#خاطرة_الجمعة « عامل الناس كما تحب أن يعاملوك »
قد يدفعك الفضول أحيانًا كثيرة على مساءلة قريبك أو صديقك عن أحواله، ثم تقلب فجأة إلى أمور خاصة، وتتدخل في أدق التفاصيل التي لا يرغب القريب أو الصديق الكشف عنها بحجة العلاقة بينك وبينه، بيد أن هذا الأمر يدعو إلى الإحساس بعدم الرضى والضيق والتململ من طرفه، وقد لا يفصح عن ذلك .. ولا يستطيع الفرار من اسئلتك المزعجة أو تجاهلها مخافة أن لا يخسر علاقته معك، وبالتالي تأتيك الفرصة للتدخل في خصوصياته ومعرفة المزيد .. هذا الأمر قد يؤدي إلى جرح كبريائه . إصرارك على معرفة كل شيء بحجة القرابة أو ما شابه ذلك، أمر لا يليق إلا بصغار النفوس .. فهناك أمور يستحسن إخفاؤها والتي تتعلق بحياة الناس الخاصة، ولا نجيز لأنفسنا الإطلاع عليها إلا في حدود ما يسمح به.
ليس من الأدب أن تقتحم خصوصية إنسان وتعطي رأيك فيه بصراحة دون مراعاة مشاعره، فهناك فرق بين الصراحة والوقاحة، وبين طيبة القلب واللسان، بعض الأحيان الصراحة تتحول إلى وقاحة بمعنى لا كل شيء أراه سلبي عند الناس أقوله بحجة « أنا صريح » ولا تتفاخر بقولك أن قلبك على لسانك، فقد تكون القلوب سوداء من الأحقاد والأغلال .
الصراحة شيءٌ جميل يكون بين الأقرباء والأصدقاء لبيان عيوبهم وبدون مجاملة أو استفزاز، وإن يكون بقصد النصح والإصلاح، ويكون سرًا وبمجلس خاص . لا بد أن تتسم الصراحة بالمنطق والعقلانية والمبنية على الاحترام قبل كل شيء، ويعالج أي نقاش بهدوء وحكمة. أما الوقاحة: شيءٌ سيىء جدًا، الهدف منه الانتقام وتسقيط الشخص أمام الآخرين وأحراجه وتجريحه، ويكون مدعاة لارتكاب الإثم والإصرار عليه .. الصراحة لها إيجابياتها وسلبياتها قبل أن تعمم في المجتمع وتصبح من المفاهيم المغلوطة. وإذا تجاوزت الصراحة حدودها أصبحت وقاحة .. فالتدخل في شؤون أقاربك أو توجه إليهم الانتقادات الجارحة بحجة القرابة بينك وبينهم تسمى وقاحة، وتوجيه الملاحظات لأشخاص لا تعرفهم جيدًا تسمى وقاحة، والمبالغة بأعطاء الرأي أوقات كثيرة تسمى وقاحة. والتنمر على الآخر تسمى وقاحة، والحديث عن الآخر تسمى وقاحة، ونقل ما يدور في المجالس الخاصة من كلام وتصرفات أو مشكلات إلى العلن تسمى وقاحة، والدخول في خصوصية الآخر تسمى وقاحة .. نعم ليس من اللائق اقتحام خصوصية الآخرين، والتدخل في حياتهم . يجب أن لا تتصور أن هنالك دائمًا سببًا واحدًا بعينه يدعوك إلى التدخل في حياة الناس . في عصرنا الراهن قد أصبح بالإمكان الكشف عن الحياة الخاصة للأفراد عن طريق قنوات التواصل الإجتماعي .. نعم لقد أصبحت المسألة على درجة عالية من السهولة واليسر . ولمثل هذا الفعل الذي يصب في خانة عدم احترام خصوصيات الناس، هذا الفعل خلق مشكلة، وزرع بذور الكراهية وبنى حواجز وشروخًا نفسية تراكمت مع الأيام !!
الصراحة يجب أن تأتي من قلب نظيف . البعض لا يتقبل الصراحة حتى لو كان فيها النصيحة. لأن نفس الإنسان عزيزة عليه ولا يقبل أن يخدشها أحد .. إذن، الصراحة كلمة حق نقولها للآخر مع مراعاة شعوره بينما الوقاحة ربما تقول الحق ولكن دون مراعاة شعوره .
هل نحن نتعامل مع الآخرين بصراحة كاملة؟! ليكن ذلك فالصراحة في العلاقات بين الأفراد مطلوبة ولكن بثوب الدبلوماسية، وعلينا ألا نفهم أو نحوّل الصراحة إلى وقاحة فأنت يمكن أن تكون صريحًا في حدود اللباقة والأدب أما من يعتقد أن الصراحة هي الغلطة والوقاحة فهذا خطأ. روي في الحديث عنهم عليهم السلام: « ما كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال حان وقته، ولا كل ما حان وقته حضر أهله » بحار الأنوار ، ج ٥٣ ، ص ١١٥ .
من الظواهر الإجتماعية التي لفتت نظري تصرفات بعض الأفراد وتعاملهم مع أخطاء الآخرين . يقول الحديث الشريف: « إستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك » . إن العيوب والأخطاء، تصدر من الناس، إلّا أن اشاعتها أكثر قبحًا منها فلسبب الضعف الموجود في البشر، يرتكبون الأخطاء، ولكن لماذا يقوم بعضنا بنشر " غسيل الأخرين " على الملأ ؟ «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به » هذه هي الحكمة التي يحتاج إليها الإنسان، هنالك فريق من الناس همه التدخُّل في شؤون الآخرين، هو كثير التساؤل في خصوصياتهم، فلا شيء يمر من أمامه دون أن يطال لسانه الجارح عباد الله، يتتبع سيئاتهم، وينشرها حين الاختلاف معهم، هؤلاء الأشخاص محكوم عليهم بالسقوط من قلوب الناس .. إسقاط نفسك من أعين الناس يدعوهم إلى النفور منك .. ما أريد أن أقوله هو أن صراحتك المطلوبة لا بد أن تكون مرآة تعكس قيمك وأقوالك بصدق ومحبة وبما يرضي الله عز وجل، فأنت لا تفرض رأيك على الآخرين .. نعم قد ترجو بذلك مصلحتهم، ولكن من حقهم أن يرفضوا النصيحة رأسًا .
قد يطرأ على حياة الشخص من ظروف تقلب حياته رأسًا على عقب، فقد يلحأ إلى طرف آخر لإيصال همومه ومشاكله إلى من بيده حسن التصرف ومفتاح الحل وهو من الأعمال المطلوبة التي يؤجر فاعلها . ولمثل هذا نطرح مفهوم النصيحة التي تساعد على توثيق الصلات بين الأفراد .. إن علاقاتنا مع الآخرين تفتقر إلى الصراحة والثقة المتبادلة، وهذا ما يؤدي إلى الشعور بالتعاسة . النصيحة تهدف في الواقع تجنيب الإنسان العثرات، والأخطار المهلكة، التي قد يقع فيها، إن لم يحصل له تنبيه عليها .. النصيحة تلعب دورًا حيويًا في علاقاتنا الشخصية وروابطنا الاجتماعية، لأنها تمس حياتنا بتفاصيلها .
إذا فكرنا جيدًا بالسبب الرئيس لمشكلات الناس بين بعضهم بعضًا نجد أن مصدرها واحد، وإذا نظرنا في خلافات الأقرباء والأصدقاء نجدها تصب في خانة عدم احترام الشخص الآخر وخصوصياته، مع غياب الكثير من القيم، فلماذا لا نحرص على حسن التعامل بين الناس، ونتحلى بالأسلوب الراقي للعيش بسلام ؟ يقول الحديث الشريف: « ليكن احب الناس إليك من هداك إلى مراشدك ، وكشف لك عن معايبك » غرر الحكم .
وأخيرًا، لا تسمح لأي شخص اقتحام خصوصيتك، فإذا كانت المعلومات الخاصة بك في متناول يد الآخرين فقد تكون سبيلا من سبل محاربتك وأضعافك وتدمير حياتك العائلية والمهنية، هناك أشخاص يحبون معرفة كل شيء ، ولا أحد يسلم من ألسنتهم .. هم من صغار النفوس، لا يرتاح الناس بوجودهم .
بعض الأشخاص لا يمكنك الإفلات من اسئلتهم ، وليس لك القدرة على إيقافهم . هنا نحتاج إلى الشخصية القوية القادرة على إيقاف.مثل هؤلاء الأشخاص الذين يتدخلون في خصوصيات الناس .
-- اللهم أرحم من توسدت أجسادهم الأكفان وأجعل قبورهم خير مسكن تغفو به أعينهم حتى تقوم الساعة وارحمنا إذا صرنا إلى ماصارواإليه. اللهُمَّ صَلِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد .
طابت جمعتكم بالصلاة على محمد وآل محمد.
_________
إن المطلوب منا أن نكون ايجابيين ، ننظر إلى الحياة من خلال رؤية سليمة ومنصفة، ونقيم علاقتنا مع الناس على أساس أن 99 % منهم طيبون .. وما يخالف ذلك فهو الشاذ الذي لا يستحق الاهتمام به .. من هنا فقد حرّم الإسلام تتبع سيئات الآخرين، بل طالب بأن نغض الطرف عنها ..
محبكم/ منصور الصلبوخ .
تعليقات
إرسال تعليق