظر والمقارنة .. ويتحدث مع من يلتقي بهم، ولا يكفّ عن التململ من معيشته، كثير التذمر والشكوى من وضعه المادي،وهو في نزاع مستمر مع نفسه، يرى تلك الملذات والمباهج الدنيوية فيضيق صدره وتتحول حياته نكد في نكد . فهو يتساءل دائمًا: ما ذنبي ؟! لماذا لا أملك سكن مثل فلان .. لماذا لا يكون لدي رصيد مالي مثل فلان .. لماذا لا تكون لدي سيارة تضاهي قوة وفخامة سيارة فلان .. لماذا أنا فاشل وفلان ناجح .. لماذا لا أعيش حياة كريمة مثل الآخرين .. عبارات تخرج من فمه وتبرق من عينه بعدم الرضا والشعور بالتذمر .. هي حالة مرَضية نفسية تجعل الإنسان غير سعيد، يميل للحزن، ويبدد من خلالها طاقته .. ويشتت أفكاره في أمور لا تخصه .. وقد تجلب له الشدة والتعب والشقاء . هذه الحالة خطيرة .. لماذا؟ لأنها تسلب الإنسان سعادته في الحياة، وتجعله يعاني المرض والفشل والنقمة والإحباط والكآبة، فهو دائمًا يعيش حالة الألم، لماذا فلان الفلاني أرفع مستوى مني .. أرفع مقام مني .. مستواه المادي أفضل مني ..
إذا شئت أن تكون سعيدًا حقًا، فيجب ألا تقارن .. يجب أن تعرف كيف تكتفي ومتى تكتفي، على ألا يكون اكتفاؤك تواكلًا في النفس، وبلادة في الحس، بل استمرارًا في الكفاح مع التسامي بالرغبات والمتع إلى كل ما هو خيّر ونبيل، وما دمت وأنت تكافح سعيًا وراء يسر مادي، لا تغفل النظر إلى مطالب عقلك وفكرك وكيانك المعنوي، فأنت ستقرّ في نفسك التعادل بين المادة والروح . وهذا التعادل هو الذي يجعل منك انسانًا أعلى .. أمشي في خطك، لا تلاحظ الآخرين كيف يعيشون، وماذا يصنعون، وماذا يملكون؟!
-- اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الاكفان ، وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه بحق هذه الليلة المباركة، والصلاة والسلام على المصطفى نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- عاش سنوات عمره يراقب الناس ويلاحظ ما لديهم من نِعم الله سبحانه، تنتقل عينه من مكان إلى آخر، يسأل ويتسائل عن كل شيء ، هكذا أفكار تدمر حياة الإنسان، وينتهي به إلى الكآبة. الآن أحدى أمراض هذا العصر حالة الكآبة، القلوب ميتة، البسمة غير موجودة على الشفاه، الفرحة غير موجودة في القلوب، إحدى عواملها المهمة مسألة العيش في الآخرين والتي سببت ألمًا نفسيًا عميقًا .
محبكم/ منصور الصلبوخ .
تعليقات
إرسال تعليق