#خاطرة_الجمعة « حذار أيها الآباء .. أن يأتي اليوم الذي يتمنى فيه الأبناء موتكم »
لست أعني بهذا أني شعرت أو أشعر بأدنى خلل في عقلي .. لا .. فانا واثق بأني اتمتع إلى اليوم بعقلية إن لم تكن ممتازة فهي موزونة إلى حد معقول .. نعم قد أكون مسرفًا بعض الشيء في هذا الشعور .. ولكنني كإنسان يعيش بفكره أكثر مما يعيش بعواطفه يدرك أنه عادة ما يأتي اليوم الذي يتمنى فيه الأبناء موت الآباء لا سيما إذا كانوا من ذوي الثروات !! ولمن ينتظر وفاة والده أو يتمنى موته يومًا، حتى يرث نصيبه من الميراث، وهو ما اتخذنا منه عنوانًا لهذه الخاطرة . أروي لكم حادثة حصلت قبل أكثر من ثلاثين عامًا بين ورثة متوفي، فقد حدثني من أثق به أن رجلًا ثريًا توفي وله أبناء، وقبل إقامة مراسم العزاء، بل قبل قبر المرحوم، شُوهد الأبناء وهم يتضاربون ويتنازعون على تقسيم الثروة !!
بداية وقبل مناقشة ما جاء في المقدمة، أرى لزامًا عليّ أن أشير إلى الدور الحيوي الذي يسهم به إنفاق المال في توثيق الصلات بين الأفراد . فالمال مال الله والإنسان مستخلف فيه ولا يملكه ملكًا حقيقيًا لكن ملكه له ملك مؤقت ينتهي بالموت ثم يخلفه فيه من بعده كما استخلفه ممن قبله وهكذا . والمال يكون فتنة وابتلاء كما قال تعالى: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ..} ويكون وسيلة إلى الإصلاح والإفساد والخير والشر، ويكون نعمة من الله تعالى وزينة يسعد به الإنسان في حياته ويتواصل به في أعمال الخير . ولهذا كان الحرص على المال وجمعه من كل وجه كان، ومنعه من مستحقه والبخل به عن الإنفاق في أوجه الخير والقضايا الإنسانية، عمل مذموم، فما معنى أن يكون الإنسان مجبول على حب المال ومن ثم البخل والشح به بعد قبضه والحصول عليه ؟ الخطير في الأمر أن يكون المال سببًا في إيذاء الزوجة والأبناء وحرمانهم من متع الحياة . وهنا يكون أشد ذمًا وإثمًا، فلا يجوز للآباء البخل والتقتير في المال على ممن يعولونهم، فالإنسان مسؤول ومحاسب على كل تصرفاته تجاه أهله، إذن، فلمن يقتني تلك الأموال كلها ويكنزها، ويجمعها دون توقف ؟!
فلنتوقف هنا مع أب له أربعة أبناء وزوجة، عاشوا حياة ضيقة ومستوى معيشي متدن، وبعد وفاة الأب بأيام يتفاجأ الأبناء أن والدهم ترك لهم ميراثًا طيبًا، وهذا بلا شك شكل مفاجأة لأفراد الأسرة، لأنهم كانوا في الحقيقة محرومين سنوات من التمتع بهذا المال .. وبالتالي تحول حزن الأبناء بفقد والدهم إلى راحة، وكأن الأموال هبة نزلت عليهم من السماء حتى إن العائلة لم تنم ليلتها من السعادة !! نعم هذا هو الواقع الجديد عندما يتنفس الأبناء الخير بعد وفاة والدهم .. وبعد طول حرمان . هكذا نجد أناس همهم فقط جمع المال ثم يرحلون تاركين خلفهم كل ما يملكون لورثتهم .
هناك أناس يعيشون بين ظهرانينا، يملكون في دنياهم المال والأسهم والعقارات، وعائلاتهم وممن يعولونهم وأرحامهم يعانون الضيق ومستوى معيشي متدني، وقد وجدنا أولادهم سقطوا في إرهاصات الديون ومخاطرها لمواجهة معترك الحياة دون سند لهم .. نعجب لثراء الآباء الذين يتركون أبناءهم في سن الشباب يعانون من الفاقه والعوز .. لقد تبدلت أحوال الأسر، فأصبح الأبناء يألمون من قلة ما في جيوبهم . إنها أمور تسيء إلى سمعة الآباء من حيث يعلمون أو لا يعلمون .فليست العبرة في أن نحب الأبناء، بل العبرة في أن نعرف كيف نحبهم !!
الرجل من أصحاب الثراء وتخطى سن الستين، وهو السن الذي يحلو فيه وبعده الخلود إلى الدعة والسكينة والحياة الكريمة مع من في رعايته. من المفترض أن تكون الزوجة والأولاد والبنات في مستوى معيشي تتوفر فيه ضرورات الحياة الكريمة، لكنه يبخل على نفسه ولمن يعولهم، لماذا ؟ هذا المال الذي عندك أيها الأب لمن تريد أن تدخره .. الأعمار بيد الله تعالى، والموت نهاية كل حي .. وعندما ترحل عن الدنيا يتحول المال إلى إرث شرعي لمن يرثونه شرعًا، هنا ستتغير حياة الورثة من مستوى معيشي تعودوا عليه طيلة حياة ممن يعولهم شرعًا حيًا إلى مستوى تتوفر فيه متطلبات الحياة الكريمة. والسؤال هنا: لماذا هذا التقصير على الزوجة والأبناء في حياتك وانت تعرف أن بعد مماتك سيتغير الحال؟! على الأغنياء وحتى متوسطي الدخل وأحوالهم طيبة ألا يبخلوا على ممن يعولونهم، فاذا كانت لديكم أموالًا، اصرفوها على أولادكم وأنتم على قيد الحياة، لا تجعلوا التوسعة عليهم بعد موتكم . مثل هذا السلوك يؤدي إلى قطع الأرحام عند رحيلكم من الدنيا .. يقول رسول الله صلى الله عليه وآله: « لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما » .
اللّهُمَّ إن هناك أحبة لنا تحت التراب، اللّهُمَّ أغفر لهم وآنس وحشتهم وضاعف حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم، اللّهُمَّ بشرهم بالفردوس الأعلى. والصلاة والسلام على المصطفى خاتم الرسل وعلى آل بيته الطيبين الأطهار .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد .
_________
-- لا يتذكر الأبناء والدهم بخير، كان أبوهم شرسًا وبخيلًا جدًا، جمع المال طيلة حياته وعاش مع عائلته في مستوى معيشي لا تتوفر فيه حتى ضرورات الحياة الكريمة. وقد يلجأ الأب إلى الضغط على الأبناء بوسيلة الابتزاز .. نعم بعد ممات الأب وجدوا الأبناء أنفسهم فجأة في حياة جديدة غير متوقعة، نقلتهم من حالة الضنك والضيق إلى موقع عالٍ؛ وغيرت كل شيء في حياتهم، وتحققت آمالهم بعد ما كانوا قابعين في حياة الفقر والحرمان، هذا هو الأب الذي لديه خيرات وحرم أهله وأولاده من التمتع بها في حياته .
محبكم/ منصور الصلبوخ.
تعليقات
إرسال تعليق